6- السلفيون وثقافة الغباء الجمعي

ياسين المصري
2022 / 7 / 11

الثابت من الديانة الإسلاموية بالضرورة، هو التوجه السياسي الفاشي من بدايتها، ولذلك تفرز دائمًا آراء مختلفة ومذاهب متعددة وجماعات متصارعة وفرق متقاتلة وقاتلة لا حصر لها، وجميعها بلا استثناء تهدف إلى الإثراء على حساب الأتباع والموالين لها من جراء ما تنتجه من الغباء الفكري والخلل السلوكي وتنشره وترسِّخه في عقولهم، والكثير من هذه الجماعات مازالت تعمل حتى اليوم. إحداها وليس آخرها جماعة السلفيين المتواجدة بقوة في العديد من الدول المتأسلمة، وبالطبع في مقدمتها مصر.
نبذة تاريخية:
يرى السلفيون انفسهم أقرب من غيرهم إلى نبي الأسلمة، وأنهم إمتداد لمنهاج نبوته، ثم صحابته، فالمتابعين، فتابعين التابعين، ممن يسمونهم ”السلف الصالح“. نشأت هذه الرؤية النرجسية لأول مرة في مدرسة ”أهل الحديث والأثر“ التي برزت على يد أحمد بن حنبل (780 - 855م) أحد أئمة السنة الأربعة، في القرن الثالث الهجري، بهدف مواجهة المنهج العقلاني للمعتزلة الذي ظهر من قَبْل في العصر العباسي، ورأوا فيه خطراً يهدد (صفاء الإسلاموية ونقاءها، وينذر بتفكك الأمة وانهيارها). نفس الاسطوانة التي نسمعها حتى الآن لحجب العقل عن التعامل مع النصوص الدينية. ففي قضية خلق القرآن، اعتُبِر ابن حنبل منتصرًا على المعتزلة، لمجرد أنه رفض القول بخلق القرآن أو بعدم خلقه، واكتفى بالقول: « إن القرآن كلام الله فقط»، وأضاف: « من قال بخلقه فهو جَهْمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدِع». وبذلك وضع حجر الأساس للفكر السلفي، فأقرَّ منهجه الخليفة العباسي (الحاكم بأمر الله 1001 - 1075)، كمنهج رسمي للدولة. وهنا يرى الأستاذ حسن أبو هنية في مقال له بعنوان: (سياسات السلفية الإحيائية الجديدة، نسخة محفوظة في 12 مارس 2016 على موقع واي باك مشين)، « أن محنة ابن حنبل في فتنة خلق القرآن، هي أنه كان حاسماً في بلورة وعي سلفي عمل على بلورة موقف سلفي واضح ومتميز لأول مرة».
ومع ذلك، شهدت السلفية انحسارًا شعبيًا وسياسيًا ملحوظًا بعد انقسام الفقهاء الإسلامويين وأهل الحديث إلى فرق عديدة مثل الحنابلة والأشاعرة وغيرهم. ثم ظهر السوري المدعو ابن تيمية (1263م - 1328م) بالتزامن مع سقوط الدولة العباسية، على أيدي التتار بين سنتي 1258 و1259م، فعمل على إحياء الفكر السلفي مرة أخرى، وقام بشن حملة على من اعتبرهم أهل البدع، ودعا إلى إحياء عقيدة ومنهج السلف من أجل تحقيق النهضة، بحسب قوله. فاستجاب الكثيرون لأفكاره. ثم ما لبثت أن انحسرت السلفية انحساراً كبيراً بعد ذلك. لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في دعوة البدوي محمد بن عبد الوهاب في شبه جزيرة العربان، وقد واكبت عصر انحطاط وأفول نجم الاستعمار التركي العثماني، وصعود الاستعمار الغربي. أحدثت هذه الدعوة تأثيراً كبيراً في مختلف أنحاء العالم الإسلاموي، ودار حولها لغط كبير بين مؤيديها ومعارضيها، ولكنها ظلت تعمل خلف كواليس الحياة، إلى أن بزغت أموال النفط العروبي الأسود من تحت الأرض، مع انتشار القنوات التليفزيونية وشبكة الإنترنت، فظهرت الوهابية بقوة، وتسببت في حدوث فوضى دينية منقطعة النظير في العالم المتأسلم، كان للسلفية في مصر دور كبير فيها.
السلفيون في مصر:
في 11 ديسمبر 1912، أسس شيخ أزهري يدعى محمود خطاب السبكي (1858-1933)، جمعية دينية، أسماها “الجمعية الشرعية“ لتكون أول جمعية منظمة في مصر منذ خضعت للاحتلال البدوي الإسلاموي، وتعمل خارج إطار الأزهر، وتدعو إلى إحياء السنة وإماتة البدعة. وتتمسك بما نُقِل عن السلف (الصالح)... باعتباره يمثل نهج الإسلاموية الصحيح، وأخذ الأحكام من كتاب الله، ومما صح من أحاديث النبي، فتمكنت في غضون سنوات قليلة من التوسع حتى شملت حوالي 350 فرعًا في أنحاء مصر، وتدير 38 معهدًا دينيًا، موزعة على اثنتي عشرة محافظة، لإعداد الدعاة من الرجال والنساء؛ كما تدير شبكة كبيرة من المشروعات التجارية والصناعية والاجتماعية مثل كفالة اليتيم ورعاية الأرامل وتيسير الزواج، ومجمعات سكنية وتعليمية لاستضافة الفتيات المغتربات، ومستوصفات علاجية في تخصصات مختلفة، ومدارس لتعليم الكبار ومحو الأمية، ومدارس لتحفيظ القرآن. وجميعها أعمال من المفترض أن تقوم بها الدولة أو تكون تحت رقابتها على الأقل.
استوعبت هذه الجمعية تيارات دينية مختلفة ومتناقضة أحيانًا، وتأثرت بها؛ حتى أن التيار السلفي الرافض بشكل مطلق لكل ما يمت بصلة للحداثة، تغلغل فيها، بانضمام ”جمعية أنصار السنة المحمدية“ إليها من عام 1967 حتى عام 1972. وكان مؤسسها الشيخ محمد حامد الفقي ( 1892-1959)، يتردد في شبابه على الجمعية الشرعية، ولكنه سرعان ما اختلف معها في كثير من الأمور الفقهية كالمعتاد، فهي في مجملها أمور ظنية أو تأويلية من اختراع الفقهاء الخبثاء. وعقب تخرجه من الأزهر في عام 1926، قام بتأسيسها، ليمارس دعوته مستقلًّا في إطار من العمل الجماعي المنظّم، ومحاربة الشرك والبدعة في كل صورها، ومواجهة تسلط الصوفيين على المناحي الفكرية والمؤسسات الدينية في البلاد. سافر الشيخ إلى السعودية، وقضى بها ثلاث سنوات، ثم عاد لتنطلق الجمعية من جديد في الثلاثينيات من القرن الماضي، ويزداد انتشارها، فأصبحت فيما بعد أكبر جماعة سلفية منظمة، تملك 200 فرعًا، وتدير أكثر من ألف مسجدًا (بواقع بناء أحد عشر مسجدًا سنويًا). وشرع أعضاؤها في بناء شبكة ممتدة من المناصرين والمؤيدين والموالين لهم، وتحويلهم إلى رأسمال سياسي يمَكِّنُهم - حينما تتهيأ الظروف - من الانقضاض على السلطة في مصر، التي يعتبرونها كافرة دائما وأبدًا، وإزالتها أو إجبارها على إقامة حكم الله. كما امتد نشاطهم إلى جمعيات دينية مشابهة في الكثير من البلاد المتأسلمة. أصدرت الجمعية مجلة ”الهدي النبوي“ من سنة. 1937 حتى سنة 1968، التي شارك في تحريرها الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر آنذاك وآخرون.
يرى السلفيون أن أي نظام حكم بما في ذلك النظام الديموقراطي نظامًا كافرًا؛ لأنه يعطي الإنسان حقّ التشريع الذي هو حقّ خالص لله، وأن نظام الحكم الإسلاموي عندهم له خصوصيته، لا يجوز أن يستعير أي شيء من المناهج الغربية، ورغم ذلك، لا يخجلون من الترشّح للعمل السياسي وفق نظم الديمقراطية الحديثة؛ لأن مزاحمة أهل الديمقراطية في الانتخابات العامة وغيرها، لتقليل شرّهم أمر جائز، مع مراعاة الضوابط الشرعية إذا ترجّحت المصالح على المفاسد، بحسب زعمهم.
استمروا يعملون في قاع المجتمع على تشكيل الوعي الديني والسلوكي للمواطن تبعًا لمنهجهم، مع غياب تام للدولة التي يحكمها عصابة من الجهلة والعجزة، إلى أن جاءت فرصتهم الذهبية بعد الانتفاضة الشعبية في 25 يناير 2011، لإظهار السلفية الحركية، وابراز مكانتهم واستعادة مواقعهم واقتسام حصة في الفضاء السياسي - الديني الذي انفرد به الأزهر والإخوان المتأسلمين لعقود طويلة. وعندما اطلقت (الخونتا العسكرية Military Junta) الحاكمة سراح المعتقلين المتأسلمين بكل مشاربهم من السجون، انتشرت على إثر ذلك الفوضى فى نواحى مصر، وهوجمت المبانى المدنية والحكومية، وحرِّقت المنازل وخُطِفت البنات والسيدات واغتصب العديد منهن، (أساليب دنيئة للسلطة الحاكمة لا تخفى على أحد لتشويه سمعة المفرَج عنهم). ظهر السلفيون في مقدمة الجماعات الدينيه التي تنادي بتحويل مصر إلى دوله دينيه تقام فيها الحدود كقطع الايدي والأرجل من خلاف وقطع الرقاب ورجم الزواني … إلخ، مثلما فعل الرسول وصحابته والتابعين …. وكان هذا العام (2011) على عكس الأعوام السابقة واللاحقة، مليئا بأنشطتهم وفرض أجندتهم على الساحة السياسية بإسم الدين. ففي فبراير من نفس العام قاموا بالاعتداء على المواطن القبطي أيمن أنور ديمترى فى قنا، وقطعوا أذنه وحرقوا بيته بحجة “إقامة الحد الشرعي“ عليه، بعد ما اتهموه بتسكين سيدات سيئات السمعة فى بيته. وفي محافظة المنوفيه عمدوا إلى طرد سيدة من بيتها وألقوا بالعفش وكل ممتلكاتها فى الشارع، بحجة انها سيئة السمعة، وشاع عنهم في ذلك الوقت أنهم هدَّدوا بمهاجمة السيدات غير المحجبات في الشوارع وإلقاء مادة حارقة (مية نار) عليهن.
وفى 1 ابريل عقدوا مؤتمرًا لهم أسموه ”مؤتمر الدعوة السلفية“ فى مسجد عمرو بن العاص فى القاهرة، وظهروا في المؤتمر يرتدون العباءات والشماغ السعودي أو الزي الأفغاني ذو الجلباب الطويل، وقد أطلقوا الذقون وأزالوا الشوارب، وعلت أصواتهم، وبدت على وجوههم علامات التجهُّم والغضب والكراهية، وهم يقدمون - لأول مرة في التاريخ - صورة مجسمة ورديئة ومقززة للنبي الكريم، استقوها من التراث!، مع اختلاف الفارق الزمني وما يفرضه من النظافة النسبية، واستعمال تكنولوجيا الكفار.
انتقدوا في المؤتمر اعتزاز وتباهي المصريين بأصلهم الفرعوني، وقالوا إنها ”فرعونية عفنة“، واكدوا على ضرورة تطبيق الشريعة الاسلاموية فى مصر، وانبرى الشيخ سعيد عبد العظيم، الحاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة الإسكندرية عام 1978، ويعمل خطيبًا في مسجد الفتح بمصطفى كامل بالإسكندرية، ليقول حرفيًا في خطابه أمامهم المؤتمرين:« ان فتح مصر كان سبب اسلمتها وان الدين عند الله هو الاسلام بَسْ، وإن الاسلام إدَّا الأقباط أمن وأمان ماحظيوش بيه قبل كده»، واستنكر جحود الأقباط ”بالجميل“، واعتبره ”من اكبر الآثام“!.
وفي نفس العام أسس وترأس اللواء شرطة المتقاعد والمساعد الأسبق لوزير الداخلية عادل عبد المقصود عفيفي، ”حزب الفضيلة“ السلفي، ثم بعدها أعلن انشقاقه، وقام بتأسيس ”حزب الأصالة“ السياسي الإسلاموي، وفى المؤتمر الأول للحزب في يوليو 2011. قال عبد المقصود: « نحن نشارك فى العمل السياسى، حتى لا نترك البلد للعلمانيين والليبراليين».
فى 23 سبتمبر خرجوا في مسيرة مشتركة مع الإخوان فى شوارع القاهرة، وأفصحوا عن استعدادهم لتقديم أنفسهم شهداء فى سبيل تطبيق الشريعة الاسلاموية فى مصر.
فى 13 نوفمبر اقتحم الشيخ السلفي ”حازم شومان“ (خريج كلية الطب بجامعة المنصورة) صالة ”اكاديمية النيل للعلوم“ فى المنصوره، حيث كان يقام حفل للمغني هشام عباس بحجة ان الغناء حرام، وقال شومان انه قصد من ذلك، نصح الحاضرين وإبعادهم عن ”المنكر“. وصرَّح خالد سعيد المتحدث باسم الجبهة السلفية بعد الحادثه، بأن: « ما عمله شومان يجازى عليه خيرًا، وانه علم، بأن بالحفل مفاسد ومجون لا يقبل به، وأنه وجد اختلاطا وإثارة للغرائز، وهو امر غير مقبول على الاطلاق».
وفى 11 ديسمبر عقد نفس الشيخ ندوه فى كلية التجارة فى جامعة المنصورة عبر فيه عن حزنه لحالة شباب مصر فى الآونة الأخيرة وأكد ان الكثيرين منهم يعيشون فى غيبوبة، ودعا الله لهم، قائلا: « ربنا يجوِّزكم يا شباب مثنى وثلاث ورباع ويجوِّز أخواتنا ويقْعُدْن فى البيت ونُنهي فتنة النساء». وبعد ذلك بيومين عقد ندوه أخرى فى جامعة القاهرة، حضرها لفيفٌ من الشبان ذوي اللحى والشابات المحجبات والمنقبات، يحملون شارة ”حزب النور“ الذي اسسه السلفيون فى اواخر مايو 2011. واتهم شومان جامعة القاهرة بأنها أنشئت لتنتِج شبابًا يقاومون شريعة الله ويرفضونها، وتطرق في الحديث عن اقتحامه لحفلة المغنى هشام عباس، قائلًا: « أنا مريت بالصدفة أمام الحفلة ومرضتش أروح أنام وتتم معصية الله وفهمت أن هناك نساء عاريات على المسرح فدخلت ودعوت الشباب لترك دى المعصية».
ولكن من عجائب وغرائب الغباء الجمعي، مطالبتهم بتغطية التماثيل المصرية الفرعونية بالشمع لكونهم بيعتبرونها أصنامًا وليست آثارًا تاريخية، ففى ديسمبر 2011 أكد (الشيخ المهندس؟!) عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمى باسم السلفيين على مطلبهم، وقال لجريدة الرأي العام المصري: « إن التماثيل دى زى الاصنام اللى كانت فى مكه ولازم تتغطى بالشمع»، مع أن هذه الاثارات والتماثيل الفرعونية العظيمة، كما يعرف العالم بأسره، مرت عليها عصور إسلاموية كثيرة (أموية وعباسية وطولونية وإخشيدية وفاطمية وأيوبية ومملوكية وعثمانية … إلى آخره)، ولم تخطر هذه الفكرة الشيطانية على بال أحد من الحكام أو المعممين ورجال الدين.
مع نهاية 2011 ظهرت فى مصر جماعة من السلفيين تسمي نفسها ”هيئة الامر بالمعروف والنهى عن المنكر“، على غرار مملكة الجهل المقدس المتسعودة. وأصدرت بيانها الأول، قالت فيه إن مهمتها هي: « مراقبة السلوك العام فى كافة المرافق العامة كالشواطئ والحدائق والملاهي والشوارع والميادين الرئيسية، وغيرها لتقويم سلوكيات المواطنين وكل ما يتعارض مع الكتاب والسنة والالتزام بالزى الإسلامي المتمثل فى النقاب». وعلى إثر ذلك تواجد فى مدينة بور فؤاد شبان ملتحيان يرتديان الزي السلفي المميز، ويمسكان عِصِيًّا فى ايديهم، وراحوا يراقبون المارة في شوارع المدينة ويلاحقونهم، ويحذرون الحلاقين من حلاقة ذقون المتأسلمين او تسوية حواجب الرجال والنساء، بما يسمى فقهيا بـ”التنمُّص“ أي نتف شعر الحاجبين بخيط، تباعًا لحديث نبوي!.
ومع أنهم يطالبوا بالرجوع لماضي السلف الذين عاشوا منذ قرون فى مجتمع صحراوي بدائي متخلف، إلا أن قادتهم والكثيرين منهم يتمتعون بثراء فاحش، ويستخدمون إلى جانب مواقعهم ومساجدهم المنتشرة في طول البلاد وعرضها، الأدوات الحديثة كالقنوات الفضائية والانترنت لنشر تعاليمهم وأفكارهم، فالغالبية العظمى منهم حاليا في وضع المليونيرات، برغم أنهم جميعا من أصول فقيرة أو معدمة، وقد يكون تعليمهم الدراسي على أعلى المستويات، لكنهم مع ذلك يعانون من الضعف المعرفي والثقافي، ى قد جعلتهم الأوضاع المتردية في البلد يتعاطون الدين لما يجلبه لهم من شهرة وثروة ونفوذ. يعتمدون في ذلك على أسلوب النقل بشكل براجماتي مباشر، لا لبس فيه ولا تأويل أو تجميل، أي مخاطبة الجانب المظلم في الطبيعة البشرية، وإظهار مثالب ومساوئ النبي الكريم دون مواربة أو تبرير، وهذا ما تطلبه النفوس المريضة والمقهورة والمغيبة.
من الملاحظ أن في حياة الكثيرين منهم نقطة تحول ما، تمثلت غالبا في رحلة غامضة لمملكة آل سعود راعية الإرهاب الديني، أو زيارة قتالية في أحراش أفغانستان المنبع الأصلي للديانة، ثم العودة في صورة داعية جهوري، كثير الصراخ، شديد الغضب والكراهية لنفسه وللمجتمع. يحتمون عادة في ظلال العمل الخيري الديني المدعوم من أثرياء النفط الخليجي، ويحتكرون شاشات قنوات المشايخ التي ينشئها مال النفط الخليجي، فتتضخم أرصدتهم في البنوك، وتتعدد فللهم وقصورهم، وتتعدد زيجاتهم (الشيخ محمد حسين تخطت زيجاته رقم الـ30) أنظر:
https://www.elwatannews.com/news/details/5132383
ويكثرون من النسل، لأن {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} (الكهف 46) ولا زينة في الدنيا غيرهما، في حين أن غالبية أتباعهم من عامة الناس، ومن الذين دهسهم قطار الفقر والجهل والضياع، وعزَّت عليهم فرص العمل الشريف، ويبحثون عن طريقة لتحقيق الذات، بالاستغراق في المظهر الديني، والتنطُّع، واستساغة الفتاوى المفرِطة في التشدد والشذوذ، من نوع وصف وجه المرأة بالفرْج، والإدمان على تعدد الزوجات، والطلاق تلو الطلاق، وهو أبغض الحلال عند الله. تعبير (التَّنَطُّع) ـ هنا ـ ليس قذفًا ولا سبًّا، ولا تجاوزا بغليظ القول في حق أحد، بل أنه الوصف الفقهي الدقيق، فقد حذر فقهاء الإسلاموية الأوائل من (الترخُّص والتَّنَطُّع). الترخُّص هو التماس الرخص الدينية في غير محل، وتحويل الإسلاموية إلى ميوعة لا تنتهي، بينما (التَّنَطُّع) على العكس تمامًا، إنه التشدد في غير موضع، وتحويل الدين إلى عسر لا يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه. وفوق التشدد في فتاوى تطلق بغير تبصر، وبغير سند ولا دراية، وتخاصم العقل وعلم الدنيا. وهذا ينطبق تمامًا عيلهم فجميعهم كما هو واضح لا صلة لتعليمهم بالدين على الإطلاق.
لا ريب في أن الكثيرين قد أتيح لهم الاستماع والمشاهدة لفتوى غاية في البراجماتية والموضوعية ولكنها في غاية الغرابة والشذوذ في الوقت الراهن، للشيخ السلفي أبو اسحاق الحويني، وهو اسم اتخذه لنفسه، وليس اسمه الحقيقي، وهو حر طبعا في أن يغير اسمه كما يشاء، والرجل له أتباع كثيرون، ويسمونه ”المحدِّث الأكبر“، وقد وصف شيخ الأزهر بأنه رجل جاهل، ما علينا، المهم ما يقوله هذا الحويني، تحدث مرة عن فريضة الجهاد في الإسلاموية، بعبث ظاهر وسوقية مفرطة وانحطاط لا مثل له، وهو يحدث مستمعيه المغيبين عن الفقر والجهاد، قائلًا: « إن فقركم سببه تناسي فريضة الجهاد، فالغزوات تجلب السبايا، وأن بيع السبايا يحل المشكلة الاقتصادية»، وقال بالحرف الواحد: « الواحد يرجع من الغزوة، ومعاه شحط وأربع نسوان وجيبه مليان»، هذا الشيخ لا يسفه الدين كما يظن البعض، بل يقول بما فعله نبي الدين، لذلك يستمر في الانتفاخ كالطاووس، ويزيد من غرقه في ملذات الدنيا وأموالها ونسائها. في المقال السابق أتينا بمقطع فيدو له يخاطب مستمعيه عن الحور العين، قائلًا: « ستروا أجسادهم من تحت سبعون فستان وستروا صدورهن كالرمان تقطف منها كما تشاءون!». كل هذا وغيره يحدث جهارًا نهارًا تحت سمع وبصر الدولة، وذلك لأن هذا الرجل وأمثاله من السلفيين قد تحتاج إليهم الدولة الهزيلة في يوم ما، وهم من ناحيتهم يتقاعسون عن قول كلمة حق واحدة في وجه سلطان جائر، لأنه لن يستطيع مس ولي نعمته ولو بكلمة واحدة!، ويغيِّرون ألوانهم كالحرباء، فبعد الانقلاب العسكري على الرئيس الإخواني محمد مرسي والتنكيل المميت به وبقيادة الإخوان المتأسلمين في عام 2013، أدركوا أنه لا مجال لهم في الوقت الراهن للتدخل في العمل السياسي، تغير لونهم وخفَّ لهيب جذوتهم، ولكنه لم تنطفئ كلية، لاحتياج العسكر إليه.
ذكرت في المقال السابق، أنه في الوقت الذي يطلب العسكر من مؤسسة الأزهر تعديل الخطاب الديني، دون استجابة منها، كانوا كمن يطلب من الفيروس أن يقتل نفسه، بحسب قول الدكتور القمني، ولكن بالتوازي مع طلبهم الغير مستجاب أطلقوا فيروس السلفية، وسمحوا لهم أن يتاجروا بالدين خارج المؤسسة … إلخ، إذن ما هو المغزى من وجود فيروس السلفيين إلى جانب فيروس المؤسسة الأزهرية؟
العسكر يريدون تبعًا للمعلن، تغيير الخطاب الديني من قبل الأزهر، وهم يعرفون أنه لن يستجيب لما يريدون، ويراه تدخلا في عملهم، وقطعًا لرزقهم، وتقليلا من قيمتهم، ومن ثم يحتمون بشعبيتهم الكبيرة ممن أقحموا في منظومة الغباء!، ولذلك من المرجح أن يكون الهدف الذي يرمي إليه العسكر، نظرًا لوقوعهم منذ عقود عديدة تحت ضغوط عالمية كبيرة، هو تغيير الجوهر الإرهابي والإجرامي للديانة نفسها، ربما لا يهدفون إلى إزالتها أو استبدالها بديانة أخرى، وهو أمر غير مستحيل في بلد غيرت ديانتها مرات عديدة على مر التاريخ، ولكن - كما قلت في مقالات سابقة - أي تغيير إسلاموي في هذ الاتجاه أو ذاك سوف يأتي من المنبع الحالي، خاصة وأن الشعب هناك من أكثر الشعوب المتأسلمة معاناة منها، وبالفعل بدأت مملكة آل سعود في هذا التغيير.
الإنسان لا يغيِّر قناعاته بسهولة، فما بالنا بقناعاته العقائدية، ولذلك لا بد أولا من المعاناة الحقيقية، إذ لم يكن بقطع الأيدي والأرجل من خلاف والرجم وخلافة، يكون بالضياع والصراع بين هذا الفيروس وذاك!. الفيروس الأزهري يتصارع داخليا في تأويلاته وتبريراته، والفيروس السلفي ينتظر متربصًا للانقضاض عليه، وإلى أن تنتهي المعركة، يظل الناس في ضياع وضلال مبين!
باختصار شديد: في اعتقادي أن العسكر يحتفظون بالسلفيين كرصيد سياسي يتيح لهم ضرب مؤسسة الأزهر أو تحجيمها على الأقل ومحاولة نزع الصفة السياسية عنها وعن عقيدتها، ثم ينقضون عليهم ويعملون على إزالتهم. هذا إذا تمكنوا من البقاء في الحكم 70 سنة أخرى.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي