|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ازهر عبدالله طوالبه
2022 / 7 / 5
تحتَ حُجّة إحياء الثّقافة، وتذرُّعًا بحُجَّة أنَّ جسَد المنظومة الأدبيّة أصبحَ عاريًا ولا بُدَّ مِن إلباسِهِ ثوبًا يسّتر عوراته، ويُخفِّف، على أقلّ تقديرِ، حجم الشهوة التي يُثيرها داخلَ ما أصبحَ يُنعَت ب" المُلتقيات الثقافيّة" وبتضخيمِ أكبَر،ما يُنعَت ب " ممالِك الأدَب"، تفجَّرت بوجوهنا قنابل عُنقوديّة صُنِعت على يدِ أُناسٍ يُعانونَ مِن "عُقدَة النَّقص" التي رُبِّيت داخلَ ذواتهم المُنحطّة، وترعرَت داخلَ عقولهم الصدأة . فهي تلكَ العُقدة التي جعلتهُم يتصيَّدونَ كُلّ ما يُمكِّنهُم مِن تصدُّرِ أي مشهَد، سواء أكانَ دينيًّا أو اجتماعيًّا أو عشائريًّا، لاهثينَ وراءَ مزامعِ لا تلبُث كثيرًا إلّا ويرونها قَد سقطَت في بالوعات الأيّام.
لَم يكتَفِ هؤلاء بكُلّ الخُيول التي ركِبوها، ولا بكُلّ أنواع الأسلِحة التي حملوها ؛ ليتربّعوا على عُروشِ المشاهدِ المذكورة آنفًا، إذ قَد وجدوا أنّ كُلّ ذلكَ غير مُجدٍ في سبيلِ تقليلِ حديّة "عُقدة النّقص" التي تمكَّنت مِنهُم. فسُرعان ما وجدَ كلَّ واحدٍ منهُم أنّهُ بحاجةٍ إلى أن يبتاعَ بضميرهِ المُتعفِّن أسلِحةً لا يُمكِن أن تخرُج مِن فوّهتها طلقات لها أيّ أثر في أيٍّ مِن الساحتين(الأدبيّة والثقافيّة) ؛ وذلكَ لأنّها أسلِحة ليسَت مِن نوع تلكَ الأسلِحة التي لا بُدّ مِن أن يتسلَّح بها كلّ مَن يُريد أن يخوضَ غِمار التَّجربة، سواء الثقافيّة أو الأدبيّة، وإنَّما هي أسلحةٌ لا تذهبَ أكثرَ من اعتبارِ الحُضور وإثبات الوجود.
ولقد وصلَ الأمرَ بهؤلاء إلى أن يزحفوا نحو السّاحات الثقافيّة ليُفرِغوا ثقافةً لا تحفِّز إلّا على التقيّؤ . ولَم يقتَصر الأمر هُنا، إذ هدّموا القِمم الأدبيّة وجعلوها في مستوىً مساوٍ لسفوحاتهم ؛ وذلكَ ليركبوا على أكتاف الحُروف، ويصنعوا مِن التشبيهات الأدبيّة الدّنيئة سلالِمًا يصعدونَ عليها ؛ لتتصدَّر شخصيّاتهم كلّ حديث السّاحات الأدبيّة، وكواحدٍ يكرَه الوصوليّة على حساب الأدَب، ويُقدِّس الأدب وينزِلهُ منزِلةً تتفوّق على منزلة رجال الدّين في بداياتِ الديانات السماويّة، ويحسبهُ أمرًا يُندى لهُ الجبين، ويُثير الامتِعاض، فإنّني/ك لن نقبلَ بكلّ هذا الهراء والعبَث والتّسخيف للقِيم الجليلة للأدَب ؛ وذلكَ لأنّ فيهِ تدمير حاد وقاسٍ لكلّ أركانِ الأدَب، وجعل الأدب يتيمًا بعدَ أن وعِدَ، مِن قبلِ جهابذَته وعُظمائه، أنّهُ لن يكونَ يتيمًا في يومٍ ما، ولنَ يُقبَل ذلكَ، تحتَ أيّ سببٍ كان، ولَن يأتي يومًا يكونَ فيهِ على مائدةِ اللِّئام ؛ لأنّهَ إن حدثَ هذا، وهذا ما يحدُث اليوم، يعني أنّهُ الأدبَ أصبحَ بلا رمزيّة، وأنّ لا خُلودَ لهُ، وأنّ لا هُويّة لا تاريخيّة ولا حتى حداثيّة لهُ.
ولا أكون مِن المُبالغينَ إن قلتُ لكُم بأنَّهُ ما مِن عصرٍ أُصيبَ بتُخمةٍ في أعدادِ المثقفين كما هو زمننا الحاليّ . فمعِدة هذا العَصر بدأت تتوسَّل لكُلِّ مبتدئٍ في علومِ إزالَة الشُّحوم السامّة، والتّخسيسِ مِن الأوزانِ المُضرَّة بأن يخلِّصها مِن كلّ شحومها وأوزانها التي تحرِمها مِن التنفُّسِ بسهولة .
إنَّهُم، أي مَن يدّعونَ أنَّهم مِن المثقّفينَ والأُدباء، ينتَشِرونَ في كُلّ منطقةٍ مِن مناطق جسَد هذا العصِر، ويثقِلونَ عليهِ، ويحرِمونهُ مِن المرونة التي كانَت تتمتّع بها أجساد العُصور التي سبقته.
أمّا عَن المُثقفينَ على وجهِ الخُصوص، فإنَّهُ وبالنسبة لي، مِن غيرِ المُمكِن أن يكونَ المُثقَّف، وهُنا أقصِد المُثقّف الحقيقيّ، وصوليًّا، انتهازيًّا، نرجسيًّا، قابعًا في سراديبِ نفسهِ، ولا يؤمِن بأنّ هناكَ ثمنًا لثقافته، وقَد يكون هذا الثَّمن ؛ عُمره، وهذا ما يُميِّزهُ عن ذاكَ المُثقَّف الكاذِب، المُجرَّد مِن أيّ شكلٍ من أشكال الثقافة . فالمُثقَف الكاذِب، ولا أتَّفِق مع هذا التّوصيف لهُ، هو مثقفٌ يجهَل نفسهُ، انفصاميّ، لا يمتّ للواقِع الذي يعيشهُ مُجتمعه بأيّ صِلة، وهو كما قالَ عنهُ أحد الكُتّاب: " إنَّهُ ذلكَ الذي يعيش في قفا الحقيقة، لا وجهَ لهُ، تسّمَع صوته في الفراغ، لكنَّكَ لا تراه.
إنَّهُ مِن فئةٍ لا ولن تشعُر بوجودها، ولا معنى لحياتها ؛ لأنَّ وجودها كالخطأ، إنَّهُم محض رَماد."
قَد أعطِف على هؤلاء وأعتَرف بوجودهم، مِن حيث أنَّ لهُم عامودًا فقريًّا كبقيّةِ البشَر، لكنَّهُم هُم مَن يأكلونَ هذا العامود، أو بتعبيرٍ أدَق، يقبلونَ على أنفُسهم، في سبيلِ وصولهِم إلى مستوياتٍ لا يُمكِن أن توصلهم إليها لا أفكارهم ولا عقلايّتهم، أن يضعوا هذا العمودَ في أماكنٍ ضيِّقة، تتألَّم مِن نغزاتِ الإبَر، فيكفَ بعامودٍ متشعِّب الفقرات..؟!
كما وأنّني قَد أعتَرف بوجودهم، نظرًا لرؤيتي لهُم وهُم يظهرونَ بوجهٍ واحد، كما هو أيّ إنسان، إلّا أنَّهُم يرفضونَ ذلك . فهُم يرفضونَ اعترافي هذا، ويُصرّونَ على أنَّ هناكَ وجهًا، بل أوجهًا أُخرى يظهرونَ بها كيفما شاؤوا...نعم، إنَّهُم هكذا، لا يؤمنونَ ب"الوجه الواحد" للإنسان، بل يكرهونَ كلّ مَن يعيش بوجهٍ واحد، ويمقتونهُ مقتًا كبيرا . لذا، لا وجودَ لهُم، ولا معنى لحياتهم ؛ فهُم ليسوا حقيقيون، هُم كالوَهم، لهُ أوجه عدّة، أو كالسَّراب، كلّما كنتَ عنهُ بعيدًا ؛ ظهرَ وجّه، وكلَّما اقتربتَ منهُ اختفى، وأصبحَ وجهه تحتَ أقدامك.
هؤلاء مُنهزمون، مخدوعون، أذلّة لنرجسيّتهم، عبيد لنزَقهم، وكلّ هذه حقائق، إلّا أنَّهُم لا يتوقّفوا عن إنكار هذه الحقيقة .
على أيّة حال، لا بأس، فسأبقى أعطف عليهمم ؛ لأنّهم يشبهونَ الإنسانَ هيكلًا فقط، وأنا لَن أعتَرف بهِم إلّا مِن حيث الهَيكل..
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |