|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
آصف ملحم
2022 / 7 / 3
حاولت مراراً وتكراراً أن أفهم الغاية من مقولة جبران هذه، إلا أن محاولاتي تكللت بالفشل!
لذلك سأحاول صياغة الأفكار المتعلقة بهذه المقولة على شكل أسئلة وأجوبة:
هل يعزي جبران الفقراء بذلك، قائلاً لهم: إن أحلامكم لا تختلف عن أحلام الأغنياء؟
لأن السعادة المتأتية بعد حلم لذيذ هي نفسها عند الفئتين!
ولكن ما الفائدة من هذه السعادة التي لا نعيشها حقيقةً، ولا نشعر بها إلا في الأحلام؟
فهل السعادة في نظر جبران هي جملة من المشاعر والأحاسيس المستثارة في النفس، بغض النظر عن طريقة إثارتها؟! فإذا كان الأمر كذلك، فهذه السعادة هي حالة من الانفصال عن الواقع، كجرعة من المخدرات يزداد السعي إلى تعاطيها شيئاً فشيئاً مع الزمن، إلى أن يتلاشى المرء فيزيائياً!
أم أنه يحاول أن يصنع لهم حلماً، قد يتحول مع الأيام إلى هدف وخطة تؤدي إلى تحققه؟
في هذه الحالة، كان على جبران أن يقول: لا يجب أن تكون أحلام من ينام على التراب أقل جمالاً من أحلام الذين ينامون على الريش. ففي هذا تحفيز لهذه الفئة للسعي والعمل والجد والنشاط لكي يرتقون أكثر وأكثر في سلم الحياة ويصبحون أكثر تأثيراً وفعالية، كأولئك الذين ينامون على الريش.
أم أنها دعوة للعيش بزهدٍ، انطلاقاً من أن القيمة الحقيقية للحياة لا تتمثل بكمية الأموال؟
في هذه الحالة، نتفق مع جبران في جزء من القضية، وهو: أن المال هو أحد عناصر القوة في الحياة وليس كلها!
ولكن هنا يجب أن نفرق بين نوعين من الزهد:
الزهد الناجم عن القوة – وهذا الزهد، في نظري، زهد محمود، بل هو زهد مستحسن، لأن الإنسان لا يبلغ أهدافه، بغض النظر عن طبيعة هذه الأهداف، إلا بالتضحية بشيء ما مقابل ذلك. فهذا الزهد هو نوع من أنواع الصبر على الألم للحصول على شيء ما. وهنا يحضرني قول الإمام علي: الصبر صبران، صبر على ما تحب وصبر على ما تكره.
أما الزهد الناجم عن الضعف، فيجب أن لا نقبل به، لأنه شكل من أشكال الاستسلام؛ فكأن جبران يقول: عليكم أن تبقوا في حالة من النوم أو السكر، تستشعرون الجمال في أحلامكم لأن الواقع مؤلم للغاية؛ فهو بذلك حالة هروب من الحياة وآلامها، لذلك من حقنا نسأل جبران: متى كانت الحياة غير مؤلمة؟
وفي هذا السياق يحضرني قول الروائي الروسي دوستيوفسكي: كل ما هو إنساني يتمحور حول أن يبرهن الإنسان بأنه إنسان، وليس مسماراً!
وقول الشاعر الألماني غوته: يستحق الحياة والحرية فقط ذلك الذي يذهب للكفاح من أجلهما.
وهذه الأقول لا تحمل أية رمزية أو تعبيرية مجازية، بل معناها نفسي مباشر؛ إذ لا يمكن للإنسان أن يكافح من أجل السعادة والحرية مرة واحدة ويحصل عليهما لباقي حياته، بل يجب أن يكافح من أجلهما كل يوم وكل لحظة!
وهنا يحضرني ما كتبه الروائي الروسي تولستوي لإحدى قريباته: يُضحِكني أن أتذكر كيف كنت أفكر مثلك الآن بأنه يمكن أن تبني عالماً سعيداً وشريفاً، وفيه تعيش بقية حياتك بسكينة، بدون أخطاء أو عثرات، وتصنع كل شيء جميل بعناية و دون استعجال. هذا حقاً مضحك! غير ممكن ... بكل الأحوال من غير الممكن أن تكون بصحة جيدة بدون أن تتحرك أو تتمرن. لكي تعيش بشرف عليك أن: تتمزق، تتعثر، تحارب، تخطئ، تبدأ ومن ثم تتوقف، ومن جديد تبدأ ومن جديد تتوقف، دائماً تكافح وتخسر. فالسكينة هي خسّة روحية.
أختم بقول الروائي والقاص الأمريكي جيمس ميشنر: أحب التحديات، لا آبه بالهزيمة، ولا تسكرني نشوة الانتصار. أريد أن أكون في معركة الحياة!
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |