منتدى سان بطرسبورغ ودعوى عزل روسيا!

آصف ملحم
2022 / 6 / 12

يبدو أن الغرب يعيش خارج الواقع تماماً ويُصِرُّ باستمرار على استخدام مصطلحات سياسية، سئمت الناس من سماعها في وسائل الإعلام، ولا سيما مصطلح (عزل الدول)!
مما لا شك فيه أن الغاية من استخدام مصطلح (عزل الدول) هي إشاعة جو نفسي متوتر بين مواطني الدولة المعنية وكذلك بين صنّاع القرار ورجال الأعمال في الدول الأخرى، وبالتالي دفعهم إلى اتخاذ إجراءات مبنية على الأوهام المُصطَنعة والأكاذيب المُختلَقة وليس على الوقائع والحقائق، وفي النهاية تعزيز اليأس من المستقبل في ذلك البلد!
دأبت الدول الغربية منذ قيام العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا على تطبيق العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، ومع صدور كل حزمة جديدة من العقوبات تتعالى الأصوات القائلة بأن هذه الحزمة الجديدة ستؤدي إلى المزيد من (عزل روسيا)! استنفذت الدول الغربية كل أنواع العقوبات، لا بل وتفننت بها، ولم ولن تنجح في عزل روسيا!
لا شك أن المتابع يعلم جيداً أن روسيا دولة ذات اقتصاد متين كما أنها دولة قوية عسكرياً، تربطها علاقات تاريخية وثقافية و اقتصادية و سياسية عميقة مع الكثير من دول العالم، وبالتالي فإطروحة (عزل روسيا) لا يمكن أن تنجح فيها، فهذه الإطروحة لم تنجح في الدول الأصغر فما بالك بروسيا. فروسيا ليست جزيرة صغيرة في محيط كبير لكي يكون عزلها سهل وممكن التحقيق، لا بل إن الأراضي التي قامت عليها الإمبراطورية الروسية سابقاً والاتحاد السوفيتي لاحقاً تشكل (قلب الأرض)، كما سماها السياسي والأكاديمي البريطاني هالفورد ماكيندر، وهو أحد آباء الجيوبوليتيك والجيوستراتيجيا.
بناءً على ما تقدم قد يكون من الجدير طرح السؤال:
من عزل من؟!
والإجابة الدقيقة على هذا السؤال يقدمها لنا منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الذي سينطلق بتاريخ 15 حزيران الجاري و ينتهي بتاريخ 18 حزيران في مدينة سان بطرسبورغ الساحرة، عاصمة الشمال. وهذا المنتدى، في الحقيقة، هو من أكثر الأحداث الاقتصادية العالمية أهميةً وسعةً في المشاركة، يتوالى انعقداه سنوياً منذ عام 1997، وهو يعادل منتدى دافوس الاقتصادي الدولي.
سيشارك هذه السنة في أعمال المنتدى ممثلون من أكثر من 125 دولة، بما في ذلك ممثلون من الولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة و ألمانيا و إيطاليا و هولندا و فرنسا. كما أن العديد من الرؤساء و رؤساء الحكومات والوزراء سيشارك فيه أيضاً، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من ممثلي المنظمات والهيئات والاتحادات السياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية، كمنظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادي الأوراسي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) و بريكس ... وغيرها.
ستتوزع حوارات الأعمال جغرافياً وفق الاتجاهات التالية: روسيا-أفريقيا، روسيا-الشرق الأوسط، روسيا-مصر، روسيا-الهند، روسيا-إيران، روسيا-كازاخستان، روسيا-الصين، روسيا-أمريكا اللاتينية، الاتحاد الاقتصادي الأوراسي-رابطة آسيان. إضافة إلى هذه المحاور الرئيسية، سيكون منتدى سان بطرسبورغ فرصة ممتازة للحوارات الثنائية أو متعددة الأطراف بين ممثلي الأعمال من مختلف الدول المشاركة.
ستكون قضايا التكامل والتعاون الاقتصاديين في الفضاء الأوراسي الكبير Greater Eurasian Partnership، أي بين دول منظمة شنغهاي و الاتحاد الاقتصادي الأوراسي و منظمة آسيان، إحدى محاور النقاش الهامة. ستعمق هذه النقاشات والحوارات الإيمان بتطبيق مفهوم التخصص التكاملي، الذي سيمنع الاحتكاك والمنافسة غير المجدية؛ فهذا الفضاء يتميز بتنوع الموارد والتقارب الجغرافي، الأمر الذي يعزز فرص الاندماج الاقتصادي ويزيد العوامل المواتية للتكامل ليس فقط على المستوى الاقتصادي فحسب بل على المستوى السياسي والأمني، وبالتالي تحصين دول هذا الفضاء ضد أي عمليات خارجية لزعزعة استقرارها.
في الحقيقة، التوقعات والآمال المعقودة على هذه المنتدى كثيرة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية الحالية؛ فحجم عقود الاستثمار التي سيتم توقيعها على هامش المنتدى كبير جداً وسيصل إلى مليارات الدولارات، وهذا سيجلب الخير والفائدة لجميع الشركات المشاركة في المنتدى.
أخيراً، ما أوردناه في الأعلى ليس سوى غيض من فيض حول منتدى سان بطرسبورغ، فهناك الكثير من الحقائق التي يمكن طرحها وشرحها، إلا أننا نعتقد أن في هذا كفاية للقارئ الكريم للإجابة على السؤال الرئيسي الذي يشكل موضوع هذا المقالة؛ فعزل روسيا لا يمكن بأي شكل من الأشكال مهما بلغ سعي الدول الغربية، و هذه حقيقة راسخة و نتيجة مؤكدة؛ لا بل إن الشركات التي أمعنت في تطبيق هذه العقوبات أصبحت هي نفسها في عزلة من إمكانية المشاركة في هذا المنتدى وبالتالي الاستفادة من فرص الاستثمار التي يقدمها!

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي