![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
السعيد عبدالغني
2022 / 5 / 30
"الحدود موجودة في كل مكان، من أكثر الخطوط دنيوية المرسومة على صفحة بيضاء، للحدود المعقدة، للسحابة والسماء" [1]
لكن هل يتخطى البعض الحدود تلك؟ ولم يتخطوها؟ وهل هو نوع من خلق الجنون أو نوعا منه؟
تمايز الجنون
لقد تميز الجنون على غيره من النعوت الأخرى المرضية أو العبقرية أو المفارِقة أو الرعب أو العنف.. ففيه صور الاختلاف والغموض والتفلسف والشطط والشطح والشاعرية.. حتى في الأحاديث اليومية.
تم نعت الأنبياء به والفلاسفة والشعراء وجنونهم غير الجنون الذي يمكن أن يكون سببه بيولوجيا في الأساس.
يتم النعت به ولكن من ينعت لا يتذوق الأمر أو لا يدخله، يتم القراءة عنه لكن يتم الابتعاد عن شخوصه. يتم الاعجاب لكن يتم النبذ إن كان قريبا.
ويتم الابتعاد عنه بسبب الخوف والرعب و مستويات كثيرة في تلقيه.
وهذا الجنون يتم تناوله من وجهات نظر معرفية كثيرة منها علم النفس وعلم الاجتماع بأنواعه والفلسفة بأنواعها.. إلخ.
الجنون وعلم النفس الاجتماعي
وهذا التناول من وجهة معينة يساعد على إفراز أسباب ونتائج مختلفة فعلم النفس الاجتماعي التاريخي يقول بأن الجنون أسبابه من العلاقات الشخصية وأنه لا يثق في الأفكار والمشاعر نفسها للتعبير عن ذاته.
الفرق بين المريض العقلي والشخص العادي
" بالأحرى، الأشخاص العاديون لديهم نفس الشيء مثل المرضى العقليين : الأوهام والشكوك. أوهام المتن، والأفكار الوسواسية، والخوف، وما إلى ذلك. ولكن من كل هذا، فإن التسلسل الهرمي للنظام بأكمله، مختلف." [2]
فالأمر ليس في وجود الشكل العادي للتغير النفسي بل الأمر له أبعاد بيولوجية واجتماعية ومعرفية وإلخ. وحصر الأمر في بعد واحد شكل تعسفي.
فعلم الاجتماع النفسي يرد الأمر إلى الاجتماع كأكبر شكل مؤثر على الأمر. "تتمثل النقطة الرئيسية لعلم النفس الاجتماعي التاريخي في أن السمات النفسية العامة تكون دائمًا مضمنة في سياق اجتماعي ملموس وتجسد طابعها الاجتماعي." [3]
جنون نيتشه وتأويلات باتاي
جُن نيتشه وتغذت الفلسفة، هل يا ترى يقوم المعنى على الألم فقط؟ انتحرت سيلفيا بلاث ونستمتع بجماليتها الآن. هل يمكن خلو الجوهر من الجنون والانتحار؟ كما يقول باتاي عن جنون نيتشه" جنونه بدلا عنا" [4]
ولكن لم تتغذى الفلسفة على الجنون والألم فقط، تغذت على أمور كثيرة أخرى بأشكال مختلِفة، على المدن لفاضلة، الواقع، الأديان، الحروب، الثورات..إلخ. إخراج المخاوف من حيز المباحث المعرفة يُدِلل على الأصول التي تُوجَد في الجميع.
ولكن هل يمكن تخليص أو تجريدهما جوهريا في إبداعهما وهما شكلان يقاومهما صاحبهما طوال حياته ويستسلم أو يكونهما(الجنون أو الانتحار)؟
هل اتحدوا بالجنون والموت حتى صاروا صوتهما؟ "لحظة نسيان الذات التي ينغمس فيها الموضوع في اللغة ليست تضحية بالموضوع للوجود. إنها ليست لحظة عنف وليست عنفا ضد الذات ، بل مصالحة: تقول اللغة ذاتها نفسها فقط ليس عندما تتحدث كشيء مغترِب عن الموضوع ولكن كصوت الموضوع نفسه." [5]
كان نيتشه مشروعا تجريبيا لذاته، وكانت وسائله كثيرة الشعر والفلسفة والألم والثورة لأن التجريب" لابد له من تجربة عميقة تغذيه وتخرج أدواته، ليخرج عن الانطباعات إلى تطور الرؤى التي تتسم بالسعة والشمول والعمق الفني" [6]
مراجع باتاي لجنون نيتشه والتجربة الداخلية
1. "الجنون حوج من أجل استيعاب الوضع الجديد للرجل العنيف. إنه شرط مسبق لهذا الجديد حالة الوجود، التي هي بالدرجة الأولى الفتنة والرعب، لعدم وجود سبب قادر على استدامتها أو استيعابها أو تحملها." [7]
هذا الرعب الذي فعله نيتشه لا يمكن أن يبتعد عنه مهما كان الثمن، هذا الرعب الذي فعله من فكرة موت الإله، أي التخلي عن الانطولوجي الخارجي، وهذا الانطولوجي الخارجي يوازن بين الرعب والبقاء، فالالحاد النيتشوي ليس معناه العامي بل هو إعطاء الإنسان حيز المطلق. "من خلال إنكارنا لحدود اللامحدود، يؤدي موت الله إلى تجربة لا يمكن فيها لأي شيء أن يعلن مرة أخرى عن خارجية الوجود وبالتالي إلى تجربة داخلية"[8]
و "التجربة الداخلية" مفهوم باتاي هو دفع الذات إلى حيز الداخل ومواجهة عري الوجود، الحلقات المفرَغة التي يهرب منها الأغلبية، يُؤسس أصلا لذلك.
وليس الفكر وحده هو الذي يدفع إلى مثل هذه التجربة الداخلية وليست التجربة الداخلية من احتمالاتها فقط الجنون فالألم الجسدي أو النفسي أو السجن كذلك "إن حقيقة أن الإنسان يمكن أن يُحرم من إمكانياته الخارجية تُقدم إمكانية تجربة داخلية بطريقة أساسية، تجربة ناتجة عن هجر الإنسان لنفسه، دون مساعدة من أي عامل مبهج قادم من الخارج. وبالتالي فإن هذه التجربة ممكنة في سجن أو معسكر - توقعًا للموت أو في ألم جسدي. يمكن أن يكون هذا التعريف وهذه النتيجة الطبيعية بمثابة نقطة انطلاق." [9]
مفهوم المستحيل والتجربة الداخلية
"المستحيل" وهو عند باتاي مربوط بجنون نيتشه ومربوط "بالتجربة الداخلية" مفهوم باتاي، ويعني أن المستحيل هو الذي لا يمكن تحقيقه أو فكه وهو أيضا الذي يميز "الاحتمالات" التي يقع فيها الجنون في فضاء" التجربة الداخلية".
وذهب نيتشه إلى المستحيل رغم أن أشكال كثيرة من الإبداع والفن في قدرته " يعمل الفن كحاوية آمنة لمشاعر شديدة للغاية مثل الغضب واليأس والرعب والألم. إنه يوفر الأمان والبعد عن محتوى التجربة من خلال استخدام الاستعارة والرمزية، ولكنه يتيح أيضًا فرصة للتعبير الكامل عن التجربة الصادمة." [10]
1. "وظف باتاي فكرة "عمومية الإنسان" والتي قد يُنظر إليها على أنها تشير إلى الاثنين مجموعة من الناس بالإضافة إلى مجموعة من إمكانات كل منهم على حدة واحد على حدة: "وجودهم بالكامل". [11] التوق للتكون كواحد جامع، المتن الفلسفي الذي يُمكِنه من ذلك والأبعاد الفيزيائية التي تمنع، وجود الممكن القاتل.
المراجع:
1. Living with “Encantados”: Dances of Poet and Scientist Within the Self Emily Abbey and Ana Cecilia Bastos
2. Lev Vygotsky (Outstanding Soviet psychologists) p71
3. VYGOTSKY S SOCIOHISTORICAL PSYCHOLOGY AND ITS CONTEMPORARY APPLICATIONS Carl Ratner p246
4. Bataille, Georges. 1986b. ‘Nietzsche’s Madness’, October, vol. 36: Georges Bataille: Writings on Laughter, Sacrifce, Nietzsche, Un-Knowing, 42–45. http://www.jstor.org/stable/i231779. Accessed 15 Mar 2010
5. Adorno in a lecture on lyric poetry and society
6. سعيد حميد كاظم ٢٠١٦ التجريب في الرواية العراقية النسوية بعد عام ٢٠٠٣ ط ١ بغداد
7. Bataille and Madness p114
8. Foucault, 1977, p. 32
9. Cf. Michel Surya, Georges Bataille, trans. Krzysztof Fijalkowski and Michael Richardson, London: Verso, 2002
10. (‘Portrait of a sex addict’ in Sexual Addiction & Compulsivity, 5:4, 1998, p.236)
11. Bataille, Georges. 1986b. ‘Nietzsche’s
Madness’, October, vol. 36: Georges Bataille: Writings on Laughter, Sacrifce, Nietzsche, Un-Knowing, 42–45. http://www.jstor.org/stable/i231779. Accessed 15 Mar 2010
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |