الفن - اللغة التي يفهمها الكل والبعض ولا أحد -

عثمان بوتات
2022 / 5 / 26

وجد الفن أمام تعددية في مفاهيمه، فكان يشار به إلى كل نشاط منتج يتسم بسمة جمالية، ولم يستقل بذاته إلّا في القرن 18 مع هيغل وكانط... وفقط بعد هذه الفترة سيتم اعتباره عمل حر قائم على وعي عقلاني محض، وغير خاضع لأيّة ضرورة طبيعية أو غاية ارتزاقية...

وعلى الرغم من هذا، فالفن لم ينفصل عن سمته الجمالية. فعلم الجماليات (الأستيطيقا Aesthetics) الذي عرف أول مرة تحت اسمه هذا مع بومارتن ثم هيغل وكانط، باعتباره تلك المعرفة الحسية الملازمة للطبيعة والعالم المحسوس، أصبح بعد هذه النقلة الفكرية كنقطة بداية لممارسة الفن الحقيقي. والفنان حينها وجد ضالته للمزج بين ذاته الحسية، والروحية-الوجدانية؛ بملكته المبدعة والمفكرة، وبقدرته في التعبير عن كلتاهما على شكل موسيقى، لوحة، الخ...

وأما الرؤية الكلاسيكية التي كان يرى فيها الفن كمحاكات للطبيعة لا أكثر فقد فندت، وولدت رؤية جديدة للرؤية، منفصلة في شكلها المتطرف تماماً عما كانت عليه في خضوعها لأسلوب المعيارية والتقييم الجمالي. وهذا الأسلوب الأخير ما كان شائعاً تحت مسمى الحكم الجمالي. فالإنسان بوصفه له قدرة على إصدار الأحكام، فهو عبر التاريخ طور قدرته هذه في الحكم على الأشياء، ونجده يستخدمها في أغلب حالاته في العلوم والسياسة والأخلاق... باستغلال أفكاره التي تختلف ثقافياً وتتطور زمنياً، وتميز الجميل عن القبيح، والصواب عن الخطأ، الخ...

ومن جهة حيادية، وباعتبار الجانب الجمالي جزء لا يصلح تجزيئه من قيمة الفن؛ يمكن القول انه بالإمكان رهنه -نسبياً- للحكم الجمالي المشروط بزمكان مختلف. لكن جوهر الفن وقيمته الأساس فهي صعبة التقييم والحكم عليها بموضوعية، وهذا جراء سمة العمل الفني الذاتية والوجدانية النابعة من روح الفنان التأملية الحرة، والتي تتوقف عند حدود المتلقي النسبية.

فالفن في النهاية، وبلغة فلسفة هيغل الجمالية، مقيد بسياق ثقافي-تاريخي، وبالوقت ذاته يحمل زحم روحاني يتجاوز الزمكان. وبه الفن الحقيقي هو مخترق للزمكان. لا زال للنحت اليوناني جمال، وللوحات التي رسمت بعصر الأنوار قيمة، ولمعزوفات بيتهوفن وأغاني أم كلثوم هالة روحية خاصة.. إن للفن الحقيقي لغته الخاصة، يفهمها الكل والبعض ولا أحد.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي