![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
منى حلمي
2022 / 5 / 17
داخل كل بيت مغلق هناك " صيّاد " وهناك " فريسة "
-----------------------------------------------------------------------------------------
كوكب الأرض باسره ، مؤسس على العلاقات العمودية ، ولكن بأشكال ودرجات متفاوتة . والعلاقات العمودية ، هى العلاقات التى تقوم بين " أعلى " ، و " أدنى " ، أفرادا وجماعات . بعض هذه العلاقات
تستطيع اخفاء هذا المبدأ ، بين " أعلى " ، و " أدنى " ، عن طريق غسل العقول بالاعلام والثقافة
والمفاهيم والتعليم والأديان والفن . وبعض هذه العلاقات لا يهمه افتضاح الأمر ، بل ويفتخر بوجود أطرف " أعلى " ، وأطراف " أدنى " ، باعتبار أن هذا هو الوضع الأمثل لمسار الحياة .
بالطبع لا يحتاج الأمر الى الكثير من التأمل العميق ، أو الى قراءة صفحات التاريخ ، لندرك أن العلاقات العمودية بين " أعلى " ، و " أدنى " ، هى من بقايا عصور العبودية ، من المفروض أنها
انتهت ، بحكم الثورات وتطور المجتمعات ووعى الشعوب وحركة الحياة المتجددة .
لكن النظرة السريعة لأحوال كوكب الأرض ، ذلك الكوكب البائس التعيس ، المتحضر شكلا ، الهمجى مضمونا ، المتعصب والعنيف خلقا ودينا وطباعا ، المتخم بآليات القهر ، الممتلئ بأوكار الفقر والبطالة ،
والجريمة والمخدرات والبغاء وتجارة الأسلحة والأعضاء البشرية ، والبلطجة المحلية والدولية ، ومنطق
الحروب والاستغلال ، وانتشار الأمراض العضوية والاضطرابات النفسية والعقلية ، والانحرافات الجنسية
بأشكال مختلفة ، وتراجع حريات التعبير ، وبرطعة الأصوليات الدينية .
وأعتقد أن الجذر الخصب الذى يغذى هذه العلاقات العمودية ، بين " أعلى " ، و " أدنى " ، هو أن الطرف " الأعلى " ، ينظر الى نفسه باعتباره " الصيّاد القوى البارع الماهر فى نصب الفخ ، أو القاء الصنارة ، والطرف الآخر " الأدنى " هو الفريسة الضعيفة معدومة القدرات المغلوبة على أمرها ، كل ما
تجيده هو الوقوع فى الفخ ، أو التقاط طُعم الصنارة .
وعملية الصيد هذه بين طرف " أعلى " ، وطرف " أدنى " ، أقدم مهنة فى التاريخ . مهنة أدرك بها البشر منذ الوجود البدائى ، أنها هى مصدر البقاء على قيد الحياة ، ومصدر الغذاء ، ومصدر الماء ، ومصدر القوة ، ومصدر الاستعلاء ، والهيبة .
كم أكره عملية " الصيد " ، التى مارسها الجنس البشرى ، منذ الأزل ، وما زال يفتخر
بها ، بل ويراها عنوانا للتحضر ، والتأقلم ، والارتقاء . وان كنت أغفر للكائنات غير
البشرية مثل الطيور ، والحيوانات ، أنها للبقاء على قيد الحياة ، لابد لها من الصيد ، الا أننى مع البشر ، أعتبرها " جريمة " ، أو " عارا " ، يدعو الى الخجل ، والاشمئزاز ، لا الى الافتخار والتباهى بالتفوق .
هل هذا معقول ؟ .. أن الانسان هو الكائن الوحيد الذى " يقتل " ، و" يصطاد " الآخرين ، وهو لا يشعر بالجوع ، ولا يحتاج الى سفك الدماء ، لكى يواصل الحياة ؟؟.
بل يفعل ذلك وهو " شبعان " ، على عكس الطيوروالحيوانات ، حتى المتوحشة
والمتنمرة ، والجارحة منها ، لا تؤذى ، ولا تقتل ، ولا تصطاد ، الا لتأكل ، أو تطعم
صغارها .
أكره " العقلية " التى تقف وراء " الصيد " ، والدوافع النفسية التى تحفز على
عملية " الاصطياد " . عقلية " الصياد " الأقوى ، و " الفريسة " الأضعف . الصياد الذى يخطط ، ويتربص ، ويراقب ، ويترقب ، ويتجسس ، ويخطف ، يصنع الشِباك ، ويرتب الفخ ،
ويعد المصيدة ، وعندما تقع الفريسة ، يحتفل ، ويفرح ، ويأكل ، ويشرب ، ويسمى
الأمر " انتصارا " ، و " تفوقا " .
اذن " الصياد " ، و " الفريسة " ، علاقة غير متكافئة ، أساسها " السيطرة " ،
من جانب الصياد ، و " الخضوع " ، من جانب الفريسة .
وهذا منطق نجده فى العلاقات الانسانية بين الأفراد ، بين النساء والرجال ،
وبين الجماعات والدول . فى أى علاقة ، هناك منْ " يصطاد " ، وهناك منْ تخدعه
" المصيدة " . هناك منْ يطعن بالسِكين ، وهناك منْ يسيل دمه . هناك منْ يأكل ، وهناك منْ يؤكل . هناك منْ يختبئ بين الأشجار ، فى الأدغال ، فى الغابات ، يرتدى قناعا ، مخادعا ، وربما لا يبالى ،
و لا يرتدى أى قناع ، ينتظر دون ملل ، قدوم " الغنيمة " ، و " ينشن " بدم بارد ، وهناك منْ
يتلقى الرصاصة البارعة فى الصدر ، أو فى القلب . ما أكثر محترفى الصيد ، وما أكثر محترفى الوقوع .
اذا أردنا فهم علاقة معينة ، مشكلاتها ، واضطرابها ، وآفاق مستقبلها ، فما علينا
الا تحديد منْ يقوم بدور " الصياد " ، ومنْ يقوم بدور " الفريسة " .
وأليست " الذكورية " المتأصلة فى الجنس البشرى ، والواضحة فى الثقافة ،
والاعلام ، والتربية الدينية ، وقوانين الأحوال الشخصية ، وعلاقات الحب ، هى التراكم التاريخى الطويل ، لعقلية " الصياد " ... الرجل ، و " الفريسة " ... المرأة ؟.
لأننى كاتبة وشاعرة ، أرفض ما أسمعه دائما أن الكتابة ، أو الشِعر ، هى عملية
" اصطياد " للكلمات . لا أقبل أن أكون " الصياد " ، وأن تكون القصيدة هى " الفريسة ".
علاقة الكاتبة ، والشاعرة بالكلمات ، هى عناق حقيقى ، شغف متبادل ، ولقاء عاطفى ، ورغبة مشتركة . هى أبعد ما تكون عن عقلية " الصيد " المغرورة ، المتسلطة ، العنصرية .
" الصيد فى الماء العكر " ، تصف الشخص الذى يصل على أكتاف الآخرين ،
والشخص الذى ينتهز وجود ضعف ما ، أو سوء فهم ما ، أو مشكلة ما ، لكى يربح ، قيمة ، أو مالا ، أو مكانة ، أو علاقة ، أو شهرة .
الصيد ، فى " الماء النظيف " ، لا يروق لى . ولكن " الصيد فى الماء العكر " ،
أكثر افسادا ، وتلوثا ، ومتعة أشد مرضا .
وما أكثر " الصيد فى الماء العكر " ، الذى يحيط بنا ، ويفسد حياتنا ، ويعطل رحلتنا وتقدمنا.
بل أن هناك مجموعة من البشر ، كل اختصاصها ، هو التربص بالسقطة ، واللقطة ، والبحث عن القطط الفاطسة ، كما يقولون . تخصص قديم ، يتغير مع اختلاف العصر ، وتجدد التحديات ، والأزمات ،
تتغير فيه " الشِباك " ، وتتفنن العقول فى صناعة الأفخاخ ، والمصائد .
حصار من " الصيد فى الماء العكر " ، يخلق شائعات ، يفبرك أخبارا ، يزيف
احداثا ، يزور أرقاما ، يقص ويلصق الصور والنشرات .
هل نسمح لهذا الحصار المتربص ، الصائد فى الماء العكر ، أن " يعكر " حياتنا ،
ويؤثر على ثقتنا ، وينال من ارادتنا ؟؟.
لا أعتقد . فالماء العكر ، لم يحدث أبدا أن أطفأ ظمأ الناس . أرض " النيل " ،
التى تعهدت على مر الزمان ، أن تحقق لنا الارتواء ، لن يلوثها " شوية " ، ماء عِكر ، يسرى هنا أو هناك .
وعلى مستوى كوكب الأرض ، وفى بلادنا ، فان انتهاء العلاقات العمودية ، بين " أعلى " ، و " أدنى " ، مرهونة بنسف ثقافة " الصيّاد والفريسة " من العقول والقلوب .
بكل أسف ، داخل كل بيت مغلق ، على كوكب الأرض ، هناك " صيّاد " ما ، وهناك " فريسة "
ما . فى بعض الأحيان يتبادلان الأدوار بعض الوقت . لكن سرعان ما يأخذ كل واحد ، دوره الأساسى
المرسوم المقنن الشرعى .
-------------------------------------------------
حوار مع المفكر اليساري عدنان الصباح حول دور واوضاع اليسار في المنطقة العربية عموما وفلسطين بشكل خاص | د. اشراقة مصطفى حامد الكاتبة والناشطة السودانية في حوار حول المراة في المهجر والاوضاع في السودان |
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |