![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد فُتوح
2022 / 4 / 9
" التبرك " " بالعقل " .. " وإرضاع " " العدل "
------------------------------------------------------
فى استغراب شديد ، يصل إلى حد الأسى ، تابعت الاجتماعات الرسمية الموسعة ، الساخنة ، التى عقدها مجمع البحوث الإسلامية ، التابع للمؤسسة الأزهرية ، بشأن كتاب " الفتاوى العصرية " تأليف مفتى الديار المصرية . وما جاء به خاصة ، بــ " تبرك "
الصحابة بــ " بول النبى " . وبشأن فتوى شيخ أزهرى ، أعلن شرعية إرضاع الكبير للمرأة لزملائها فى العمل .
وبعد عدة اجتماعات ساخنة ، ومشادات مطولة ، توصل الأزهر ، إلى : أولاً : الموافقة على سحب المفتى كتابه من الأسواق ، وإعادة طرحه ، بعد حذف مسألة التبرك بـ " البول النبى " ، لأن هذه الفتوى " غير عصرية " .
ثانياً : يحاسب ويحاكم أستاذ الشريعة ، الذى قال بإرضاع الكبير للمرأة ، لزملائها الرجال فى أماكن العمل ، أو أى خلوة ، حتى تكون شرعية . وأعلنوا الشجب ، والاستنكار ، والرفض ، لهذه الفتوى ، التى تتجاوز حدود اللياقة ، والحياء ، ولا يقبلها أى منطق أو عقل ، أو دين .
ثالثاً : أن المرأة عملها ضرورى فقط ، فى حالة عدم وجود مَنْ يعولها . وإذا كان هذا العمل ، فى القضاء فإنها شرعاً ، لا يجوز لها ، إلا اختصاصات قضايا الأحوال الشخصية ، والأموال . ويحرم عليها قضايا الجنايات ، والقصاص والحدود .
لا أدرى ، ما كل هذا الوقت المهدر ، فى أمور تؤرق المسلمين بهذا الشكل ، وليست تعكس إلا مدى التراجع الفكرى ، والتقهقهر الثقافى ، وتردى الخطاب الدينى الإسلامى ، وجمود المؤسسات الدينية فى مجتمعاتنا .
بعض الدول التى تقدمت ، قد تضحك على هذه القضايا . بعض الدول الأخرى ، قد تتساءل ، ما معنى التبرك بالبول ؟ . بعض آخر ، قد يتساءل ، عن مفهوم الخلوة الشرعية ، وتضخم المخاوف المرضية من جلوس رجل وامرأة معاً . والبعض قد يشمئز من إرضاع النساء للرجال غير المحرمين عليهن .
والبعض ، سوف بالتأكيد يندهش كيف فى الألفية الثالثة ، ومع توقيع مصر مع دول عديدة ، على اتفاقات عدم التمييز بين النساء والرجال فى الوظائف والحقوق والحريات ، يتم علنا حظر اختصاصات معينة فى مهنة القضاء ؟؟ ، أو يقال أن عملها ليس له ضرورة فى أى مجال ، الا فى حالة واحدة وهى عدم وجود منْ يعولها .
والقاسم المشترك طبعاً ، بين كل هؤلاء ، هو الإشفاق على حال المجتمعات الإسلامية . مجتمعات تحيط بها الكوارث والأزمات ، وكل أنواع التحديات . مجتمعات ، يفد إليها كل دقيقة ثلاثة مواليد .. والبطالة والفقر وعدم العدالة ، تنهش فى جسدها العليل . مجتمعات ، تحتاج إلى نقله نوعية فى الإعلام ، والثقافة ، والسياسة والاقتصاد ، وتفعيل الديمقراطية وترسيخ الحريات ، وإيجاد حد أدنى كريم للسكن والدواء ولقمة العيش للملايين ، ومطاردة الإرهاب داخلياً ، وخارجياً ، والمتحالفين لتمويله ، وتعميقه ، وتنشيط بؤر التعصب الدينى .
وخلق الفتن الطائفية والمزايدات على الدين ، وتحويله إلى قناع للاستثمارات المربحة ، وقمع النساء ، والتخلف عن العصر ، وتكفير الآخر المختلف ، حتى لو كان على ديانة الإسلام نفسها .
لست أدرى ، إلى متى ، سيظل ندور فى فلك هذا التردى الحضارى ؟ . إلى متى سوف نظل نتمسح فى جدران جهلنا ، وتعصبنا ، ويأسنا ، ونأخذ البركة من ثقافة الموت والقبائل الصحراوية ، وحضارة القبور المعادية للتحضر ؟؟.
إلى متى ، لا نحاكم كل مَنْ اغتال ، ومازال يغتال عقولنا ، وتفكيرنا المتحرر من القيود ، وطموحنا للتقدم ، والقيام من عثرتنا ؟.
إلى متى ، تصدر فتاوى لهذا العصر ، ثم يقولون عفواً ليست عصرية ؟ . عفواً كانت كارثة خاصة بــ قديم الأزل ؟ . عفواً .. أستاذ الشريعة لا يفهم ؟ . عفواً .. المرأة كفاية عليها البيت ؟ .
شىء يحيرنى ، المفروض أن مفتى الديار ، يعرف الشىء العصرى ، من الشىء غير العصرى .. كيف يدرج فى كتابه " الفتاوى العصرية " ، فتوى غير عصرية ؟ .
ثم أتسائل ما الحاجة أصلا الى الفتاوى ؟؟. ألسنا فى دولة مدنية ؟؟. أو على الأقل
نسعى لكى نفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية ؟؟.
هل كان ينتظر اجتماعات الأزهر ، ليدرك التمييز بين العصرى ، وغير العصرى ؟ . ومَنْ أدرانا ، أن الفتاوى الأخرى ، فى التليفزيون ، والقنوات الفضائية ، من المفتى أو غيره ، ليست غير عصرية ؟؟. مَنْ الحاكم ؟ ، ما المعيار ؟.
أخيراً ، وليس آخراً فإننى حزين على حال مجتمعاتنا ، التى بداخلها الأشياء ، هشة ، متصدعة . تنادى وتصرخ لطلب المعونة النصوحة ، التى تقيمها من رقدتها المخزية . ولا تجد منقذاً أو منصتاً .. أو أى أحد فى المؤسسات الدينية يفكر ، ويبدع ، ليجعل حقاً الدين لله ، والوطن للعصر والعقل والتجدد والعدل .
من كتاب " استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق " 2009
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |