|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
فلورنس غزلان
2022 / 4 / 8
ــ لانستطيع أن نقف متفرجين، ولا نستطيع أن نغض الطرف عما يجري على مرمى حجر من البلد الذي نعيش فيه، فأوربا غارقة شاءت أم أبت ، لأن اللاعبَين الأكبر أو المتصارعَين الحقيقيين هما " ألولايات المتحدة وروسيا".
لماذا ؟
ــ روسيا لم تستطع أن تهضم تفتيت " الاتحاد السوفييتي " وتريد استعادة ولو بعض الأمجاد أو النفوذ في المناطق الأكثر استرتيجية وحضوراً اقتصادياً وتكنولوجياً ، أن تخسر ليتوانيا ومولدافيا ، فهذه بالنسبة لأوكرانيا " دويلات " حتى لو ارتبطت حدودها مع روسيا، إنما اتساع رقعة أوكرانيا وتحكمها اقتصادياً بثروات لايمكن السكوت على خروجها من الحاضنة الروسية خاصة حين بدأت تستقل وتنحو نحو الديموقراطية ، تبتعد عن " الدب الأكبر" وتتقرب من الناتو وأوربا ، ولا نستطيع أن ننسى كيف بدأت طلائع الأطماع البوتينية تظهر جلياً بعد ضمه لجزيرة " القرم " ثم تسليحه لمجموعات " روسية الأصل استوطنت شرقي أوكرانيا في العهد السوفييتي أي منطقة " الدومباس "ودفعتها للعصيان والتمرد على الحكم المركزي في " كييف" إلى أن وصلت لحد اتهام كييف "بالعنصرية والنازية"!، وأعلنت انفصالها عن أوكرانيا ثم اعتراف دولة بوتين باستقلاليتها وبالطبع ضمها فيما بعد لروسيا.
ــ الولايات المتحدة تسير من ضعف إلى ضعف، فلم تعد بنفس القوة التي كانت عليها إبان الحرب الباردة، كما أنها لم تعد بالنسبة للعالم الحالي القطب الأكبر والأهم في العالم، فقد بدأ نجمها بالأفول ــ على الأقل اقتصادياً ونفوذياً ــ خاصة بعد تسلم السيد أوباما السلطة ، فانسحاب أمريكا من العراق فافغانستان ، وإغفالها لما جرى من مذابح في سوريا ، ناهيك عن إدارة الظهر للدول العربية البترولية " الخليجية" تحديداً ، بعد أن كانت لوقت قريب الصديق والحليف لأمريكا، جعل منها دولة تبحث عن ماضٍ ومكانة تفر من بين أصابعها، فصعود التنين الصيني الاقتصادي الكبير أمر يخيف أمريكا ويخيف أوربا كذلك ، خاصة لو تحالف التنين مع الدب ".
ــ الاقتصاد الروسي وعلاقاته مع الدول الأوربية ، حيث تعتمد معظمها على الغاز والقمح الروسي ، بما يعادل من 30 ـ 40 بالمية من استيراداتها، ناهيك عن الزيوت والأقماح الأوكرانية.
ــ الصادرات الصينية للدول الأوربية وأمريكا هائلة وموجعة فيما لو وقفت إلى جانب روسيا، وقد تم تحذيرها من الاتحاد الأوربي ـ لهذا نجد أنها تحاول الوقوف على الحياد فقوتها أساساً قوة اقتصادية أكثر منها سياسية ــ عسكرية .
ــ لأول مرة نرى أن دول الخليج لم تعطِ صوتها في مجلس الأمن للموقف الأمريكي ــ الأوربي ، بل استنكفت ووقفت جانباً كما أنها حتى اللحظة لم تخضع للابتزاز والضغط الأمريكي وخاصة " قطر " حين أعلنت أنها لاتملك القدرة على مد أوربا بالغاز بدلا من روسيا وليس لديها السيولة الكافية!!
لكن الضغط مستمر وتكثيف الزيارات الأمريكية مستمر كذلك ، إنما لأي حد يمكنهم الحياد ولو قبلوا لعب هذا الدور البديل ، فبالنسبة لروسيا يعتبر عدواناً على مصالحها ، ولا قدرة لديهم على مناصبة روسيا العداء.
ــ الدول الأوربية متضررة جداً من وقوفها إلى جانب أمريكا باعتبارها قوة هامة في حلف الناتو، اقتصادياً وسياسياً في تبعتهم المستمرة منذ الحرب العالمية الثانية لأمريكا، والحرب الدائرة تقع في وسط أوربا ، وقد بدأت ملامح الحرب تظهر جلياُ وبقوة على القدرة الشرائية للمواطن الأوربي ، "فواتير الغاز والكهرباء والبترول والفحم ، إلى جانب أسعار كافة السلع والمواد الأساسية الإستهلاكية ، المرتبطة بالنقل والمواد الأولية . ناهيك عن استقبال الأعداد الهائلة لللاجئين الأوكرانيين واحتضانهم "فهم من أبناء البيت الأوربي ، يحملون جينات الشعر الأشقر والعيون الزرقاء"!.
وليس غريباً أن يصرح ماكرون أننا " في عالم مختلف اليوم ولم يعد الناتو يشكل القطب الأكبرفي العالم وعلينا أن نتدارك هذا العجز وأن نشكل قوة أوربية عسكرياً واقتصاديا" ـ خلف السطورتكمن محاولة الانفصال عن التأثير والاستقطاب الأمريكي ــ ً، وقد لاحظنا استمراره في الاتصال ببوتين ولأكثر من مرة ، وبالطبع لايمكنهم أن يقدموا على شن حرب على روسيا لحماية أوكرانيا، أمريكا كنت الأولى في دعم أوكرانيا بالسلاح قبل وأكثر من أوربا ، لأن مصالحها في تثبيت أقدامها وانتشال قوتها من حالة الضعف في عهد " بايدن شريك أوباما في الإحباط الأمريكي "، وضعتها الحرب الروسية ــ الأوكرانية على المحك.
كما أننا لانستطيع ألا نشير لوحشية بوتين التي جربناها وعشناها في سوريا ومن قبل في الشيشان وجورجبا، فبعد أن اعتقد أنها مجرد غزوة قصيرة ومحدودة بات يواجه صموداً بطولياً من الشعب الأوكراني المدافع عن أرضه وحريته ورفضه العودة للحاضنة البوتينية، ويكفينا أن نرى التدمير للمشافي والبنى التحتية في المدن الهامة والاستراتيجية كمدينة "ماريوبول " حتى نرى فيها حلب وحمص وغيرهما.
كيف ومتى ستنتهي هذه الحرب؟ ،لاندري ، ونأمل أن يتوصل الطرفان في تركيا إلى حل مرضِ للطرفين وأن تتوقف هذه الحرب الطاحنة ،التي شردت أكثر من عشرة ملايين أوكراني ...كما سبق لبوتين بمساعدته لبشار الأسد أن شرد وشتت وجَوَّع الشعب السوري .
توقف هذه الحرب سينتج ــ دون شك ـــ عالم جديد بصورته وتحالفاته واقتصاده وسياساته.
فلورنس غزلان ــ باريس 08/04/2022