|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
آصف ملحم
2022 / 3 / 13
لقد وضعت الحرب الروسية الأوكرانية العالم كله على مفترق طرق خطير، وبدأت آثارها تتجلى في العديد من مجالات النشاط الإنساني. فلقد كانت تأثيراتها متفاوتة بين دولة وأخرى؛ ففي نفس الدولة نجد أنها أثّرت سلباً في قطاع معين، وإيجاباً في قطاع آخر.
ففي مصر مثلاً، وبعد الاعتراف باستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين مباشرةً، سارع رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إلى الدعوة إلى انعقاد اجتماع خاص لمناقشة آثار هذا الاعتراف على مصر. وهذا الأمر يشير إلى قلق المسؤولين المصريين من الآثار السلبية للأزمة الروسية-الأوكرانية.
في الحقيقة، لا يمكن دراسة جميع الجوانب والآثار الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية في هذه المقالة القصيرة، لذلك سنكتفي ببعض الإشارات السريعة بهدف إبراز الدور السلبي الذي قد تلعبه هذه الأزمة على مصر.
في الواقع، صوتت مصر لصالح القرار الأممي المقدم من الدول الغربية، وهذا التصويت سيكون له تبعات كثيرة، لأنه أدخل مصر في حالة من الارتباك بسبب علاقاتها ومصالحها المتشعبة بين روسيا والولايات المتحدة. هذا الأمر يمكن أن نلحظ انعكاسه المباشر على مناخ الاستثمار في مصر؛ إذ تشير بعض المصادر، إلى أن المستثمرين الأجانب سحبوا عدة مليارات من الدولارات من مصر عقب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية مباشرةً؛ وهذا في الواقع يعود إلى قلق و خوف المستثمرين من تفاقم الأمور وارتدادها على الاقتصاد المصري. علاوة على ذلك، فلقد بلغت نسبة التضخم في شهر شباط حوالي 10%، وهذا يؤكد الارتباط القوي بين الاقتصاد المصري والعلاقة مع روسيا.
تعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم كما أنها من بين الدول العشر الأوائل المستوردة لزيت عباد الشمس. تزود روسيا و أوكرانيا مصر بحوالي 85% من احتياجاتها من القمح، كما تزودانها بحوالي 73% من احتياجاتها من زيت عباد الشمس. ولقد أدت الحرب إلى ارتفاع سعر القمح بنسبة 44%، و زيت عباد الشمس بنسبة 32%. وهذه الأرقام تشير إلى أن مصر يمكن أن تصبح أمام أزمة غذائية حقيقية إذا تفاقمت الأوضاع في أوكرانيا و روسيا. لذلك، في هذا السياق، يصبح السؤال التالي منطقياً:
كيف ستوّفق القيادة المصرية علاقاتها بين روسيا و أوكرانيا؟
و بعيداً عن الاقتصاد، وفي المجال السياحي تحديداً، من الممكن أن تصبح مصر أحد الوجهات المفضلة للسياح الروس، خاصةً بعد تذبذب العلاقة مع تركيا وغموض موقفها من الأحداث الجارية في أوكرانيا، الأمر الذي سيشكل دعماً جيداً للاقتصاد المصري الهش. و هنا لا بد من الإشارة إلى أهمية العوامل النفسية والأمنية في اختيار السائح للوجهة التي يريد الذهاب إليها، خاصة مع تصاعد هذه الهجمة الإعلامية الغربية الشرسة في وجه روسيا. ففي القاهرة، مثلاً، قامت عدة شخصيات أوكرانية، تعمل في المركز الثقافي الأوكراني، بتنظيم احتجاجات على الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، ورفعت هذه الاحتجاجات شعارات معادية لروسيا، واصفةً إياها بالمعتدي. وليس هذا فحسب، بل تحاول هذه الشخصيات الترويج لإطروحة (الخوف من الروس) أو (فوبيا الروس) بين المصريين أنفسهم. فهذه الإطروحة ابتدعها الغرب الأنغلوسكسوني في السنوات الأخيرة بغية تأليب الرأي العام العالمي ضد روسيا والشعب الروسي، ولا يجب بشكل من الأشكال أن يتأثر المواطن العربي أو المصري بهذه الدعاية ذات الخلفية السياسية الواضحة. لذلك نعتقد بأنه سيترتب على هذه الممارسات غير الموضوعية وغير المسؤولة الكثير من الآثار السلبية في القطاع السياحي المصري؛ خاصةً أن عملية تنشيط هذا القطاع تحتاج إلى جهد إضافي؛ فالنشاط السياحي بين مصر و روسيا مر بعدة أزمات في السنوات الأخيرة.
إضافة إلى ما سبق، فهناك الكثير من المشاريع التي تقوم روسيا بتنفيذها في مصر. أهم هذه المشاريع: بناء محطة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية في مصر، مشروع بناء منطقة صناعية في قناة السويس. هذا علاوة على عقود التسليح بين الجانبين. ونعتقد أن الأزمة الروسية الأوكرانية ستترك أثرها على هذه المشاريع.
ختاماً، حاولت في هذه العجالة إبراز أهم القطاعات المصرية التي يمكن أن تتأثر بالحرب الروسية الأوكرانية. ولا يشكل ما قدمته في هذه المقالة سوى إضاءة، تهدف إلى إطلاع القارئ العربي على الموضوع لا أكثر؛ فهذا موضوع واسع للغاية ويحتاج إلى كتب ومجلدات لتغطيته.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |