تعدد مفاهيم الحب بين اللاشعوري والإختياري

عثمان بوتات
2022 / 2 / 18

يمكن إعتبار الحب شعور نشترك فيه جميعاً ونلامسه منذ نعومة أظافرنا، هو شعور غريزي يمتلكه كل فرد منا، يفهمه بفهمه، ويستغله حسب فهمه. وبهذا فالحب مفهوم ليس بموضوعياً، يشبه أذواقنا المختلفة التي لا تقبل النقاش فيها، وهو شعور ليس بعقلاني في غالب الأحيان. الحب ببساطة شعور يدفعنا للإهتمام بالآخر والشعور بالراحة بوجوده. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الشأن؛ هو كيف يختار الفرد من يحب في ظل تعددية مفاهيمه؟

برؤيتي الشخصية، فإنني أعرّف الحب وأقسّمه لنوعين أو مرحلتين يمكن للفرد الوصول لهما بحياته؛ تلك المرحلة التي يكون فيها الحب الحب مشروط وخاضع للاشعور، وهي المرحلة الأكثر شيوعاً وتعقيداً يمر بها الفرد بحياته ويعاني إثرها، كونها بعيدة عن الواقع -وليست بمستحيلة التحقيق-. ثم المرحلة التي يكون فيها الحب لامشروط، وهي مرحلة من الوعي ذات بعد أخلاقي وروحي أكثر من هي سمة فسيولوجية.

يبدأ مفهوم الحب في التشكل لدى الطفل بالمرحلة الأوديبية، ولهذا فالأسرة لها دور كبير في تشكيل صورة أولية-دائمة عن الحب.

يبدأ الطفل بالمرحلة الأوديبية بتطوير موقف يريد فيه إمتلاك الجنس المعاكس له من الأبوين. مثلاً، البنت عندما تستوعب أنها أنثى-أي مختلفة عن الذكر ( أباها ) وتشبه أمها-، وتلاحظ العلاقة بين أبويها، تبدأ في الطموح لتصبح مثل أمها، لإثارة إهتمام الأب؛ وهذا بالتشبه بأمها بسلوكاتها وطريقة كلامها. هذه الرغبة لدى البنت لإمتلاك الأب لا تلبث أن تصطدم بواقع الحال؛ أنه لا يمكنها الإرتباط بوالدها على شاكلة أمها، والإنجاب منه، الخ... ومنه تتحول لمرحلة المراهقة والرشد، لكنها تحتفظ بصورة الأب بلاشعورها، فتبدأ لاشعورياً في البحث عن شريك يبادلها الإهتمام يشبه صفات والدها. شكل العلاقة بين الأب والأم في حالة هذه الأسرة يشكل بشكل مباشر مفهوم الحب لدى هذه البنت المراهقة-الراشدة، فإذا كان الأب يعبر عن حبه للأم بجلب الهدايا لها ومعاملتها بلطف؛ فإن البنت ستنجذب مستقبلاً للرجل اللطيف والسخي في العلاقة، وإذا كان الأب سلطوي أو حتّى يعنِّف الأم؛ فإن البنت ستنجذب مستقبلاً للرجل السلطوي في العلاقة، وتبرر ذلك بأن الزوج يعنف الزوجة لأنه يحبها، ويعود ذلك هو مفهوم الحب بالنسبة لها، أو على النقيض؛ ستأخذ صورة سلبية عن الحب ولن تعترف به...

بالإضافة لهذا، فإن انجذاب الفرد للجنس الآخر يفرض فيه نفسه عامل السياق التطوري المرتبطين به كبشر الذي نطمح فيه للإستمرار في الجينات بالنسبة للجنسين. وهذا يعني أنّ إختيار الرجل لشريكته وحبها يشترط أن يرى فيها خصائص القدرة على الإنجاب، وملامح وجه جميلة لنقلها للأبناء، وكذا المرأة ستنجذب للرجل القوي جسمانيا لضمان الأمن، وكذلك للرجل الذي يتميز بملامح وجه أجمل، هدف إنجاب أطفال بنفس الصفات. وهذا لادخل لأفكار الفرد حول هل يريد فعلاً إنجاب أطفال أم لا، بل لاشعوره من يفترض ذلك.
ثم هنالك العامل الثقافي، والديني، وكذا الأيديولوجي، الذي يحدد من سينجذب له الفرد ومن لا. ففي أغلب الأحيان ينجذب الفرد لنوع الجنس الآخر الذي يشترك معه ثقافياً، ويتماشى مع معايير معتقداته، ولديه نفس التوجهات السياسة-الأيديولوجية.

من هذا نخلص، أن لاشعور الفرد يختار، وينجذب للآخر، ويصبح يحبه عندما تتوفر عدة شروط، أو أحدها بزيادة فيه؛ إمّا أن يكون بنفس صفات الجنس المعاكس من الأهل، أو يكون يطابق الصفات التي تفرضها الطبيعة البيولوجية لضمان مشروع إنجاب أنجح، أو يكون من نفس الثقافة ويتشارك مع أفكاره. وهذا مايفسر أنّ أغلب العلاقات لاتستمر طويلاً كما الأول؛ لأنه في الأغلب أحد الطرفين سيغير أفكاره، وسلوكه، وتقل نسبة انجذابه في رؤية الآخر. وأيضاً يفسر لماذا نجد أنّ أحد الطرفين منجذب نحو الآخر بينما الآخر لا؛ وهذا أنّ الأول قد وجد في الآخر الشروط المناسبة لحبه، بينما التاني لا.
ومن أجل هذا فإنني أعتبر هذا النوع من الحب في أكثر حالاته هو مرحلة يكون فيها الفرد ليس بالوعي الكافي، لأنه نوع يتشكل لاشعورياً وخاضع للغرائز البشرية في جوهره، ولا يمكن التحكم فيه بعقلانية. هذا النوع من الحب إذا تمت رؤيته بمنظور أخلاقي، سنجد أنه إستغلال للطرف الآخر لا أكثر. فمن يقول أنه يحب هذا الشخص فهو يعني أنه يحب استغلال هذا الشخص ما يشترط لاشعوره، ومن يقول أنه يحب هذا النوع من الحيوانات فإنه يعني أنه يحب أكل هذا النوع من اللحوم، أو يحب هذا النوع من الحيوانات الذي يتمتع بنوع خاص من الجمال. فمتى إذن ينفصل الإنسان عن هذه المرحلة الأنانية ويصير حبه لامشروط ؟

إنّ أرقى مراحل الوعي، برأيي، حينما يعي الإنسان أن الحب وسيلة، لا غاية، لسعادته والآخرين، وأنه طاقة عظيمة يمكنه من خلالها الإرتقاء ليكن مشروع إنسان أفضل داخلياً وخارجياً، حينما يعطي الإهتمام للكل ولا يؤذيه بأي شكل، ولا يتوقع منه أي مقابل. فحتى لو أعطيت الإهتمام للآخر وانتظرت منه المِثل فأنت لازلت في مراحل الحب الأولى البعيدة عن عن الواقع، وإذا توقعت من الآخر أن يفهم الحب كما تفهمه وأحبطت إذ لم يفعل فأنت كذلك لازلت في مراحل الحب الأولى. فهذا أشبه بأن تتوقع من الثور أن لا يهاجمك لأنك نباتي، كما يقول ( هنري لاندرو ).

في النهاية، لا يمكننا اعتبار أن النوع الأول من الحب شيئ سلبي بالضرورة، بل كل ما يجب معرفته؛ أنه بإمكاننا أن نجمع الإثنين معاً، إذا بلغنا المرحلة التانية من الحب، وبعدها نستطيع أن نعيش الحب بوعي، كإنسان يهتم بالكل ولا يتوقع الإهتمام من أحد.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي