|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
عثمان بوتات
2022 / 1 / 5
يدحض المفكر ( سورين كيرغجارد ) الأفكار الثقافية/ الإيديولوجية التي تحث على منع الجنس فكرياً وعمليًا، حين قال أنّ: " الكنيسة هي التي جعلت من الجنس مشكلة بسبب تحريمه، ما أدى إلى الهوس به من جانب الجماهير فيما بعد. "، ويعتبرها أفكارًا تؤدي لسلوكيات معاكسة. وقد شاركه الرأي في ذلك المفكر ( ميشيل فوكو ) صاحب القول الشهيرة: " إن الشعوب الأكثر تحريمًا لشيء هي أكثر الشعوب هوسًا به. ".
كيف إذن يتولد هذا التناقض في السلوك ؟ وإلى أيّ مدى تصبح سلوكات لا أخلاقية ؟
إنّ الضغط على ماهو غريزي وطبيعي في الإنسان، قد يولد للفرد تناقضات واضطرابات نفسية معقدة، وهذا بالضبط ما نرى نتائجه في مجتمع كمجتمعنا، الذي تتسم سلوكياته بالنفاق، والتدخل في شؤون الغير، الخ... وهذه السلوكيات قد أصبحت طبيعية في الوقت الراهن وتنمو مع الطفل منذ نشأته، ثم تشكل نمط للتفكير والممارسة لابد منه للتناغم داخل ثقافة كهذه. وبه نجد أن السلوكيات اللا أخلاقية أصبحت طبيعية وجزء هام من ثقافتنا.
بصورة أكثر تحديدًا؛ فإن أكتر سلوك يتم الضغط عليه ومنع ممارسته هو" الجنس ". حسب فرويد فإن كبت الرغبات الطبيعة للإنسان -كالجنس- داخل اللاوعي؛ هو أمر لا يلبث أن يخرج بطرق وسلوكيات متعددة، وتكون عبارة عن سلوكيات وحشية في الأغلب. وهذا مايحثنا على أن نسبة من الإضطرابات والسلوكيات العنيفة المتواجدة بمجتمعنا؛ هي نتيجةً للكبت والضغط الذي يواجهه الفرد منذ نشأته اتجاه ممارسة رغباته الفطرية، والمتعلقة بالجنس تحديدًا.
تعد الأنثى الفئة الأكثر عرضة للتشبع بسلوكيات لا أخلاقية؛ تتسم بالتحايل والكذب.. وهذا أنها عكس الذكر، هي من يمارَس عليها أكبر ضغط ورقابة في ما يتعلق بممارسة الجنس والتعبير عن الرغبات الطبيعية. فقد تجد الرجل يعبّر عن رغباته ويتفاخر أمام أصدقائه بذلك، بل حتى مع أبويه أحيانًا.على العكس من ذلك مع الأنثى، التي إذا عبّرت عنها فهي تعاني أولاً من تأنيب ضمير؛ يحث على أن ما تفعله خاطئ -وهذا الضمير الأخلاقي حسب نيتشه هو نتيجةً للأفكار الدينية/ العادات/ التقاليد.. ويشترك فيه الجنسين-، ثم من المجتمع الذي يمارس عليها رقابة -وتعطيه الثقافة الحق في ذلك-، ثم الأبوين والعائلة عامةً، وتعد هذه الأخيرة منبع أكبر رقابة وضغط ولاسيما الأب.
من خلال هذه المجموعة من الحيثيات؛ يمكننا التساؤل عن كيف يمكن أن تؤثر بدورها على سيكولوجيا الأنثى سلبيًا ؟
بداية يجب الاتفاق على أنّ تلبية أو التعبير عن الرغبات الجنسية لدى الأنثى تتم في أي وضع كانت به، ورغمًا عن نسبة تشدد المجتمع أوأيّ عامل خارجي آخر-دون احتساب الحالات الشاذة-، وهذا إمّا بطرق مباشرة ( التعبير عن الرغبات الجنسية وممارستها بالطرق المعتادة ) وإمّا بطرق غير مباشرة ( المصاحبة بالتخبية بالدارجة العامةً ). بعد هذا السلوك " اللاأخلاقي " -بنظرة المجتمع- الذي تقوم به الأنثى ستصبح تلقائيًا تفكّر في كتمانه عن المجتمع والعائلة، وكذا إيجاد تبريرات لإراحة ضميرها، وهنا يوَلِّد العقل لدى الأنثى وسائل للاحتيال والكذب ( سلوكيات لا أخلاقية ). فقد تجد فتاة تقضي يومها كله مع صديقها الحميم وفي المساء تجتمع مع عائلتها كأن شيء ما حدث؛ وهذا أنه سبق وكذبت واحتالت على عائلتها بطرق تصبح تتقنها مع الممارسة. الإشكال الأول الذي يطرأ في هذا الشأن؛ أنّ هذا النوع من التواصل المتسم بالنفاق والكذب بين العائلة والفتاة يُستَبعد أن يكون به أي نوع من الحب والثقة ( فقدان خصائص مهمة لتحقيق الإنسجام داخل أفراد الأسرة )، وسيسبب ذلك اضطرابات لدى الأنثى بالضرورة.
مع مرور الوقت وممارسة نفس النمط؛ فإنه من الجلي تشَكُّل اضطرابات جانبية يحدثها ذماغ الإنسان عندما يضطر لإراحة الضمير الأخلاقي؛ كالتدخل في شؤون الناس ونصيحتهم بعكس مانفعل، وقد صادفت حالة عملية لهذا شخصيًا؛ حينما رأيت صديقة لي صارمة الرقابة على أختها الصغيرة فيما يتعلق بمصادقة الذكور وإنشاء علاقة معهم، بينما هي تفعل نفس الأمر في الوقت الراهن، واحيانًا كان يصل مستوى تناقضها لممارسة العنف اتجاه أختها الصغيرة هذه عندما تراها تفعل مثلها. عندما تأملت سلوكها هذا توصلت لنتيجة مهمة؛ وهي أنها تقوم بتشخيص على أختها دور الأب الذي عانت من رقابته المتشددة، واحيانًا كان الأخ. وبهذا عُزِّزَت فكرة فرويد التي تحث على أن كبت الرغبات الطبيعة توّلد السلوكيات العنيفة والمتناقضة، وفي طيات هذا كذلك عُزِّزَت فكرتي الخاصة، والتي تحث على أنّ العنف يولّد العنف بالضرورة وفي دورة لانهائية لانستطيع إيقافها إلاّ بالوعي الكافي.
رغم الأمثلة السابق ذكرها التي هدفت لدراسة سلوكيات الأنثى في مجتمعنا، إلاّ أنه يمكن اعتبارها دراسة سطحية أو إذا أردنا رؤية شاملة. لكن بإمكاننا التعمق أكثر في بعض المظاهر الجانبية. إذا تكلمنا عن فكرة " الحجاب " مثلاً، وما يسبب من اضطرابات لدى الأنثى. فعندما يفرض الحجاب نفسه كفكرة على طبيعة الأنثى -رغمًا عن ظنها الخارجي بأنه اختيارها الخاص- فهو يُنتِج لها تناقضات وسلوكيات عبارة عن نتائج للضغط الذي تَمارس عليها من طرف الإيديولوجيا -التي تعتبر الحجاب أحد ركائزها الفكرية-، ومنه فمن الطبيعي أن نرى تناقضات في شوارعنا؛ حيث تُسلب قيمة الحجاب الجوهرية ( الستر )، ونرى في المقابل محجبات من فوق " مستورات " وما تبقى من جسمهم لا ينطبق بتاتًا مع مفهوم الستر الذي تدعو له جوهر فكرة الإيديولوجيا المعيّنة، وعلى الهامش؛ لا يمكنه أن ينطبق مطلقًا، لأن الأنثى بطعبها تسعى لإظهار جمالها. والإنسان عموماً عندما يتم تجريده من أحد خصائص طبيعته وتوجيهه بأفكار ضدها؛ يبدأ بالتحايل على الأنماط الجاهزة لخلق توازن داخل الذهن، أو يبدأ بإيجاد مبررات تناقض الواقع يوهم بها نفسه. وبالطبع كل هذا يعود بالمعاناة على صاحبه؛ لأنه من الصعب الذهاب عكس تيار الطبيعة وخلق توازن داخلها بمحدداتنا الخاصة.
الذكر كذلك هو جزء لا يتجزأ من الإضطرابات النفسية والسلوكيات اللا أخلاقية التي يولدها الكبت الجنسي ورقابة المجتمع المتشددة اتجاه ماهو طبيعي، الإختلاف بين الجنسين يكمن فقط في نوعية السلوكيات المنتَجة، ويمكننا ملاحظة هذه الأخيرة للذكر بسهولة؛ عندما نرى شوارعنا مليئة بظواهر الهوس بالجنس ( التحرش، الدعارة، الخ... ). وفي هذا السياق لابد من ملاحظة أن الشعوب الأكثر منعًا للجنس كممارسة مباشرة؛ هي الشعوب التي تحتوي على أكبر نسبة تحرّش واغتصاب ودعارة.. ما يعزز قول ( ميشيل فوكو ).
وهكذا فمن المؤسف أن نجد أننا نعيش في مجتمع متشبع بثقافة ترتكز على السلوكيات اللاأخلاقية كضرورة للتناغم داخله، مجتمع حيث كل واحد منا يرتدي عدّة أقنعة.. قناع مع العائلة وقناع مع الأصدقاء... مجتمع حيث لا أحد منا يعرف فيه الآخر حقًا !
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |