![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد فُتوح
2022 / 1 / 3
كونداليزا رايس .. أليست امرأة ؟!
-----------------------------------------
رشيقة القوام ، قصيرة الشعر ، بعيدة النظر ، سمراء البشرة ، تنحدر من أسرة موسرة ، وفرت لها قدراً من التعليم .. تفوقت .. عملت فى الجامعة وأًصبحت رئيسة لها .. تتحدث بأكثر من لغة ، غير متزوجة ، تبلغ من العمر ما فوق الأربعين ، على دراية كبيرة بالمشكلات السياسية وخاصة المسألة الروسية . إنها كونداليزا رايس ، التى أصبحت وزيرة الخارجية الأمريكية 2005، وبحكم منصبها فهى مسئولة عن السياسة الخارجية الأمريكية والترويج لها .
فهى تتعامل – على سبيل المثال – مع السياسة الروسية ومشكلة الشيشان ، والمسألة النووية فى كوريا الشمالية وإيران ، ومصير أمريكا فى أفغانستان ، والمشكلات العرقية للأكراد ، والخلافات بين الصين وتايوان ، وفى منطقتنا العربية تتابع مشكلة دارفور والتمرد فى السودان ، ومصالح أمريكا فى العراق ، والمساومات التى لا تنتهى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ، وتضييق الخناق على الحكم فى سوريا ، والحرية والطائفية فى لبنان . وتحمل راية الإصلاحات الديمقراطية ، وتطالب بمراقبة دولية للإشراف على الانتخابات الرئاسية ، وبمزيد من الإصلاحات الدستورية ، إنها تنذر وتهدد بالحروب ، وتعد وتبشر بالسلام ! .
كل ذلك تفعله امرأة ، امرأة تنتمى إلى جنس النساء ، لا تختلف عنهن من الناحية التشريحية والفسيولوجية .
كل ذلك تفعله امرأة ، إلا أننا من حين لآخر يطلع علينا أحد المتأسلمين ، ليقول لنا أن المرآة لا تصلح لتقلد المناصب القيادية لأنها بطبيعتها انفعالية وتأتيها الدورة الشهرية .
أليست كونداليزا رايس امرأة تحيض ككل النساء ، وما هذه الطبيعة الانفعالية التى يتحدثون عنها ؟ . هل هى طبيعة النساء العربيات والمسلمات فقط ؟! . أم هى طبيعة جنس النساء على هذا الكوكب ؟! .
ألم يسمع هؤلاء المتأسلمون عن نساء قدن دولاً ، وتولين مناصب قيادية تتصف بالخطورة والحساسية قديماً وحديثاً ؟! . هل جاءهم خبر كليوباترا وبلقيس وشجرالدر ، هل سمعوا عن مارجريت تاتشر ، ومادلين أولبرايت وبناظير بوتو ، وتانسو شيلر ، أول رئيسة وزراء لتركيا 1996 ؟؟.
لو كانت هذه حال النساء كما يرى شيوخنا الأذكياء ، لما جازفت أمريكا بإسناد هذا المنصب لامرأة ترسم السياسات الخارجية ، وتضع المخططات الدولية لأكبر دولة على الكرة الأرضية ، ولتجنبت هذه الخطوة التى تجعلها تخسر الكثير .
فماذا تفعل أمريكا عندما تأخذ كونداليزا رايس بعض القرارات ، وهى فى فترة الحيض وهى فى حالة انفعالية ؟. حسب المتأسلمين ، حتماً ستؤدى هذه القرارات إلى الحرب بين الهند وباكستان ، وتشتعل نار الخلافات بين أوروبا والأمريكان ، وتدمر الصين جيرانها ، وتعم أفريقيا المجازر والفوضى والغليان ، ألم يكن من الحكمة أن يسند هذا المنصب لرجل حكيم .. عاقل بطبيعته ، لا يأتيه الحيض ؟؟.
إن كونداليزا رايس تقطع العالم شرفاً وغرباً ، شمالاً وجنوباً وهى امرأة غير متزوجة ، وتسافر إلى بلاد الله الواسعة بلا وصاية ، وبدون محرم .
أما هنا وفى أغلب بلادنا العربية والإسلامية ، فلا سفر للمرأة إلا بموافقة الزوج أو ولى الأمر .
تجتمع كونداليزا رايس بالساسة من الرجال ، تجلس معهم منفردة فى الغرف المغلقة ، ولا أحد يردد أن انفرادها هو لشىء آخر غير المشاورات والمفاوضات ، ورفض المنازعات أو التعاون من أجل القضاء على الفقر وإحلال الرخاء . لم يساور أحد ، وخاصة فى منطقتنا العربية أن انفرادها بأحد الساسة الرجال قد يكون مدخلاً للشيطان . قالمجتمعات الإسلامية تؤمن وتردد دائماً ، أن ما اجتمع رجل وامرأة ، إلا وكان الشيطان ثالثهما .
لو طلبت كونداليزا رايس من أحد الساسة الإسلاميين أن تجتمع به منفردة ، لما تردد حتى لو كان ينتمى إلى أكثر التيارات الإسلامية تطرفاً ، ولن يتبادر إلى مخيلته ، أو مخيلة أى مسلم ، أن الشيطان سيتسلل إليهما .
فليفسر لنا الإسلاميون هذا الموقف ، الذى يضرب معتقداتهم فى مقتل . ليس هناك غير احتمالات أربعة ، إما أن تكون رايس لا تنتمى إلى جنس النساء ، أو أن هذا الرجل لا ينتمى إلى جنس الذكور ، وإما أن الشيطان لا حول له ولا قوة ، لكى ينفذ إليهما ، أو أن ليس لهذا الشيطان وجود أصلاً ! .
لذا يجب أن نمحو تلك المقولة من عقولنا ، التى توارثناها جيلاً بعد جيل .
إن المتأسلمين هم السبب الحقيقى لتخلف المرأة وتأخرها ، فهم يقفون ضد حقها البسيط فى ادارة شئونها دون وصاية ، وفى حقها لتقلد ميع المناصب دون تمييز ، وضد اختلاطها بالرجال ، باسم التقاليد والعادات والقيم الإسلامية .
فليتأمل الإسلاميون كيف تتحرك كونداليزا رايس ، وكيف تتعامل وتتصرف مع الرجال من حولها ، ثم يراجعون أفكارهم من جديد ، كى لا يستمروا فى تكبيل المرأة بالسلاسل والقيود ، التى صنعتها معتقداتهم ، ونظرتهم الى النساء .
من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002
---------------------------------------------------------------