|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ازهر عبدالله طوالبه
2021 / 11 / 27
على الرُّغمِ مِن جُلّ الصّعوبات السياسيّة -بمُختَلَف أشكالها ومضامينها- التي تعرَّضت لها البِلاد، منذ خمسينيَّات القرن الماضي، إلى نهايةِ القَرن، تقريبًا، إلّا أنَّ ما نحنُ به، اليوم، هو عهد سياسيّ لَم يسبق لنا أن مررنا بمثلهِ . فالأحداثُ السياسيّة، في تلكَ الفترَة، كانَت كفيلَة بأن تُعدِّد الخُروقات في سفينةِ الوطن، كما وكانَ بإمكانِها أن تتنوَّع باختيارِ أشكالِ الخُروقات، وذلك مِن حيث أنَّها كانت خروقات تأخُذ الشّكلِ "المحلّي" و"الإقليميّ" وحتى "العالميّ" في بعضِ الأحيان .لكن، لُحمَة أبناء الوطن، وإصرارهم على أن يكونوا تحتَ مظلَّةٍ واحِدة، وهي مظلَّة "المشروعيّة لمَن يحكُم"، وألّا يسّمحوا، مهما كانَ الثّمَن، بتنفيذِ المُخطَّطات، جُلِّها، التي رُسِمَت في عشرينيّات القرنِ الماضي، مِن قبلِ حكومة الإنتداب البريطانيّ، ومَن قبِلَ بأن يكونَ مِن أحد مُنفّذي أجنداتها ؛ نكايةً بمَن كانوا يبحثونَ عن سيادةٍ وحكمٍ مُطلَق للبلادِ العربيّة، ولربّما، هذا الجانِب، سيكون لهُ مقالًا خاصًّا .
أمّا اليوم، فما مِن خروقاتٍ إلّا الخُروقاتِ الداخليّة، التي تجهِّز وتهيّء سفينة الوطَن، لتقبُّل الخُروقات "الإقليميّة" و "العالميّة" على العكس، تمامًا، ممّا كانَت عليهِ البلاد، في النِّصف الثاني مِن القرنِ الماضي . وهُنا، أجزِم، بأنَّ السّبَب في ذلك، هو أنَّ الأُردنيينَ، حُكِم عليهم، مِن قبلِ أباطِرَة الأجنداتِ الخارجيّة، بألّا يتجاوزا حدودَ الصّراعات الإقليميّة الداخليّة، والضّرب المُحاصصتيّ/العشائريّ على المناصِب، التي تقتَصِر وظائفها -أي المناصِب- على التّوقيع فقط، دونَ أن يكونَ لها أيّ دورٍ سياسيّ، يلعبهُ كُلّ مَن تقلَّد منصبًا سياديّ . وللأسف، فإنَّ هذه المناصِب، في العقدينِ الأخيرينِ، جُرِّدَت من صفاتها السياديّة، وأصبحَت آليّة الإختيار فيها، أشبه بعجَلة اليانصيب، التي كانَت تتواجَد في الشّوارعِ، قبل عقدينِ من الزَّمن.
وما إن تبدأ بتشّريحِ تلكَ المرحَلة ؛ لغاياتِ الاستفادة منها، مِن أجلِ تسييرِ الشؤون السياسيّة، ولو بشيءٍ قليل، ممّا كانَت عليهِ في تلكَ الحُقبَة، تجِد الجميع، يتكالَب عليك، ويبّدأونَ بكشفِ الأغطية عن عقولهم المُغلَقة، التي لا يُسمَح لها بالنَّظر أكثَر ممَّا هو مسموح لها..تجِدهُم يدعونكَ لتركِ التّاريخ السياسيّ للبلاد، وأن تحتَكِم لمُجرياتِ الواقِع، والأدّهى والأمَر، أنَّهُم لا يكتفونَ بهذا، وإنّما يُريدونَ منكَ ألّا تنظُرَ للسياسة بمعزلٍ عمّن يديرها، بمعنى أو بآخر، هُم لا يرونَ البلاد ب "جغرافيّتها السياسيّة"، بل لا يولونَ لهذا الجانِب، وهو الأصِل، أيّ أهميّة، وإنّما يريدونَ مِنكَ أن تضعَ يدكَ على عقلكَ، وتتحرَّك وفقًا لتحرُّكاتِ فُلان، الذي يجلِس في إحدى دوائر صُنعِ القرار، دونما أيّ أدنى معرِفة، عن ماهيةِ هذه المراكِز، وعن كيفيّة إدارتها، على الرُّغمِ مِن أنَّه يرى نفسه، أحد أهم أعضاء هذا المركِز.
وهؤلاء، أيضًا، وتحتَ حُجّة "الصّراع الإقليميّ" أو حُجّة "النّيرانَ مُحيطة بنا مِن كُلّ جانِب"، لا يخجلونَ مِن مساعيهم، التي تتركَّز على وفي المُصالحة مع ميراثِ مَن أوصلونا إلى هُنا، ومع واقِعٍ بائس، أوصلَنا لهُ ما يُصطَلح على تسميتهم ب "النُّخبة"، وهُم لا يتمتّعونَ بأيّ صِلة قُربى مع هذه التسّمية ؛ فهُم مَن أغرقوا البِلادَ بالفساد، وأشعلوا بها النّيران، وكثّفوا مجهوداتهم في سبيلِ تقسيمها، وعملوا بشكلٍ مُنظَّم ومُنتَظم على ضياعها.
لكن، العجيب، يتمثَّل بكيفيّة وقابليّة البَعض لدعوتنا لأن نتصالَح مع هذه "النُّخبة"، ونحنُ نعلَم بأنّها تسعى لتشّريخنا، وتمزُّقنا وتشتُّتنا، وصبّ جامّ اللّعناتِ على وجودنا هُنا، كأبناء أرضٍ، يرفضونَ أن يتنازلوا عن أرضهم، وعن بلادهم، ولو كانَ ثمن هذا ؛ دماءهم، فهُم ذرفوا مِن الدّماء ما لَم يُذرَف مِن أحدٍ سواهُم.
وهُنا لي أن أتساءل، مُتعجِّبًا :
كيفَ لكُم ألّا تخجلوا مِن دعوتنا للتّصالُح مع هذه "النُّخبة" وأنتُم تعلمونَ علم اليقين، بأنَّ كُلّ مآسينا تنبُع مِن أفكارِهم القَذِرة، وأنّ التّهميشَ الذي يعيشهُ الأُردنيّ هو وليد هذه النُّخَب..؟!
كيفَ لكُم أن تُريدوا مِنّا أن نتصالَح معهُم، وفي مصالحتنا معهُم، قبولًا لدناءتهم، ورضوخًا لهُم، وتنفيذًا لكُلّ مشاريعهم، لا سيّما المشروع الأهم ؛ مشروع "الهُويّة الجامِعة" الذي يُفقِد الأُردنيّ هويّته، ولا يجعلهُ أكثَر مِن إنسانٍ صحراويّ، متصلِّب العقِل، ومجّهول المنبَت، و وضيعِ الوجود.
إنّ دعواتكم هذه، لا تؤكِّد إلّا على أنّكُم تعيشونَ في أعمقِ نُقاطِ الفراغ، وتشّربونَ كؤوس البلاهة المُقدَّمة لكُم مِن قبلِ مَن يستخدِمونَكُم، لتحقيقِ مصالحهم.
نعَم، مَن يمثّلونَ السياسية مِن أبناء الوطن، يفتقدونَ لمشروعٍ سياسيّّ واضِح المعالِم، وبسبب هذا الافتقاد، عِشنا، وما زلنا نعيش في حالةٍ من التّيهِ والتخبُّط، ولكن، لن نسّمحَ لهذه الحالة أن تطول، كما وأيضًا، لن نسّمَح لكُم أن تجرّوا واقعنا التائه لمُستقبلنا، ولن نُعطيكُم فُرصَة أُخرى ؛ لتشوِّشوا مُستقبلنا.
الخُلاصة: البلاد لن تكون إلّا لأبنائها، ولن يجرؤ أحَد على أن يقتَرب مِن ذرّةٍ مِنها، حتى لو كانَت الحالة العامّة، يظهَر فيها الكثير مِن التّراخي.. ومَن لا يُصدِّق ما أقول ؛ فليعُد للتاريخ، وليقرأهُ بدقّة وتعمُّق.
لا نُريد اللِّجان، فنحنُ نريد مجالِس تشريعيّة فيها عتايت السياسية، وفيها رجال يملكونَ مشروعًا سياسيًّا واضِحًا، تكون في الأولويّة الأولى والأخيرة لهُ ؛ البِلاد وجُغرافيّتها وهُويّتها التاريخيّة.
ولا نُريد منظومات التّحديث السياسيّ، فنحنُ بالأصلِ، نعيش بلا سياسية . فلنجِد، أولًا السياسية، ومِن ثمَّ الأجدَر على تمثيلها . وبعِد ذلك، نتحدَّث عمّا إذا كانت السياسة تحتاج إلى تحديث أم لا .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |