![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد فُتوح
2021 / 11 / 22
العلمانية صمام لأمن الوطن ...
وشرط للتقدم
من الأخطاء الشائعة التى اعتاد عليها أغلب الناس ، أن العلمانية هى بالضرورة ضد الدين ، وهذا الفهم الشعبى السائد هو ما يقف حجر عثرة ، ضد انتشار الفكر العلمانى .
أما حقيقة الأمر فإن قيام نظام علمانى فى دولة ما ، يعنى أن تسير كل أمور الدولة بقوانين إنسانية نسبية وضعية قابلة للصواب والخطأ ، وفى حالة الخطأ يقوم واضعو هذه القوانين بتعديلها لما فيه مصلحة كل مواطن ومواطنة ، من تحقيق للعدل والمساواة والحرية ، ويكون ذلك عن طريق الديمقراطية.
فإذا كانت الدولة دينها الإسلام ، فهذا لا يعوق العلمانية ولا يضير الإسلام فى شىء.
فالفكر العلمانى يرى أنه يجب الفصل بين دين الدولة والنظام السياسى ، فالإسلام كدين يتصف بأنه مطلق ولا يجوز له الدخول فى السياسة التى تتصف بالنسبى ، أما إذا دخل الدين فى السياسة فسوف يحدث تعارض منطقى وجوهرى ، إذ كيف نطبق ما هو مطلق على ما هو نسبى متغير.
إن الدين كعقيدة مطلقة ، يصبح علاقة خاصة جداً بين الإنسان وربه ، والعلمانية تبقى نظاماً للقوانين الوضعية تتصف بالنسبية والتغير.
نحن هنا لا نتحدث عن ظاهرة جديدة ، أو بدعة من البدع ، فأغلب الدول المتحضرة والمتقدمة قد أخذت بالنظام العلمانى .
لقد سيطرت الكنيسة على الفكر السياسى فى أوروبا لقرون عديدة ، فى ظل هذه السيطرة والتزاوج بين الكنيسة والملوك وأمراء الاقطاع ، حيكت المؤامرات وانتشر الظلم والفقر وفسدت الحياة السياسية وعمت الفوضى . ولم ينتشل أوروبا من هذه الأحوال البائسة ، إلا تحجيم شئون الكنيسة ، وفصل الدين عن الدولة.
إن أكثر الأمثلة التى تبرهن على التزاوج والتعايش بين الإسلامى ، كعقيدة وبين العلمانية كنظام للحكم هو تركيا . فهى دولة مسلمة أما دستورها فهو علمانى . وفى الفترة الأخيرة نجد أنها تتصدى وتدافع عن هذا النظام العلمانى بضراوة ، تدافع عن كل ما ينال من هذا النظام ، ضد الأحداث الصغيرة قبل الكبيرة . فقد رفعت بعض المحجبات دعاوى بسبب منعهما من دخول الامتحان ، وهن يرتدين الحجاب وحكم القضاء التركى بعدم أحقيتهما فى دعواهما ، لأن هذا يعد انتهاكاً للدستور العلمانى ويتعارض معه .
أما هنا فى مصر فالمنقبات وليس المحجبات ، يرتدين هذا الزى الأسود ويعملن فى المصالح الحكومية والمؤسسات العامة ويقدن السيارة ، ولا أحد يعترض . بل هناك منْ يرى أنه الزى الشرعى الاسلامى الواجب فرضه . ولا يخفى على أحد أن هناك جرائم بشعة ، تحدث بسبب التخفى وراء هذا النقاب.
إن الفكر العلمانى ، هو الوحيد الذى يتكفل بحماية الإنسان من التعصب على أساس الدين والعرق والجنس والطائفة ، أما منْ يستندون على المرجعية الدينية ، فهنا أرض خصبة ينتعش فيها التعصب ، وينفى الآخر المخالف فى الرأى وفى العقيدة.
ولنا أن نتأمل ما يحدث موخرا فى بعض البلاد العربية ، حيث المرجعيات الدينية المختلفة والتى تلقى بالزيت على النار فتشتعل الحرائق وتشن حرب المساجد ويتساقط الضحايا بحجة الدفاع عن الدين ، وتتزايد شلالات وبحور الدم التى يغرق فيها أهل البلد الواحد سنة وشيعة ، الكل يذبح بسكين واحدة ، داخل البلد الواحد .
أصبح التعصب ناراً تشتعل فى القلوب والعقول. كل صبح وكل مساء ، يتولد طوفان من الحقد والغل والضغينة ، من أجل الصراع على السلطة . الكل قد أصيب بالعمى ، لا يرى أى شىء إلا لون الدم ، وبقايا الأشلاء البشرية المتناثرة.
الدين الذى يفترض أنه يجمعهم قد فرقهم ، بل شتتهم إلى أحزاب متنافرة يصرع كل منهم الآخر على مذبح السياسة ، والنتيجة الفادحة المأساوية ، هى آلاف الضحايا التى تروح هدرا ، فى مشاهد حروب أهلية .
وقد أرى مع البعض ، أن أمريكا وبريطانيا وراء الكثير من عوامل التفرقة هذه . ولكن هذا ليس مبرراً لأن ينساق المسلمون إلى التقاتل بسبب الدين والمذهب والطائفة . فالعيب ليس فى الجهات الأجنبية المحرضة ، بقدر ما هو فى المسلمين الذين أصبحوا طمعاً سائغاً و أوراقاً مكشوفة تقرأ بسهولة ، وبنى هشة وضعيفة يسهل كسرها وهدمها ، بل وتحطيمها على محك المبدأ الميكافيللى " فرق تسد ".
إن العلمانية هى صمام الأمن والأمان ، فهى التى تحول دون حدوث هذه الأحداث الدموية ، لأن هناك قانوناً يحكم الكل ، على اختلاف مشاربهم وطوائفهم ، فلا مجال للفتن الدينية والمذهبية والطائفية ، والاختلافات العرقية والجنسية.
فى مصر إذا كنا نريد لهذا البلد أن يتخلص من الإرهاب بأسم الدين وأن يتقدم بخطى واثقة نحو المستقبل ، فلا مناص إلا من الأخذ بالنظام العلمانى ولكى نخطو خطوات حقيقية فى هذا الاتجاه ، فلابد أن تمحى الديانة من البطاقة الشخصية والإبقاء فقط على الجنسية المصرية. فنحن نتساوى فى المواطنة ، مهما اختلفت عقائدنا مسيحية كانت أم مسلمة أم يهودية ، أو غير ذلك من المعتقدات الأخرى ، أو منْ ينتمى الى اللادينية .
إن أغلب الناس عندما يدركون أن العلمانية ليست ضد معتقداتهم الدينية ، بل هى مع مصلحتهم وحريتهم ، فلن يرفضوها بل سيرحبون بها . ولكن منْ يعارض الفكر العلمانى هم من يريدون أن يستخدموا الدين للوصول إلى السلطة وكرسى الحكم.
لقد حاولت الدولة الترويج للفكر الدينى فى وسائل الإعلام المختلفة على حساب الفكر العلمانى . الأمر الذى أفرز صنوفاً من العنف الجسدى والفكرى ، عانى منها المصريون ومازلنا نعانى منها حتى الان.
من هنا لابد أن تسلك الدولة بطريقة مغايرة لإبراز إيجابيات الفكر العلمانى . ولا يكفى الدور الذى سوف يقوم به الإعلام الرسمى ، بل يجب البحث عن آليات جديدة من خلالها يمكن تفعيل الفكر العلمانى بحيث يدخل فى النسيج الفكرى والثقافى للإنسان المصرى البسيط ، بانشاء صحف ومطبوعات من أجل هذا الغرض ، ويا حبذا لو تحمس بعض رجال الأعمال المستنيرين وقام بإنشاء قناة تليفزيونية تنشر هذا الفكر ، وذلك على غرار القنوات الدينية التى انتشرت فى الآونة الأخيرة ، وذلك بالإضافة إلى تنشيط وتفعيل المنظمات والجمعيات الأهلية المهتمة بهذا الغرض والترويج للمجتمع المدنى.
وكلك التواجد بجانب الناس فى وقت الأزمات ، والبحث عن حلول تخفف من معاناتهم المادية كالفقر والبطالة ومشكلات السكن . فإلى جانب التركيز على نشر الفكر العلمانى ، يجب التركيز أيضاً على أقوات الناس ، حتى يصدقوا ويؤمنوا بما يقال ، وهنا أتذكر مقولة غاندى الشهيرة " إذا كان الله يريد أن يؤمن به الناس فى الهند فليظهر على شكل رغيف من الخبز ".
إن حديث البعض عن إنشاء دولة دينية ، هو فى حقيقة الأمر ليس إلا اجتراراً للماضى الذى أثبتت كل التجارب فشله .
لم يعد لدينا وقت نضيعه ، أكثر مما ضاع ، فى الجدل العقيم ، والعالم من حولنا ، يقفز قفزات هائلة ومتسارعة نحو التقدم العلمى فى شتى المجالات .
نحن نجلس على قارعة التاريخ ، لا نمتلك غير الحناجر المتعصبة ، نتراشق بالكلمات ، وننثر دماء الذبائح البشرية ، ونلعن الغرب فى كل صباح ومساء ، ونعلق عليه شماعة فشلنا وتخلفنا وتأخرنا.
من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ " 2007
------------------------------------------------------------------------