![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد فُتوح
2021 / 11 / 3
------------------------------------------
الشهرة ، والنجومية الآن ، لم تعد وفقاً على المطربين والمطربات ، الممثلين ، و الممثلات ، نجوم ولاعبى كرة القدم ، والراقصات . بل زاحمهم فئة جديدة ، هم الشيوخ الشبان ، أو الشيوخ " المودرن " كما أسميهم .
هم " مودرن " من حيث المظهر ، يرتدون البدلة العصرية ، بدون لحى ، فقط بعضهم لا مانع من أن يطلقها قليلاً . منهم منْ تنحفر على جبهته " زبيبة الصلاة " ، ليؤكد لنا ورعه ، وصلاحه ، واستحقاقه لكلمة " شيخ " . هؤلاء الشيوخ المودرن يتخذون من الدين الاسلامى بضاعة ، يسوقونها بطريقتهم ، وبأسلوبهم الخاص ، فتارة ينفعلون ، ويتشنجون إلى درجة البكاء ، وتارة أخرى يسخرون ، ويبتسمون ، ولا مانع من إطلاق طرفة هنا ، ومزحة هناك .
أما أماكن تواجدهم ، فهى فى فنادق الخمس نجوم ، حيث مناسبات زواج أبناء وبنات رجال الأعمال ، فنجد أحد هؤلاء الشيوخ المودرن قد حضر ليبارك هذا الزواج على طريقته .
نجدهم أيضاً فى بيوت الفنانين والفنانات ، المعتزلين منهم والمعتزلات ، حيث الجلسات الدينية الخاصة .
ونجدهم فى النوادى الكبيرة ، حيث الصالات المكيفة ، أو القنوات التليفزيونية ، الأرضية منها والفضائية ، فهم فيها ضيوف دائمين .
لقد وجد هؤلاء الشيوخ المودرن ، الطريق أمامهم ممهداً ، فرياح الأسلمة تهب من كل اتجاه ، فإنبروا يتحدثون عن الإسلام ، وباسم الإسلام ، سواء يعرفون ، أو لا يعرفون ، يفهمون أو لا يفهمون . فكل منْ قرأ منهم كتابين فى الدين والُسنة ، نصب نفسه شيخاً ، وخرج علينا – بمظهره الجديد – يعظنا ، ويهدينا إلى الصراط المستقيم .
ويتصف خطابهم الدينى بالمبالغة الشديدة ، فهم يُحَملون المعانى القرآنية والنبوية أكثر من معناها ، ويخلعون هالة من التقديس على الصحابة ، فهم فى نظرهم قوم معصومون من الخطأ ، ومنْ يحاول أن يجتهد ، ويقول أن هؤلاء بشر ، قد يصيبوا ، وقد يخطأوا ، يكون فى نظرهم قد خرج عن " صحيح الدين " ، ولا أحد يعرف ، ما هو ذلك المصطلح الغامض المسمى " صحيح الدين ".
إنهم يؤكدون ، ويشددون على أن الإسلام هو الدين الوحيد على الأرض الذى يمتلك الصواب ، أما الأديان الأخرى فهى على ضلال . وهنا أتساءل ، هل يختار الإنسان دينه ؟ . أم أنه يرثه عن أسرته التى ولد فيها ؟ .
إن من يولد فى أسرة يهودية يصبح يهودياً ، ومن يولد فى أسرة مسيحية يصبح مسيحياً ، وكذلك فى الإسلام . أما منْ يفكر ويتأمل ، ويقرأ الكتب الدينية المختلفة ، مقارناً بينها ، متفحصاً إياها ، ثم يختار ديناً معيناً ، فهذه حالات نادرة . أما الأعم الأغلب أن الإنسان يرث دينه ولا يختاره . ثم بعد ذلك ، يتعصب له ، ويمجده بغطرسة ، ونرجسية مرضية .
هذه حقيقة وإن أنكرها البعض . إن عدم فهم هؤلاء الشيوخ المودرن لهذه الحقيقة وهذا المنطق ، يؤدى إلى إثارة العداوة والتعصب والحقد ، إزاء الأديان الأخرى بدلاً من التسامح ، والتآخى ، والعيش فى سلام .
وإتساقاً مع كونهم شيوخاً مودرن ، فهم ليسوا فى عداء مع العلم ، ولكن أى نوع من العلم .
إنه العلم الذى يصبح فيه المسلم طبيباً عالمياً ، وعالماً فى الذرة .. إلخ ، ألا يفتح ذلك الباب إلى القول بجراح مسيحى ، وعالم فضاء يهودى ... وهكذا . إنهم يفتحون الأبواب التى تثير الخلافات والفتن ، والتفرقة بين البشر . وذلك بسبب سذاجة ، وتسطح خطابهم الدينى . إن العلم ليس له دين ، بل هو مشاع ، ومتاح لكل منْ يبحث ويجتهد بغض النظر عن ديانته .
إنهم ينصبون من أنفسهم أوصياء على الناس ، وخاصة المرأة ، فيرسمون لها الطريق من تحت عباءة الدين الإسلامى ، ويأتون بالفتاوى التى تحدد خطواتها فى كل شىء . فأحدهم يصدر فتوى باعتزال المرأةللفن ، ثم يتراجع مؤخراً ، ويتحدث عن فن إسلامى ، يمكن للمرأة أن تشارك فيه ، وهى محجبة .
إن منطق خطابهم الدينى ينم عن عجز وإستسهال ، حينما يبحثون عن حلول لمشكلات الحاضر بالرجوع إلى الماضى . إنهم لا يدركون أن كل عصر يفرز مشكلات مختلفة عما قبله ، وبالتالى فالحلول تختلف وتتغير من عصر إلى آخر .
إن الشيوخ " المودرن " يمثلون ظاهرة كلامية ، صوتية ، تشنجية ، ترتدى ثوب الدين ، وتركب موجته كى تتربح ، وتتكسب غى حساب البسطاء من الناس .
أيها الشيوخ " المودرن " هل نحن فى حاجة إلى محرضين جدد ، يشعلون نار الكراهية ، والتعصب ، ونبذ الآخر من خلال التطرف الدينى أكثر مما نحن فيه ؟؟. ألا يكفيكم تلك الصورة المشوهة للإنسان العربى المسلم ، التى سادت وانتشرت فى العالم كله ، حيث أن كلمة " مسلم " ، أصبحت تعنى إرهابى فى بعض الدول الأوروبية و أمريكا .
إنكم تدَّعون إصلاح المجتمع والأمة ، وهذا لن يحدث من خلال خطابكم القاصر ، الذى يدس السم فى العسل ، ويسعى إلى دغدغة المشاعر الدينية لدى الشباب والشابات .
لن يأتى الاصلاح ، الا من خلال التحول إلى مجتمع منتج ، مبدع ، مبتكر ، متطور ، يؤمن بقيمة الإنسان وإرادته الحرة من الوصاية .
إن الأمة الجديرة بالاحترام هى التى تنتج طعامها ، وتمتلك القدرة والعلم ، والقوة هذه هى بعض مقومات تقدم الأمم ورقيها . أما الهوس الدينى والتشنجات ، والصراخ ، والبكاء ، لا تفرز إلا التخلف والتعصب والتطرف ، ونفور الآخر.
من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002
-----------------------------------------------------------------