![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد فُتوح
2021 / 10 / 19
ثقافة الحجاب .. والوعى الزائف للمرأة
---------------------------------------------
تتميز فترات التحول التاريخى التى تمر بها المجتمعات ( مثل الفترة التى نعاصرها الآن ) بتزايد الأزمات السياسية والاقتصادية ، وتصارع التيارات الثقافية متعددة الاتجاهات . بعض هذه التيارات يستمد أطروحاته من الماضى والتراث ، فى مقابل تيارات أخرى ، تتخذ من العقل الناقد المبدع ، أداة ومنهجاً ، ينقى الحاضر من تشوهاته ، ويدعم المستقبل بآليات التقدم والرقى الإنسانى .
فى ظل هذه الصراعات وتلك الأزمات ، يدفع المجتمع بأسره – رجاله ونسائه – الثمن . ولكن المرأة ، ولأسباب تاريخية جعلتها الجنس الأضعف اجتماعياً وسياسياً تدفع الثمن مضاعفاً . وكما هو معروف تاريخياً ، أن فى وقت الأزمات والصراعات ، يكون النساء والفقراء والأقليات ، والمهمشون أول الضحايا .
وبالنسبة للمرأة فهى تتلقى الضربات تلو الضربات ، فتتحول إلى كبش الفداء لدى أصحاب الفكر المتزمت المتأسلم ، الذين يستخدمون أو يختارون أكثر التفسيرات رجعية ، وعنصرية ، للنصوص الدينية . الأمر الذى أدى إلى تغييب وعى المرأة المصرية ، وعدم إدراكها للأسباب والدوافع الحقيقية وراء ما تسلكه من تصرفات . وخير مثال على ذلك هو ارتداء المرأة المصرية للحجاب ، الذى انتشر انتشاراً واسعاً فى الآنة الأخيرة ، منذ منتصف السبعينيات للقرن الماضى وحتى الآن .
إن المرأة المصرية تتوهم أن إرتدائها للحجاب هو بمثابة " الاختيار الحر " ، فنجد أن كثيرا من المحجبات يرددن ، أن إرتدائهم له ، هو قناعة شخصية ، ومن قبيل اختيار نابع من إرادتهن الحرة .
إن إرتداء المرأة للحجاب ، ليس اختياراً شخصياً كما تزعم ، بل أرغمت على إرتدائه ، وهى فى حالة من التخدير الفكرى ، وفى حالة من غياب للوعى الحقيقى ، بالعوامل والأسباب الجوهرية التى تكمن وراء هذه الظاهرة .
إنه بنظرة فاحصة ومتأملة لفترة السبعينيات – من القرن الماضى – وحتى الآن ، سنجد أن هناك عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية ، قد ساهمت بقدر كبير فى ولادة هذه الظاهرة ، ثم انتشارها بهذا الشكل الذى نراه الآن .
وأهم هذه العوامل هو العامل السياسى ، لقد أراد السادات التخلص من خصومه – والتى يمثلها التيار الشيوعى والاشتراكى – فأطلق العنان للتيار الإسلامى كى يقوم بهذه المهمة . وأشاع مناخاً إسلامياً شكلياً ، فأطلق على نفسه الرئيس المؤمن ، وأفرد للإسلاميين مساحات عريضة فى وسائل الاعلام ، خاصة المرئية .
وكان التليفزيون هو الوسيلة السحرية والفعالة لتشكيل العقل المصرى ، وصبغه بصبغة دينية شكلية ، ومن ثم قولبته وتزييف وعيه ، بحيث ينصرف عن الاهتمام بالقضايا الجوهرية إلى القضايا الشكلية . فكان التركيز على تحجب المرأة ، وكانت ظاهرة " الشيخ الشعراوى " ، وبدأت بعض الفنانات بإرتداء الحجاب واعتزال الفن ، وظهرت شركات توظيف الأموال . فى ظل هذا المناخ انتعشت التيارات الإسلامية الأصولية المتطرفة ، وخاصة فى الأحياء الفقيرة والعشوائية ، وأصبح شغلها الشاغل ، الدعوة لإرتداء المرأة للحجاب . بل تجاوزت ذلك الدعوة لإرتداء النقاب ، والقعود فى البيت ، الا للضرورة القصوى .
إن هذه التيارات تتبنى شكلاً من أشكال الوصاية على المرأة ، فهى ترسم لها خطواتها ، وتتدخل فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتها من الميلاد وحتى الموت . إنها تنظر إلى المرأة كجسد يثير الفتنة ، ويلهب الغرائز. المرأة فى نظرهم كائن من الدرجة الثانية ، فهى ناقصة عقلاً وديناً ، نجسة الجسد ، والروح ، ولا ترقى إلى مرتبة الرجل ، الطاهر ، والذى يتميز برجاحة العقل وحسن التمييز.
إن هذه النظرة إلى المرأة تعبر عن التوجه الذكورى ، الذى أفرزه المجتمع الأبوى ، وهى بهذه الرؤية تحط من قدر المرأة وتختزلها فى صورة جسد ، وهيئة شيطان .
إن قناعة المرأة بإرتداء الحجاب ، ما هو إلا موافقة ضمنية على أنها جسد ، يغطى لحماية
الشهوات المنفلتة للرجال .
لقد بالغ التيار الإسلامى الأصولى ، فى وجوب إرتداء المرأة للحجاب لدرجة أن البعض قد ادعى أنه فريضة كالصلاة والصوم ، وبالتالى أصبح للإسلام ستة فرائض ، بدلاً من خمسة ، كما يعرف الجميع .
لقد روج هذا التيار لظاهرة الحجاب ، باستخدام تنويعات مختلفة من الثواب والعقاب ، فالمرأة المحجبة فى الجنة ، أما غير المحجبة فهى فى النار .
ولقد ساهمت التفسيرات المتطرفة المتزمتة فى تزايد ظاهرة الحجاب ، ومع تزايد واستفحال هذا الفكر ، لم يسلم السادات من أن تطاله نيران التطرف ، فكان قتله على أيدى التيار الذى أحياه وروج له .
إننا إذا تأملنا فترة ما قبل السبعينيات وأثناء حكم عبد الناصر ، سنجد أن ظاهرة الحجاب هذه لم تكن موجودة . فالإسلاميون آنذاك كانوا منزوعى الأظافر والأنياب ، ولم يكن لهم أى سطوة . وهذا يدلل على أن التوجهات السياسية لكل حاكم ، هى التى تتدخل فى كل شىء حتى فى شكل الملبس الذى ترتديه النساء . ولنا أن نتأمل زى النساء ، قبل وبعد الخمينى فى إيران .
أما العامل الثانى فيتمثل فى العامل الاقتصادى ، ففى ظل الانفتاح الاستهلاكى انتشر الفقر بين الفئات العريضة فى المجتمع المصرى ، وتزايدت البطالة ، فكانت دعوة التيارات الإسلامية المتطرفة بعودة المرأة إلى المنزل و إفساح المجال للرجل كى يحل محلها فى سوق العمل ، وانتشرت الأفكار الإسلامية التى تدعو إلى نبذ الحياة الدنيا الزائلة ، فى مقابل التمسك بالحياة الأخرى . ومع هذا المناخ الاقتصادى الضاغط ونتيجة للاحباط والعجز عن تغيير أو تحسين هذا الواقع ، احتمت المرأة بالحجاب كميكانيزم دفاع ، فى مواجهة الضغوط الاقتصادية من حولها .
إن الدليل الواضح على أن الضغوط الاقتصادية قد ساعدت على ارتداء المرأة المصرية للحجاب ، هو انتشاره بدرجة كبيرة فى الأحياء الشعبية الفقيرة ، وفى العشوائيات ، مثل امبابة ، وعدم انتشاره بالصورة نفسها ، فى الأحياء التى تتمتع بمستوى اقتصادى مرتفع ، كالزمالك ومصر الجديدة .
والعامل الثالث يتمثل فى العامل الاجتماعى ، والذى يعبر عنه خير تعبير ، ما يمكن أن يطلق عليه " سيكولوجية القطيع " . فمعظم المجتمع المصرى إنحاز إلى الحجاب ، فأصبحت القلة القليلة من النساء غير المحجبات ، تبدو وكأنها شاذة ، ومع كافة الضغوط الاجتماعية ، المباشرة وغير المباشرة ، التى تم ممارستها على المرأة غير المحجبة من خلال الأسرة والعمل ، وتحرش الرجال فى الشارع المصرى ، أجبرت هذه الفئة القليلة من النساء على ارتداء الحجاب ، مفضلة نعمة الانضمام إلى القطيع ، على حالة الحصار اليومى المتمثل ، فى الهجوم والانتقادات التى تواجهها المرأة فى كل مكان تذهب إليه .
إن المحصلة النهائية لهذه العوامل الثلاثة ، كان انحياز المرأة والمجتمع بأسره لإرتداء الحجاب ، بينما يقوم هذا التوجه وهذا الانحياز فى حقيقته ، على أرضية من الوعى الزائف جعلت المجتمع عامة ، والمرأة خاصة ، تظن أنها تختار بإرادتها الحرة . ولكن فى الحقيقة ليس هذا الاختيار إلا وهماً .
وأقول أن الحجاب بهذا الانتشار ، لم يعد مجرد " زى " ، وإنما " ثقافة " ، لها مفرداتها وأهدافها ، والأوتار الحساسة التى تلعب عليها .
بعض الناس ، يهاجمون الحجاب ، باعتباره زياً فقط . لكننا فى الحقيقة ، لابد أن نواجهه بشكل أكثر عمقاً وجذرية ، باعتباره " ثقافة " و " منظومة " متكاملة ، و" رمزا " سياسيا ، يعبر عن كل أطياف الفكر الاسلامى الاخوانى أو السلفى ، تمهيدا للحكم الدينى .
من كتاب " الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الدينى " 2002
-----------------------------------------------------------------------------