![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
محمد فُتوح
2021 / 10 / 3
متى ندفع الثمن لنستحق
الديمقراطية أو العدالة أو الحرية ؟؟
-----------------------------------------
إلى أى مدى نحن مجتمعات تستحق أن تنعم بالديمقراطية ... وأن تقطف من ثمار الحرية ، ما لذ وطاب ... وأن تتذوق متعة تطبيق العدالة فى كل أمور الحياة ؟.
نتكلم عن ضرورة " الديمقراطية " ، وحقنا فى العدالة والحرية ، وأنه قد آن الآوان، أن تأخذ المجتمعات العربية الإسلامية ، نصيبها الذى تستحقه ، من هذه الثمار الطيبة.
ولعلني أختلف مع هذا الرأى، . وأعلن: " هذا حقنا ولكن ماذا نفعل لنستحق هذه الحقوق ؟ ". هل نشتغل بما يكفى حتى نجنى ثمار الحرية والعدالة والديمقراطية ".
وبالطبع وكالعادة ، وقبل أن أشرح وجهة نظرى ، سوف أتهم من "البعض" ، بأننى " غير وطنى " ... " لا أحب مصر" ... " خائن " ...
" عميل " ... " متأمر" ..." جاهل بالسياسة " ... " مثبط للهمم الوطنية المخلصة " ...
أو يُقال أننى " كاره لتقدم البلد " ... " مزايد باسم الديمقراطية والعدالة والحرية " ، وغيرها من الصفات التى تخرجنى من قائمة الوطنيين الشرفاء ، المخلصين لتراب الوطن.
وفى الحقيقة ، مثل هذه الاتهامات ، تؤكد رأيى ، أننا مجتمعات ، ترسخ بسلوكياتها، وأحكامها الانفعالية ، غير الموضوعية ، المتعصبة ، الأحوال السيئة التى نغرق فيها .
والمنطق الذى يبلور فكرتى هذه ، أن " الديمقراطية " ، و" العدالة " و " الحرية "، هى " ثمار" جميلة ، حلوة المذاق ، والثمرة الحلوة الجميلة ، تستحق أن " يتعب " الإنسان للحصول عليها ، وأن يثبت بألف طريقة ، أنه بجدارة يستحقها.
نحن مجتمعات ، لا تنجز شيئاً فى أى مجال ، من شأنه أن يدفع بنا ، إلى ترك الصفوف الخلفية لمسرح الوجود ، والتقدم ولو عدة صفوف إلى الأمام ، ولا أقول الصفوف الأمامية ، التى هى محجوزة مقدماً ، للشعوب التى دفعت قبلنا الثمن اللازم للتحرر ، والتقدم.
أريد أن يجاوبنى أحد: ما الذى نفعله ، لنستحق عليه أعظم القيم ، الديمقراطية والعدالة والحرية ؟!
نحن مجتمعات غارقة ، فى التعصبات الدينية والمذهبية ، والطائفية ... متعصبون ضد نقد الدين ونزع قداسته ، من أجل خدمة وإسعاد البشر ... متعصبون لاجتهادات السلف فى عصور لا تصلح من أحوالنا حالياً ... متعصبون ضد العدالة بين الرجال والنساء... متعصبون ضد الدول التى لها ديانات أخرى ، أو ليس لها ديانات من أصله... متعصبون ضد " الاخر" الذى يطرح الجديد ... غير المألوف ... متعصبون ضد حرية الإبداع الفكرى والفنى.
نحن مجتمعات لا تجيد شيئاً ، مثل الكلام والتنافس الحنجورى ، والسباق فى عمل اللجان والندوات وكتابة توصيات لا تنفذ ، والتوقيع على اتفاقيات عالمية ، للحريات وحقوق الانسان لا تطبق.
جميع تفاصيل حياتنا من الألف إلى الياء ، تحتاج " عمرة " كاملة ... الموتور لابد أن يتغير ... الموتور أصبح خشناً ، صوته عال ... عليه صدأ وغبار ورمل وبقع...
و الموتور هو " العقل" ، و " الزيوت" كلها لم تعد تصلح ... والزيوت هى " العادات والتقاليد والعُرف الموروث " . هناك فجوة هائلة بين الزعيق الذى نسمعه عن الديمقراطية والعدالة والحرية ، وبين ما نفعله كل يوم ، فى علاقاتنا ببعضنا البعض.
الديمقراطية ، والعدالة ، والحرية ، هى نتاج شعب مبادر ، إيجابى ... نشيط يقظ للفتن الدينية ... يرفض تقديس الرموز الدينية ، لا يؤله الحكام ... ينطق إذا رأى خطأ ما فى أى مكان .
الديمقراطية والعدالة والحرية ، لن تأتى إلى مجتمعات ، تعيش بيوتها على السلطة الأبوية وقهر الزوجات وكبت الأطفال . الديمقراطية ، لن تأتى لمجرد ، أننا نزعق مطالبين بها. العدالة ، لن تجىء لمجرد ، أننا متذمرون طول الوقت ، لكننا سلبيون ، متواكلون .
والحرية ، لن تنعم بها بلاد ، وشعوب تقتل الحريات فى البيوت... وتشتم الآراء الحرة المخالفة ... وتكفر الناس التى تجتهد فى رؤى التغيير ، وتنادى بالعلمانية ، وعدم خلط ورقة الأديان ، بورقة قوانين المجتمع المدنى.
الديمقراطية والعدالة والحرية ، قبل أن تكون أنظمة حكم سياسية ، هى أولاً سلوكيات الشعب فى البيوت والشوارع وكل مكان.
الوطنية عندى ، هى النقد اللاذع الصريح لوطنى ، لكنه النقد الذى يسبب الصدمة الضرورية للإفاقة ، وإدراك حقيقة وجودنا على الخريطة السياسية والحضارية.
الوطنية كما أفهمها ، هى وضع الداء نفسه ، على مائدة التشريح ، وتحت المجهر ، وليس فقط مناقشة وتسكين الأعراض .
الوطنية ، هى ادراكى أن القوة الكامنة ، فى التربة ، لن تعمل ، ولن تؤتى نتائجها الايجابية ، دون بتر واستئصال الحشائش الضارة .
لكننا لا نبتر ، ولا نستأصل . نواصل الزرع فى تربة تحتاج الى تطهير
وتنظيف وأسمدة صحية ، ونواصل الدعاء ، ونواصل انتظار أن يُستجاب
الدعاء . ولهذا طال انتظارنا ، وسوف يطول الى أجل غير مسمى .
من كتاب " أمركة العالم .. أسلمة العالم منْ الضحية ؟ 2007
--------------------------------------------------------------