من أطلق الوحش؟! 2/2

ياسين المصري
2021 / 9 / 15

الشيخ المصري المعروف بإسم جلال الدين السيوطي ( 1445 - 1505 م)، وهو من كبار علماء المتأسلمين، قال في مقدمة كتابه ”الجامع الصغير“، ج 1، ص 5، من منشورات محمد علي بيضون، ط 2، بيروت، 2004 :«إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها». إنْ كان الأمر كذلك، فلا داعي أن نطالب بالتجديد، وننتظر حتى يبعث الله أحد المجددين، ربما على رأس المئة عام القادمة!. بالطبع يردد رجال الدين دائمًا هذه المعلومة، دون أن يسألوا ”عالِمهم الكبير“: من اين جاء بها؟، أو يسألوا أنفسهم عن التجديدات التي جرت من قبله أو من بعده؟!. ويبقى السؤال الأهم: لماذا من المحتم أن تجرى تجديدات بين حين وآخر لديانة كهذه دون غيرها؟ وهل الله الذي أكمل لهم دينهم، وأتمم نعمته عليهم (المائدة 3)، تركه وبه عيوب أم العيب فيهم أم في الإثنين معًا؟ إن هذه الديانة بشكلها ووضعها المعمول به منذ نشأتها تجلب باستمرار هاجس التجديد على مشايخها، بسبب تأثيرها المدمِّر على النفس البشرية، فيعتبرون أنفسهم جميعًا مجدِّدين، لمجرد أنهم يتكلمون في كل شيء وعن اي شيء، ولا شيء، بالطبع، لا يغفلون الجنس، الذي كتب فيه الشيخ السيوطي العديد من الكتب.
الحقيقة أن هذه الديانة ربما الوحيدة في العالم التي لم تشهد أي تجديد قط، منذ نشأتها وحتى اليوم، كل ما تشهده هو مجرد ثرثرة فارغة، وعمليات ترقيع وتجميل لا طائل من ورائها. وأينما تظهر محاولة لتجديدها بشكل ما، سرعان ما تنْكسِر وتنْدحِر في مهدها أمام سطوة وصلابة النص الديني، ويجري تعذيب صاحبها أو قتله بعنف وشراسة على أيدي الحكام الأشرار ورجال الدين الأغيار!.
التغيير الواحد والوحيد الذي شهدته، وتم بنجاح كبير، كان على يد البدوي (المتسعود) محمد بن عبد الوهاب (1792 - 1703م)، فيما يعرف بـ”الوهابية“، وهي دعوة للعودة إلى ”الكتاب والسنة“، أي الرجوع إلى جذور الديانة والتمسك بنصوصها المؤَسِّسة. الغريب والعجيب أن بعض الكتاب يزعمون أنها دعوة ”إصلاحية“، ويشبهونها بالإصلاح الديني البروتستانتي في المسيحية الذي شجب تصرفات الكنيسة الكاثوليكية وعلى رأسها البابا، وقد بدأه الراهب وأستاذ اللاهوت الألماني مارتن لوثر (1483 - 1546) بإصدار وثيقة مكونة من 95 بندًا قام بتعليقها في 31 أكتوبر عام 1517 على باب الكنيسة في مدينة « فيتينبرغ Wittenberg» بألمانيا، فشكلت آنذاك تحديًا دينيًا وسياسيًا وثقافيًا للكنيسة الكاثوليكية والسلطة البابوية بشكل خاص.
ومن أبرز ما جاء في الوثيقة:
رفض لوثر لمجمل تصرفات الكنيسة الكاثوليكية، وطلبه من البابا أن يبني الكنيسة من ماله الخاص، دون الاستحواذ على أموال الفقراء والمشردين ببيْع صكوك الغفران لهم، لأنَّ خلاص الإنسان أو غفران خطاياه ما هو إلَّا هديّة الله ونعمته المجانيّة له، ولا يناله إلَّا من خلال الإيمان بيسوع المسيح مخلصًا، وليس مقابل مبلغ من المال، فليس في وسع البابا أن يغفر أي ذنب، كما رفض أيضًا ”السلطة التعليمية“ في الكنيسة الكاثوليكية التي تنيط بالبابا وحده القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس، فلكل امرئ الحق في تفسيره، كما عارض سلطة الكهنوت الخاص باعتباره أن جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة، وسمح لرجال الدين بالزواج. أنظر المزيد على الرابط التالي:
https://www.marefa.org/پروتستانتية
ورغم أن هذا الإصلاح البروتستانتي لم يتناول أي تغيير في جوهر المسيحية المنصوص عليه في الكتاب المقدس، فقد اندلعت على أثره حروب اجتاحت أوروبا في عام 1617م، واستمرت حتى بداية القرن الثامن عشر، تعطل خلالها النظام الديني والسياسي في البلدان الكاثوليكية، وراح ضحيتها أكثر من 8 ملايين قتيل أغلبهم من البروتستانت، وخلّفت وراءها دمارًا واسعًا في المدن والقلاع، إلَّا أن الدين لم يكن وحده هو السبب لاندلاعها، فقد كانت هناك أسباب أخرى منها الصراعات على الثروات والنزعات من أجل الهيمنة والطموحات الإقليمية والدولية بين القوي الكبرى، ومع ذلك كان لهذا الإصلاح الديني أبلغ الأثر في تشكيل أوروبا بصورتها الحالية، إذْ بعد سنوات طويلة من الحروب تحت غطاء ديني ومن الأوبئة والمجاعات بدأت تدخل القارة في عصر النهضة والتنوير والتقدم العلمي الذي تزامن مع اشتعال الثورة الفرنسية (عام 1789)، وذلك بالتخلص التام من سُلطة رجال الدين وإبعاد الكنيسة عن المشاركة في الحكم أو الاتحاد مع الحكام ضد شعوبهم. وخرجت الشعوب الأوروبية لأول مرة في تاريخها، تنادي بالديمقراطية كخيار وحيد لتبادل السلطة بعيدًا عن الدين، وقد تدعَّمت بفكر سياسي وفلسفي وثقافي وعلمي جديد، وضعه أساتذة كبار، عملوا طوال حياتهم على تنوير العقول وتخصيبها، من أشهرهم (كانت، فولتير، هيوم، نيوتن، جان جاك روسو، لايبتز، هيغل، مالبرانش وغيرهم)، ومنذ ذلك الوقت تجذرت مبادئ العلمانية التي تلتزم بها غالبية بلاد أوروبا الآن.
الجدير بالذكر أن بابا الفاتيكان فرانسيس قدّم عام 2016 اعتذارًا رسميًا للمسيحيين البروتستانت عن الجرائم التي ارتكبتها بحقهم الأغلبية الكاثوليكية في تلك الحروب الدينية قبل 500 عام.
***
هل الإسلاموية تقبل الإصلاح أو التجديد؟
هناك مقولة شهيرة تعود إلى اللورد كرومر، القنصل البريطاني العام في مصر، هي: «إصلاح الإسلام، يعني نهاية الإسلام»، قالها في عام 1880. ولعله كان يدرك ما سوف يفعله الإصلاح الوهابي المزعوم بالإسلامية، حيث وضعها، بعد 100 عام، على الطريق نحو نهايتها، فما أن خرجت الوهابية من مكمنها في بداية سبعينات القرن الماضي، حتى حظيت بدعم من أموال النفط الأسود ورجال الدين الأغيار والحكام الأشرار على حد سواء، وظهرت على الفور بوادر الأصولية والتعصب الديني ونزعات الإرهاب والعنف والإقدام على جرائم القتل والتدمير. سارع الجميع إلى تبنيها ونشرها كثقافة عامة كاملة الأركان، تحت شعار ”الصحوة الإسلاموية“. هذه الصحوة المنكوسة أفضت إلى حدوث انتكاسة حضارية شاملة، وتسببت في تهالك وانحطاط الدول المتأسلمة، بشكل راح يتردد صداه ويزداد أثره في العالم كل يوم. إن الرجوع إلى النصوص الصلبة المؤَسِّسة للإسلاموية ومحاولة تأويلها وتلوينها وتبريرها مرارًا وتكرارًا بشكل يصُمُّ الآذان وييبِّس العقول ويشلُّ التفكير، تدعو إلى الكذب والكراهية والجهاد والقتل من أجل السلب والنهب والسبي والاغتصاب والتأسي في ذلك وغيره بالنبي الكريم وخلفائه الراشدين. ولذلك يجري العمل بها من وقت لآخر على مر التاريخ من قبل الحكام الفاشيين العجزة أو عصابات وجماعات إجرامية متعددة وبمباركة ودعم معنوي من رجال الدين، مما يحمل أعدادًا متزايدة من العقلاء المتأسلمين على ترك الديانة أو الابتعاد عنها، وتنزِّيه آلهتهم عن إله هذه النصوص ورجال الدين المتشبثين بها والمدافعين عنها والمتاجرين بها.
ومع تهالك الدولة المصرية تحت حكم العسكر، وتفشي ودخول باء الوهابية إليها، بدأ ”القمقم الأزهري“ يتشقق وتفوح منه رائحة الدين الكريهه التي كانت المخفية عمدًا منذ نشأته، مما أدخل الدين في أزمة وجودية طاحنة .. وتسبب في زيادة كراهية الناس له، وقلََّّ الطلب على بضاعته لشدة رداءتها، فتقلَّصت القدرات العقلية لرجاله، ولم تعد تسمح لهم بالتحرك من أماكنهم نحو التجديد أو التعديل فضلا عن التغيير، بل ويمكننا القول بأن الفكر الإسلاموي في الوقت الراهن قد لفظ أنفاسه وأصبحت الديانة مجرد صحراء قاحلة، لا ينهض من أعماقها أي جديد للخروج من حالة الصمت التي تشبه ارتجاف الموت. الديانة، بوضعها التأسيسي، لا تقبل الإصلاح أو التجديد والتحديث، مما يحتم إجراء ”تغيير“ شامل وكامل عليها، إزالة الثقافة الدينية البالية وإحلالها بثقافة أخرى جديدة، تتفق مع مقتضيات العصر وقوانين الدولة الحديثة وتتناغم مع الرؤى الكونية والقوانين الإنسانية والأعراف والأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة، ولا تشترك مع القديمة إلا في أصول العقائد والعبادات الأساسية فقط.
هل بإمكان الحاكم بأمره حاليًا في مصر أن يجازف بإجراء هذا التغيير، ويُخلِّص الوطن من وباء الوهابية وأغلال النص المقدَّس وسطوة فيروس المؤسسات الدينية ورجالها، وينزع الخوازيق التي زرعها أسلافه؟. إنه يمثل طرازًا فريدًا من الحكام، فهو يحمل زبيبة الصلاة ”المصرية الصنع“ على جبهته، ويكذب ويدلس ويقتل ويدمر كل من يعترض طريقه، ويدعو المواطنين دائمًا للانتباه جيدًا لكلامه، ويقسم بالله العظيم كل ثلاث كلمات ينطق بها، على أنه: « مخلص، أمين، شريف، فاهم، واعٍ»، ويخاطب المصريين قائلًا: أنتم المصرييين، وكأنه غريب عنهم! وهو كالآخرين، اتخذ الدين مطية، لتمكينه من اغتصاب السلطة، وما أن تمكن من السلطة، حتى تخلى عنها، وركب مطية أخرى تختلف عن أسلافه. حمل أولا حملة ساحقة على الإخوان المتأسلمين، ليأمن عدم منافستهم له على السلطة، وترك السلفيين الوهابيين ينشرون دجلهم وتخلفَّهم وفسادَهم في أرجاء البلاد، لعله يحتاج إليهم في وقت ما - لا أحد يدري -، ثم اتجه مجبرًا إلى مفرخة الإرهاب، ومصدر الشرور جميعها، ليطلب - علانية - من شيخها أن يعمل على تجديد أو تعديل الخطاب الدين، وكأن الدين ينحصر بمجمله في الخطاب الديني وحده، فكان من الطبيعي ألَّا تجد مطالبه المتكرِّرة آذانًا صاغية. وفي إتصال تليفوني من إحدى القنوات التليفزيونية استقر رأيه على القول: «المصريون ورثوا الدين وليس لديهم رغبة في للتأكد من حقيقة المعتقد»، وأردف قائلًا: «علينا إعادة صياغة فهمنا للمعتقد الذي نحن فيه.. كنا صغيرين مش عارفين، طب لما كبرنا، هل فكرت؟ ولا خايف تفكر في المعتقد الذي تسير عليه صح ولا غلط؟ هل فكرت في مسيرة البحث عن المسار حتى الوصول إلى الحقيقة؟».
ماذا يعني بهذا الكلام؟
في مقابلة تليفزيونية وصف المفكر المصري الدكتور سيد القمني مؤسسة الأزهر بالديناصور وأنها «آخر قلاع الاحتلال العربي في مصر»، وقال: «حان الوقت لإعادة هذا الديناصور إلى جُحْره»، هذا الديناصور بوضعه وشكله الحالي والمدعَّوم بشعبية واسعة يضع الحاكم بأمره أمام مصاعب جمَّة، إذ يقف له بالمرصاد ويشكل عقبة كأداء في سبيل تحقيق ما يريده، مع أن ما يريده لم تتضح معالمه بعد، وهل هو ينوي الإقدام على مغامرة، بل مخاطرة جسيمة أم لا؟، وإن توجُّهُه إلى مخاطبة الشعب، ما هو إلا محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الأزهر، فالمصريون في نظره يعتنقون الديانة (يقصد الإسلاموية تحديدًا) بالوراثة، وليس عن قناعة، ورغم أنها ديانة مشكوك فيها، لا يرغبون في التأكد من حقيقتها، ويخافون من التفكير فيما إذا كانت على صواب أم على خطأ؟ هذا الكلام يحمل قناعة ضمنية لديه بأن الديانة على خطأ!، ولكن المشكلة التي ربما لا يعرفها، هي أنها فبركت بعناية على مدى قرون طويلة لسد الزرائع بحيث لا تقبل مجرد التفكير في إصلاحها أو تجديدها وتحديثها. الإصلاح يعني أنَّ هناك عطبًا أو خللًا أو انحرافًا من نوع ما يقتضي إصلاحه وإعادته إلى أصله، والتجديد يعني أن الشيء أصبح قديمًا وباليًا، لا يصلح للاستعمال، ومن ثم يجب تجديده كما يجدد المبنى الآيل للسقوط، والتحديث يعنى بإزاحة بعض العناصر القديمة الغير صالحة للاستعمال، وإضافة عناصر حديثة إليها، فأي من هذه الإجراءات يمكن القيام بها؟
وفي حديث له خلال احتفالية تحت شعار: ”أبواب الخير“، قال: «أنا كمسؤول عن الناس في مصر ليس لي إلا الله وكفى به أن يساعدنا ويحمينا»!.
يساعده على ماذا ويحميه من ماذا؟، ”الله“ هذا هو الكارثة الكبرى التي تتولد منها الكوارث الأخرى العديدة، فقد تم تجهيزه وإعداده ليساعده ويساعد غيره من الموالين والمعارضين له، يساعد الجميع ويحميهم في أي عمل يعملونه سواء كان خيرًا أو شرًّا. كان يساعدهم ويحميهم عندما أوجدوا المؤسسات الدينية والجماعات الإسلاموية الإجرامية، لأجل أهدافهم السياسية، وعندما هرول الجميع لمساعدتها وحمايتها ومدِّها بالغذاء المادي والمعنوي حتى أسمنَت وكبرت وأصبحت وحوشًا كاسرة، يصعب على أحد التحكم فيها وتحديد مسارها. كان من الطبيعي أن تخرج عن السيطرة وتمارس عملها في القتل والتدمير تحت حماية ومساعدة نفس الإله!، جميعهم يعملون بإسم الله وهم يعرفون تمامًا أن الله غافلٌ تمامًا عمَّا يعملون!، وجميعهم يصِرُّون على أن يتكلموا بإسم الله أو نيابة عنه. وجميعهم يتهمون بعضهم البعض بأنه ”لا يفهم الدين أو يفهمه بطريقة خاطئة“ أو ”أنه جزء من مؤامرة كونية على الإسلاموية والمتأسلمين“!.
إلى هذا الحد والمشكلة لا ولن تتوقف، فهناك مؤسسات ومرجعيات وهيئات الدينية عديدة ومتوحشة، مشتَّتة ما بين إندونيسيا في الشرق والمغرب العروبي في الغرب، ومنفصلة بفهمها وأسلوبها الديني الخاص، ولها أتْباعها من الرعاع والجياع. في لقاء تم منذ سنوات بين مفكرين مسلمين ومسيحيين بدعوة من كبير أساقفة كانتربري (Canterbury) في لندن، لمناقشة موضوع ”بناء الجسور“ بينهما، تحدث صراحة الأمير الحسن بن طلال من الأردن، قائلًا: «إذا لم يجد الإسلام السني في السنوات القادمة طرقاً وأسلوباً ليتكلم بصوت واحد عن الأسئلة الأساسية للعقيدة وتطبيقها (مما يعني أيضاً الشريعة) فإذن لن يكون له أي فرصة دائمة كعقيدة أن يساير التطور في العالم الحديث». إن توحيد المرجعيات الدينية في مرجعية واحدة لتتكلم بلسان واحد أمر فات أوانه، وانقضى زمنه، وأصبح اليوم أمرًا مستحيلًا. فمفرخة الإرهاب الأزهرية ليست المؤسسة الوحيدة التي تتكلم عن الأسئلة الأساسية للعقيدة وتطبيقاتها، وليست وحدها التي تقف بصلابة بين إدراك المتأسلم لمعاناته اليومية وحقيقة ثقافة الغباء المسيطرة على عقله وفكره ووجدانه، وليست وحدها التي تتبارى في ساحة الفتوى والتحكم في العقول والقلوب والبطون، هناك مئات المؤسسات والهيئات والجماعات الإسلاموية التي تبث سمومها هي الأخرى، ولذلك فأي تغيير سوف يدفع بفيروس تلك المؤسسات إلى إشعال الصراعات الدموية داخل المجتمع الواحد وبين المجتمعات المتأسلمة وبعضها البعض!، ولكن التغيير رغم أنف الجميع أصبح ضرورة حتمية، ولا بد من حدوثه في يوم ما، مهما كانت التضحيات والخسائر، لكي تخرج بعدها الشعوب المتأسلمة من الظلمات إلى النور.
***
يبدو أن الحاكم بأمره في مصر يعاني من تصورات طفولية ساذجة، ويريد لجميع الأمور أن تسير على هواه، ومن ثم يستند في قراراته على تشخيص خاطئ ومضلل للأحداث، ويتجاهل كل ممارساته المناهضة للدستور والقانون والحريات، ففي آخر كلام له دعا كل إخواني متأسلم ”مازال على قيد الحياة„ إلى التصالح، بشروط حسب نص كلامه: «أن يحترم مساري ولا يتقاطع معايا ولا يستهدفني»!، وبذلك يضع العقل الناضج في حيرة من أمره، ماذا يدور بخلده؟، وماذا يريد عمله؟ هل يريد محاولة إرضاء الإخوان بعد الضربة القاصمة التي عرَّضهم لها، لكي يتفرغ لإعادة الديناصور إلى جحره، وتحجيم جامع الأزهر والرجوع به إلى حجمه الطبيعي الذي بدأ به في عهد الملك فؤاد الأول؟، أم يريد تحييدهم ليعمل على تغيير جوهر الديانة تغييرًا جذريا، وإزالة آثارها الثقافية العفنة؟، أم أنه يتجاوب بأنانية الطفولة للضغوط الداخلية والخارجية التي تمارس عليه، فيما يتعلق بحقوق الإنسان المهترئة في بلده؟ أم أنها مجرد ”شهوة الكلام“ فحسب، والتي تضع البلاد بكاملها أمام مستقبل مظلم ورهيب؟، لماذا لا يزيح هذه الشهوة جانبًا، ويبدأ العمل بالأشياء الصغيرة التي في متناول يديه، كأن يلغي - مثلًا - البند العنصري للديانة في بطاقة المواطن؟ ويمسح البند الدستوري المتخلِّف الذي يجعل من الشريعة الإسلاموية مصدرًا للتشريع القانوني في مصر؟ لماذا لا يفتح المجال العام للحريات الشخصية، حتى يستنشق المواطن نسيم الحرية ويتعرَّف على عوالم أخرى بعيدة عن عالم الأغلال الدينية وعبودية الأشخاص، ومن ثم يستطيع الوقوف بجانبه ودعمه في أي تغيير يقوم به، إذا كان حقا يريد التغيير؟!
إن أيَّ تغيير جذري لهذه الديانة يتطلب قدرًا كبيرًا من الشجاعة وحب المجازفة وعدم التردد، والاعتماد على حشد شعبي كبير، ودعم قوي من المفكرين التنويريين والعلماء الحقيقيين وخبراء حياديين في علم النفس وعلوم الاجتماع والدين والسياسة، لكي يكون تغييرًا عميقًا وبعيدًا عن العمليات التجميلية كالتي أجراها من قبل الحاكم بأمره في تركيا (مصطفى كمال أتاتورك)، والذي تعامل مع قشور الديانة وحدها، وترك جوهرها كما هو، يعمل بنفس الفاعلية، فيعود الشعب من بعده إلى التدين مرة أخرى وبشكل أسوأ مما كان.
***
مقال ذو صلة، بعنوان ”الديانة الهشة تترنح“ في موقع الحوار المتدن، بالرابط التالي:
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=470357

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي