أيّ عبثٍ تعيشهُ هذه البلاد..!!

ازهر عبدالله طوالبه
2021 / 9 / 14

قصّة #الطفلة_لين، ما هي إلّا ‏مأساة مِن آلاف المآسي في بلدٍ ليسَ فيه للإنسانِ أيّ قيمة.

يكذبونَ عليكَ حينما يقولونَ لكَ، بأنَّكَ ولدتَ كمواطنٍ في هذه البِلاد . لا تُصدِّقهُم ؛ فولادتكَ في هذه البلاد، ما هي إلّا أنَّكَ قَد قُذفتَ مِن رحمِ أُمّكَ، ولولا أنّكَ حُملتَ في رحمِ أمّكَ، وانتفَخ بطن أُمّكَ، لما صدَّقتَ بأنَّك قد جئتَ إلى هذه البلاد، حقّا.
فهذه ‏بلادٌ تُدارُ مِن موتى في قُبورِهِم، وليسَ مِن حقّ أيّ إنسانٍ أن يعيشَ فيها إلَّا هيكَلًا.
فالحياةُ فيها هي لعنةٌ بكُلِّ ما تحملهُ الكلمةُ مِن معنى، وأنتَ لا تولَد فيها إلّا مِن أجل أن تموت.

في هذه البلاد، ما إن تنتَهي مِن قضيّة قتل، إلّا وترى نفسكَ قد ارتطمتَ بواحدةٍ جديدة . فإنَّ أكثَر ما أصبحَت تتميَّز بهِ -هذه البلاد- في العقدينِ الأخيرين، هو احتلالها لصدارةِ جرائم القتلِ وسفكّ الدّماء، وتسخيفِ حياة الإنسان . حيث أنَّكَ تتصبَّح على جريمة قَتل، وتتمسّى على جريمةٍ أُخرى . فإن لَم تكُ هذه الجرائم بالشّوارعِ، أي أن يكونَ العقلّ المُدبِّر والمُنفِّذ لها ؛ زُعران وقاطعي طُرُق، تَجِدها قَد تمَّت على يدِ إنسانٍ فاقِد الضّمير، يتدثَّر بلحافِ أبّيَض، ويتستَّر على ملامحِ وجههِ الإجراميّة بكِمامةٍ تنّبعٌ منها الدّناءة، وتفوحُ منها روائح الخسّةِ والنّذالة.

وللأسف، فإنّنا قَد بدأنا نُلاحِظ بأنّهُ ثمّةَ تراجُع في جرائم القتلِ التي يُنفّذها أرباب البلطَجة والزّعرَنة، وأنَّهُ ثمّةَ تقدُّم، ملحوظ وملموس لدى الجميع، في جرائمِ القتلِ التي تجّثوا على أعناق القِطاع الطبيّ . حيث تأخُذ هذه الجرائم، اسم "أخطاء طبيّة" اسمًا تجّميليًّا لها، بل اسمًا يُشرعِنها، ويجّعلها أكثر قبولًا في أوساطِ المُجتمَع .

وإنَّ مِن كُثرةِ التُّجار الذينَ يتدثّرونَ بالمريول الأبّيَض، ويلفّونَ على أعناقهم "سمّاعاتهم الكاذِبة" كما لو أنَّها عُقد مِن ألماس، ويطوِّقونَ مباضِعَهم بأصابِعهم المُرتَجِفة . ومِن كُثًرة الذينَ يُتاجرونَ بأرواحِ البشَر في هذه البِلاد، الذينَ يعشقونَ الجُلوسَ على كراسي الطبّ الوثيرة، التي يبّتاعونها على حسابِ أرواح النّاس المُنهَكة والمُتعَبة ؛ عجِزنا عَن مُلاحَقة الجرائم التي يرتَكبونها هُنا وهُناك ؛ وما عُدنا قادرينَ على أن نتضامنَ معها كُلّها ؛ وذلكَ لإدراكنا بأنَّ ما هذا التّضامُن إلّا اعتراف بأنَّنا ضُعفاء، وبأنَّ ثمّةَ خللٌ في المنظومتينِ "الاجتماعية" و "السياسيّة"، ليسَ بوسّعِنا أن نتحمَّل تكاليفَ إصلاح هذا الخَلل ؛ لأنَّنا نُجيد التّباكي على الضّحايا، ولا نُجيد التحرُّك مِن أجلِ أن نُعالِج هذه المُشكلَة التي انتَشرَت كالنّارِ بالهشيم، والتي لا نُلقي لها بالًا، ونسير على جوانبها، كما لو أنّها مسألَة وقِت فقَط، وستلُفّلَف القصّة، برُمَّتها.

نحنُ لسّنا بناقمينَ على البلاد بذاتها ؛ فهي بُنيَت بعرقِ أجدادنا وآباءنا، ولكنّنا ناقمينَ على مَن يُديرونَ مؤسساتها ؛ لأنَّهُم لا يُحسِنونَ إدارتها، ويتلاعبونَ بها كما لو أنّها غُرفة نومٍ لهُم ولأزواجِهم . فلا يأتي أحَد لإدارة هذه المؤسسات إلّا وكانَ مِن ضمنِ الطُّغمَة الفاسِدة، التي لا ترعى مواطنًا، ولا تزّرَع أرضًا، ولا تُطوِّر قِطاعًا، ولا تستَحدِث مجَالًا، ولا تستَعين بأصحاب الكفاءات مِن أبناءِ البَلد، ولا تستَقدِم إلّا مَن لديها مصالِح معهُم، ويُملى عليها مِن سفارات مَن استقدمتّهُم . إذ أنّها أخلَصت في تنفيذِ أجندات هذه السّفارات.

نحنُ ناقمونَ مِن تفرُّخ العشراتِ مِن أصلابِ هؤلاء، وتولّيهم لزمامِ الأمور في هذه البلاد، القابعةُ على شفاهِ حُفرٍ مُنهارَة.. نحنُ ناقمونَ مِن كُلّ مَن يُتاجِر علينا بالشِّعارات، ويُخرِج مِن فوّهتهِ أعذَب وأنقى الكلِمات، لكنَّهُ، عند التطبيقِ على أرضِ الواقِع، تراهُ ككوبٍ مِن الماء عثرَ عليهِ طِفل تمكَّن منهُ الظمأ، وحينما أرادَ أن يشّرَب مِن بئر القرية، اكتَشف بأنَّ الكووبَ مثّقوب...نحنُ تعِبنا ممَّن لا يحترمونَ الإنسان لذاتِه، لأنَّه إنسان..تعِبنا ممَّن هُم بلا أخلاق وقيَم، ويبّرعونَ في نسجِ الكلام، ويتفنّونَ باعتلائهم للمنابِر، وتزعُّمهم لكُلّ شاردةٍ و واردة مِن أحوالنا. هؤلاء أنهكونا، وأتّعبونا، وزرعوا بنا الإحباط، وعمَّا قريب سيقّتلوننا جميعًا..

الحياةُ هُنا أشّبَه بالغابة . فلا دولَة، ولا وزارة صحّة، ولا مسؤولينَ يتحمّلوا وزرَ أخطائهم.

لقَد أصبحَت هذه البلادُ مُرعِبة، بكُلِّ ما فيها، وأصبحنا نخاف على مَن نُحِب حينما نضظرُّ لإدخالهِ المُستشفى.
ما عادَت هذه البلادُ آمِنة، وما عادَت تُلقي لأرواحنا أيّ اعتبار، وأصبحَت تركل حياتنا، كما لو أنَّها - أي حياتنا- كُرَة تُركَل إلى وادٍ سحيق.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي