أفغانستان الصيرورة والآفاق

محمود جديد
2021 / 9 / 7

إنّ أيّ احتلال عسكري هو بمثابة مشروع استثماري اقتصادي ، وسياسي ، وعندما يصبح خاسراً لا يتورّع عن التخلّي عنه ، كما أنّ الفساد ، وسوء الإدارة في ظلّ النظام الذي أوجده المحتلّ ساعد على انهياره السريع ، وضمن هذه الرؤيا، ووفقاً لها تطوّرت الأحداث في أفغانستان بسرعة أكثر من أيّ توقّع ، وسواء أحببنا أم كرهنا، فإمارة إسلامية بقيادة الطالبان أصبحت حقيقة مجسّدة أمام أعين الجميع( ولسنا مع إقامة أنظمة مرتكزة على الطائفة والمذهب والقومية الشوفينية ) ، والمعارضة الأفغانية المحصورة في وادي بانشير بقيادة أحمد شاه مسعود، أصبحت حصاناً خاسراً ، ولا أفاق لها بالاستمرارية المؤثّرة على استقرار أفغانستان للأسباب التالية :
- أصبحت معارضة بانشير تلفظ أنفاسها الأخيرة ، ولا سند دولي لها ،فجمهورية الطاجيك المجاورة والمؤهلة لهذا الدور غير مستعدة لتقديم الدعم والمساندة، وتحمّل تبعات ذلك في مواجهة الإمارة الإسلامية الوليدة .
- قوى الطالبان، وأنصارها من البشتون يتمتعون بمعنويات عالية نتيجة النصر المحقق، بينما معنويات خصومها في الحضيض .
- تضاعف قوة طالبان بسبب السلاح والعتاد الذي كان بحوزة الجيش الأفغاني، والذي حصلت عليه بأرخص الأثمان .
- الصين ، والباكستان، وإيران ، وروسيا لاتودّ مجابهة الإمارة الإسلامية ، وقد بدت مواقفها غير عدائية ، ،وتُعتبر هذه الدول رابحة من هزيمة أمريكا وخروجها المذلّ ، والأمريكان بانسحابهم المذلّ غير مستعدين للعودة إلى المستنقع الأفغاني ثانية .
- الطالبان الآن ليست النسخة الأصلية من طالبان المعروفة بتطرّفها، وتعصّبها ( أثناء قيادة الملّا عمر )، وستصبح نسخة ثالثة بعد انفرادها بالحكم، وتسلّمها دفّة قيادة الدولة ، فالظروف والمعطيات الجديدة من المحتمل أن تنقلها إلى صيرورة جديدة أكثر مرونة ، وأقل تعصّباً وتشدداً ، وستسعى للتفاعل الإيجابي مع دول الجوار المؤثّرة ، وستحاول تلقّي الدعم المادي من إمارة قطر، ، والدعم الفني من تركيا، والمعلومات المتوفرة تشير إلى أنّ الباكستان وبسبب الرابطة العرقية ( البشتون ) ستكون مستعدة للتعايش معها ، وإقامة علاقات حسن جوار معها، ودعمها ، والصين هي المؤهّلة لإعادة البنية التحتية الأفغانية المدمّرة ، وخاصّة، لا أطماع استعمارية معروفة لها ، وهي تعتمد مبدأ المنفعة مقابل منفعة ، وعروضها الأرخص، والأسرع ، ومن مصلحتها إقامة علاقات جيدة مع الإمارة الإسلامية لتأمين مشروعها الاستراتيجي " الحزام والطريق " / طريق الحرير / ، الذي يجلب منافع كبيرة لأفغانستان ، وقد أرسلت إشارات إيجابية لها ، وما أظنّ أفغانستان الجديدة ستكون مكترثة بأيغور الصين كما يحسب بعض السياسيين في الخارج .
- من المحتمل أن تأخذ الإمارة نهجاً داخلياً مطمئنا لمكوّنات الشعب الأفغاني، وتجنب الثأر والانتقام من القوى التي ناهضتها سابقاً ، مع الحزم تجاه الأطراف الأفغانية المعارضة في المستقبل، وفي الوقت نفسه، محاولة طمأنة الخارج بخصوص منع قوى التطرف من اتّخاذ الأرض الأفغانية منطلقاً لها ، كالقاعدة، وطالبان خراسان ( نسخة عن داعش ) ، والموقف من المرأة وتعلّمها، ومشاركتها في الحياة السياسية .. الخ وأخيراً ، فإنّ نجاح الطالبان بنسختها الجديدة يتوقّف على مدى قدرتها على التقييم الجيّد للأحداث، والتكيّف مع ظروفها الداخلية والخارجية ، ومدى كفاءتها في تسيير دفّة الحكم ، وإشراك القوى الفاعلة فيه ، وعند تحقّق ذلك سيتقبّلها المجتمع الدولي، وتتالى الاعترافات الدوليه بها، وتحتل مقعدها في الأمم المتحدة دون فيتو ، أو منغّصات ذات شأن ، وعلى كلّ حال، ستبقى الإمارة الإسلامية الوليدة موضوعة تحت المجهر الدولي في المنظور القريب، والمتوسط .. وفي حال الفشل، من المحتمل أن تتآكل من داخلها ، وتتفتت ، وتعود أفغانستان إلى ملعب العنف ، والتدخلات الخارجية ثانية ..
في : 7 / 9 / 2021

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي