-حول ملابسات الفهم الدّيني فيما يتعلَّق بحُريّة التعبير -

ازهر عبدالله طوالبه
2021 / 7 / 25

إنّ مِن أخطر ما تعرّضنا لهُ، كأمَّة إسلاميّة عربيّة، هو قيام ثُلّة مُتلحِّفة بلحاف الدّين بالتموضع بموضع الإله. أي بمعنى أنّ يد الإله هي يدهم، ولسان الإله هو لسانهم، ومنطق الإله هو منطقهم. فتراهم يفتون في هذا وكأنَّهم الإله، ويضربون هذا وكأنّ للإله سوطٌ لا يعرِفهُ أحَد سواهم، كما وتراهُم يُدخِلون النار والجنه وكأنّ ميزان المُحاسبة على الأعمال بحوزتهم، ويستنتِجون كُلّ ما طابَ لهم استنتاجه بإسم الإله .
لا لشيء إلّا لنقص إيمانهم بتطبيقِ الإله لما تتمناه نفوسهم.

ففي العالمين العربيّ والإسلامي، وفي القرنينِ الأخيرينِ على وجهِ التّحديد، قد تمّ التّلاعُب في ماهيّة الدين وتغيير طريقة فهمه، وصناعَة هالَة قُدسيّة لهُ- أي الدّين- تُعطِّل أي فاعليّة بشريّة ؛ وذلك لتعزيز "استبداد" فئة معينة تغلب على بقية فئات المجتمع..
وما أقصدهُ هنا، على سبيل المثال وليس الحصر، هو أنّ نص قرآني واحد يُجترَح منه استنتاجات تخبُّليّة كبيرة، ويُفسَّر وفقَ أهواءٍ ذاتية، لا يقبلها لا المنطق الصحيح ولا العقل السليم، ويكون أثره على مُتّبعي الدّين سيء جداً، وهذا الأساس لأيّ فكرٍ مُنتشِر حاليًا يقوم على مبدأ العبودية وفرض القوة والسيطرة والخُضوع، ومن بعدها يأتي الإنهيار على كافة المستويات، وهذا ما أُثبِت، وليسَ من قرنين فقط، وإنّما من قرونٍ بعيدة، تعود في أصلها إلى ما بعد خلافة عمر بن الخطاب، كون الدين بدأ بالتغيّر - وأقصد بمن يوظفه، وليس الدين بذاته- والدخول في دوّامات أدّت في الأخير لإنهيار العالمين العربيّ والإسلاميّ، ليسَ دينيًا فقط، وإنما على كلّ المستويات، وفكر الجماعات المُتطرِّفة تقوم على هذا المبدأ "نزع الحرية" و "الاستعباد"، والتّجهيل، هو أكثر أثرًا من الاستعباد .

الدين مطاطي جدًا ؛ لهدف واحد، وهو حتى لا يكون هُناك خنق وتقييد، يُنتِج ارتداد وترك للدين، وهذا ما يتضح أكثر من خلال معرفة المحرَّم في الدين، حيث أنَّ التّحريم الموجود في القرآن هو فقط ما يقارب ١٤ تحريم، ولو دققنا النظر فيه ؛ لوجدنا ان كُل تحريم لهُ هدف سواء مادي أو صحي، أو هدف يتعلق بالنظام العام للمجتمع، يعني كنظام وقائي، إنما حينما يغلب طرف على طرف وأقصُد أنّ كل معالم الإنهيار التي ابتلعناها كون الدين هو غلاف لأفكار سياسية لأهداف شخصية بنفوس أصحاب الشأن والأمر ..

الدين لم يأتِ إلا مِن أجل ضبط أمور تتعلَّق بالنّظام العام، وأمور من المُمكن أن نعتبرها مفاتيح لحياة جيّدة لأيّ مجتمعّ مدنيّ صحيح، والباقي يُترك للاجتهاد، إذ أنَّ هذه الأمور تكون تكميليّة، كون العلاقة تكامُليّة .

وبناءً على ما تقدَّم، وتعظيمًا لأسمى معالِم الدّين، المُتمثّلة بحُريّتيّ "الاعتقاد" و "التعبير عن الرأي"، فإنّهُ ليسَ مِن حقِّ أحد، أيًّا كانَ هذا الأحد، أن يمنَعكَ مِن أن تقِف مُناقشًا لكُلّ مَن أتى بما يُخالِف ما تعتَقد مِن مُعتَقد، ولكُلّ ما هو لا يتَّفق معكَ فيما تتبنّى مِن آراء، حتى تصِل إلى الحقيقة، أو حتى توصِل لها مَن تُناقِش، أو حتى يوصلكَ لها مَن تُناقش، ولربّما هُنا تكون الحقيقة نسبيّة، والوصول لها، يكون حسب زاوية النظَر لها مِن كُلّ شخص...كما أنّه ليسَ مِن حقّ أيّ واحدٍ منكُما -أي طرفيّ النّقاش- أن يسخِّف النّقاش ويميّعهُ بطريقةٍ تُجرِّد النقاش مِن كُلّ رمزّيته، وليسَ من حقّه أن يسحبهُ -أي النّقاش- إلى أراضٍ متصحِّرة، لَم يكُن بالحُسبان الوصول لها .

لا شكّ بأنَّ كُلّ واحدٍ منّا، نحنُ البشَر، معرّض للخطأ، إلّا أنّهُ هُناك أخطاء يتِم التساهُل معها، ويُتعاطى معها برحابة صدرٍ كبيرة، وتتقبّل بسلاسة، وأخطاء لا تُغتفَر مجتمعيًّا حتى لو ملأ المُخطئ الأرضَ ذهبا، ومِن هذه الأخطاء ما يوصَف بالأخطاء الدينيّة" أو ب "التجاوز على الدّين"، فهذه مِن أكثر الأخطاء التي لا تُغتَفر في مُجتمعاتنا، بل وتكون التّوبة عند الكثيرين، توبة غير مقبولة، وكأنّهُم هُم الرّب الذي يُخطأ بحقّه، والذي يتِم تأويل آياته حسب أفهام القارئ لها، وبالتالي تؤخذ على غير المقاصد التي أتَت مِن أجلها . فالدين ليسَ لهُ أسواطًا سوى تلكَ الأسواط المُجتمعيّة الرافِضة لأيّ تنازلٍ قيميّ يُعيد للحياةَ بهاؤها المسروق، الذي سُرِقَ مِن قبلِ شيوخ السّلاطين، والمتنعّمينَ بفُتاتِ أسيادهم الذين يطوّعونَ الدين لهُم، ويعملونَ على ليّ أعناقِه بما يتوافق مع مصالحهم .

وعليه، فإنَّ مَن يخطئ في تأويل المقاصد الدينيّة، هو إنسان مؤمِن، ولا يُجرَّد مِن إيمانه لمُجرَّد أنّه أخطأ في فهمِ مقصدٍ ما، أو أخذ آية ما إلى تأويلٍ لا تتقبّلهُ العقول السليمة، والأهمّ مِن ذلك، أنّهُ لا يجوز أن يتدخَّل أحَد في كُفرِه مِن إيمانه حتى ولو بلغَ ما بلغَ مِن الخطأ. فإن أردنا أن نقوّم هذه الأخطاء المرتكَبة، فإنّ هذا التقويم لا يكون بكيلِ الاتهامات البالية، التي ستقودنا -بكُلّ تأكيد- إلى ساحات التّكفير وحصرِ الجنّة في أُناس مُعيّنين، وإنّما يكون في تأسيسِ قاعِدة رصينة ومتينة، لا تُضعفها كُلّ الإختلافات، بل تجعَل الاختلافات منطلقًا نحو الحقيقة، وتنقّيها مِن كُلّ شائبةٍ تُصيبها، وتوليها أهميّة كبيرة جدًا، لَم تولى لشيءٍ سواها.

وعلينا أن نتذكَّر بأنّنا إذا غضبنا على فُلانٍ ما ؛ لأنّه باعتقادنا قَد قامَ بالتّجاوز على ما نراهُ نحنُ خُطوطًا حمراء، لا يجوز التّجاوز عليها، فعلينا أيضًا عدم التجاوز على تلكَ الخُطوط الحمراء التي كُلّنا -أي البشَر- نؤمِن بأنّهُ ليسَ مِن صلاحيّة أيّ إنسانٍ - أيّا كانَ هذا الإنسان- أن يتجاوزها، فهي خطوط لا علاقة للبشَر بها، وليسَ هُناك عاقِل يُجادِل على أنّ تلكَ الخطوط مفروضة مِن الله، وما وراءها هو مِن صلاحيّة الله فقط .


التّوافُق بين السُلطة الدينيّة والسلطة السياسيّة

أمّا فيما يخُص تلكَ النقاشات والحوارات المُتعلِّقة بمُنطلقات السُلطة السياسية، فأرجو ممّن يدخل في مثلِ هذه النقاشات ألّا يطلب مِمّن يُقابلهُ بعدم الوقوف على ما تُقدِّمه السُلطة الدينية لشقيقتها السياسية ؛ وذلك لأنّهُ لا يُمكِن أن نتناول السُلطة السياسية بالنّقد دونَ أن نتناول السُلطة الدينيّة ؛ لأنّنا نعلَم بأنّ السُلطة الدينيّة هي مِن أكثر الأمور التي تُرسِّخ السُلطة السياسية في بلادنا هي، وذلكَ من خلال استغلالها بالشكلِ المطلوب، وليسَ هُناك ما هو أدلّ على ذلك، من خطَب الجمعة التي تُرسَل على حسابات الواتساب، فضلًا عن الدور الذي الذي لعبتهُ هذه السُلطة -بمَن يمثّلها- في جائحة كورونا، إذ أنّنا رأينا العجبَ العُجاب من الآراء الدينية التي كانَ يطلّ علينا بها مَن يتربّع على عرشها في هذه البلاد . فبُغيةَ تحقيقِ مصالِحهم الشخصيّة، وبُغيةَ صون علاقاتهم وبقائهم في أحضانِ وُلاة الأُمور، والجُبن ممّا ورائيات المُواجهة، يكون أصحابَ السُلطة الدينيّة ومَن يرتدونَ جِلابيبًا دينيّة متنوّعة هُم الأقرب، في تصريحاتهم وأقوالهم، للحاكِم وللسُلطة السياسيّة التي يدعّمونَ بقاءها.

الخُلاصة (1): لسنا معنيّونَ بكُلّ ما يقدّمهُ بعض من يسمّونَ أنفسهم بمفكري الأمّة ؛ وذلك لأنّ فيهم مِن الصلافة والتعنّت ما لا يقبلهُ طفلٌ لم يُفطم بعد..وإنّني أرى أنّ لهُم الدور الأبرز في انتشار الجهل بين أوساط أبناء أُمتنا، بل وإنّهم يجرّونَ بأبناءِ الأُمةِ إلى شفاء أجرافٍ مُنهارة..

المسألة معقدة كثيرًا، وبحاجة إلى نسف كُلّ تلكَ الخُزعبلات التي يتفاخرون بها، ولا يكفّونَ عن تداولها في أوساطِ العوام .

الخُلاصة (2): لكَ الحقّ بأن تختَلف مع ما ترى فيهِ حقًّا للإختلاف . لكن، لا تسّحب هذا الإختلاف إلى خلاف ؛ لتسقُطَ في نهايةِ الأمر في حُفرةٍ عميقة، لا تُخرَج منها ؛ حتى لو فزعَ لكُ كُلّ مَن في هذا الكوكَب، ومدّوا لكِ كُلّ حبالِ العالم.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي