|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ازهر عبدالله طوالبه
2021 / 7 / 12
بدايةً، وقبل أن تقرأ المقال -عزيزي القارئ-، فإنّني أودُّ أن أنبّه إلى أنّ كاتِب هذا المقال، لَم يكتُبه مِن أجل الدّفاع عن جهةٍ مُعيّنة، أيًّا كانت هذه الجهة، وإنّما كتبهُ آملًا بأن تُتاح لهُ فُرصَة البحثَ عن أرضيّة منطقيّة عقلانيّة، تمكِّننا، أي الشّعب، من أن نبّني عليها وطنننا الذي سيكون حضّنًا أمينًا لمشاريعنا، ومكانًا مُناسبًا لتحقيق أحلامِنا، لا عن عاطفةٍ تسّكن على جُرف، على بعد حسرةٍ واحدة مِن الإنهيار .
في سياقِ توضيح التّضاربات وصعوبة التوصّل والوصول لآلية تقتضي الاتفاق على وجهٍ واحد ما بين الشّعب والحكومة، والوقوف الدّقيق عند هذه الجدليّة الكبيرة، التي مِن الواضح أنّه لن يتم التخلُّص منها، تحت أيّ ظرفٍ كان، فإنّني أسوق لكُم السّخطَ الشّعبيّ -غير المُبرَّر- على وزارة التربية والتّعليم جراء امتحانات الثانويّة العامة لهذا العام، والتي أُخِذت على وجهِ الصّعوبة، ليسَ لأنّها صعبة، وإنّما لأنّها قد اصطدمَت بمستوى تعليمي متواضِع لطلّاب الثانوية، الذين تلقّوا تعليمهم عن بُعد، والذينَ لربّما أكثر مِن ثُلثهم، قد تجاوزا العشرينَ مِن عُمرهم، ومنهُم مَن تجاوز العشرين بكثير، وقفزوا عن مرحلة الثانويّة منذ نصف عقدٍ أو أكثر .
وحتى نقِف على أُسس المشاكِل المُتعلِّقة بهذه المرحلةِ، التي يُحصَر بها تعليم عقد مِن الزّمن، فيجب علينا أن نقرَّ ونعتَرف، بأنَّ هناكَ ثمّة أمور كبيرة وكثيرة حدثَت في السنوات الماضية، كانت قد ساهمَت في أن يُصبِح "التوجيهي" على الحال الذي هو عليه اليوم . وحقيقةً، لا أجِد بابًا أُخرِج مِنهُ لا الشّعب برؤيتهِ للثانوية العامّة، التي جعلَت منهُ كابوسًا كبيرًا، ولا حتى لوزارة التربية والتعليم في الكثير من قراراتها التخبطيّة، التي لا تعتَمد إلّا على ما يراهُ مَن يتقلّد هذه الحقيبة الوزارية، آخذين التعليم والطُلاب كحقلِ تجارِب، يسعونَ لتسجيل النجاحات الشخصيّة على حساب منظومة التعليم برُمَّتها .
فإنّ مِن أهم تلكَ الأمور -وأنا أراها مشاكِل- فتّكَت جسد الثانوية العامة، وأدخلتّنا في كهوفٍ مُظلِمة، هو ارتفاع نسب النّجاح في السنوات الماضية، وانبجاس المُعدّلات العالية مِن باطنِ التّعليم الكورني، وحصول الآلاف مِن الطّلاب على مُعدلات عالية، وقفَت على مشارف المئة، إذ أنّ هذا الأمر قد شكَّل دافعًا كبيرًا لاؤلئك الذين قرّروا أن يُقطعوا تذكِرة عودة بالعُمر، ليعودوا إلى محطّةٍ كانوا قد خرجوا منها منذ زمنٍ بعيد ؛ محطّة الثانوية العامة، إذ أنّ هذه العودة لَم تكُن إلّا من أجلِ الحصول على شهادة الثانويّة العامة، دونما أدنى تفكيرٍ بالثّمن الذي سيكون مُترتّبًا على الحُصول على هذه الشهادة، التي باتت معلمًا مؤرِّقًا في الحياة البشريّة، على هذه البُقعة الغير صالِحة للحياة أصلًا، وكأنّها مفتاحٌ مِن مفاتيح أبواب الجُنّة، بل ولم يقتصر الأمر هُنا، وإنّما امتدّ أيضًا، إلى ألا يكون هُناك إيلاء أي أهميّة لهذه الخُطوة المُقدَم عليها، مِن قبل الكثيرين، والتعامُل معها على أساس أنها ورقَت يانصيب، وليس أكثر مِن ذلك .
فقد كانَ ذلك التقديم قد بنى أركانه على أساس المقولة التي مفادها " استغِل الفُرصة وقدِّم، ما هو هيّه النجاح سبهلله"، وليسَ على أساس أنّ سلك مسّلَك التعليم، يستحِق أن نبذل به جهود كبيرة ومُضنية وقيّمة ؛ نرى نتائجهُ مُفرحة ومُبهجة لنا مع تقدُّم الزمن، وهذه هي الحقيقة التي لا يُمكن أن تُغطّيها كُلّ جلابيب العالم، ولا أعتَقد، أنّ هُناك مَن يملِك عقلًا وازنًا، ويتعاطى مع الظروف الواقعيّة بجديّة وحكمة واتّزان، يستطيع أن يُنكر هذه الحقيقة، وأن يتجرَّد من هذا الحال الذي نعيشهُ، ولربّما هُناك مؤكّدات كثيرة، تؤكّد صحة هذا الكلام، وأنّهُ ما عاد المعيار في النجاح، هو القُدرات العقليّة، ولا حتى مدى تهيئة الطالب لنفسه لهذه المرحلة، التي أُلبسَت كُلّ أقنعة الرُّعب، ويبقى مِن أهمّ تلكَ المؤكدات، هو وصول المُسجلينَ في زمنِ التعليم الإلكترونيّ إلى أكثر مِن 190 ألف مُسجّل، فهذا رقمٌ لم تعرفهُ المملكة على الإطلاق، وعلى الرّغم مِن أنّني لم أطَّلع على إحصائيات الولادة لمواليد عام 2003، إلّا أنني أكاد أكون قريبًا من الجزّم بأنَّه لو قُمنا بعمل إحصائية لمواليد تلكَ السنة، لما وصلوا لهذا الرّقم الكبير، فهذا يُدلّل على ما أشرنا لهُ آنفًا، مِن أنّ هُناك تدافُع غير مسبوق نحو شراء تذكِرة الثانوية، وأنّها السبيل الوحيد للنجاة مِن فكّي كمّاشة الحياة هُنا.
وبناءً على ما تقدَّم، فإنّني أقول: لكُم أن تتخيّلوا حجم التناقُضات المهولة التي يُعاني منها شعبنا، فها هو انبجس غضبًا وحقدًا على وزارة التربية والتّعليم، لمجرَّد أنّها أتَت بامتحانات صعبة -حسب زعمه، ولا أعتبر هذا صحيح- في ظلّ عدم وجود بيئة تعليميّة مُناسبة، بسبب الظروف الوبائية التي أصابت العالم وليسَ الأردن لوحده . لكن، المُشكلة الأكثر تعقيدًا، تكمُن في أنّ هذا الشّعب بذاته، هو من حارب وزارة التربية والتعليم في العام الماضي، ورجمها برجمٍ ربّانيّ، وقال عنها، بأنّها أفقدَت التعليم هيبتهُ، وجعلت سُمعته الإقليميّة في قيعان الحضيض، بعد أن كانت المعدلات التسعينية تحتضن السماء.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |