|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
ازهر عبدالله طوالبه
2021 / 7 / 10
إنّ كُلّ ما يوقِف البلاد اليومَ على حافّة الهاوية، يجّعلكَ تُدرِك بأنَّ الأمرَ لَم يعُد يقتَصِر على سوء الأوضاع (السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية)، وإنّما امتدَّ إلى سوء التّفكير بالحُلول، التي لا تأخذ بعينِ الاعتبار تأثير جغرافية هذه البلاد على المنطقة، ولا حتى تُولي أهميّة لدورها -أي البلاد- الجيوسياسي الفعّال على مستوى الإقليم، والذي يُسرق في سبيل تدعيم نرجسيّة الحُكم المُعتمدة على "الأنا". فالبلادُ اليوم، قد أصبحَت تُعاني مِن تُخمة كبيرة في الحلول السيئة المُقدّمة والمطروحة مِن قبل مَن يسمّون أنفسهم "أرباب الرؤى الهارفردية" المُتربّعون على عرش مراكِز صُنع القرار، وكأنّهم لا يردونَ أن يتجرَّدوا مِن سكّينهم التي يضعونها على عُنقِ البلاد، منذ عقدينِ وأكثر.
وهذا ما اتّضحَ جليًّا في ومِن فكرَة تشكيلِ/ولادة اللجان الإصلاحيّة . فها هي اللجان الإصلاحيّة - التي الكثير من أعضائها- بحاجة إلى إصلاح- تولَد مِن رحمِ هذه المراكز التي أُشبعَت بكُلّ أشكال الجماع السياسيّ، دونَ أن يكونَ هُناك أطبّاء أصحاب اختصاص "توليد وإصلاح سياسي" يُشرفونَ على هذه الولادة، بل دون أن هُناك ولو كادِر طبّي بسيط، يُمكّن من تأمينِ كُل ما تحتاجه هذه الولادة مِن مُستلزمات، تؤكّد صحّة وسلامة ولادة الإصلاح المزّعوم، وإن وجِدت، فإنّك وبكُلّ تأكيد، لن تراها تقوم إلّا بشكليّات هذه الولادة.
ومِن هُنا، فإن أردنا أن نوقفَ النّزف الذي أصاب البلاد، والذي يرى البعض بأنّنا فقدنا السيطرة عليه، فمن المفروض علينا أن نقول الحقيقة حولَ ولادة مثل هذه اللجان، حتى لو كانت تجّمعنا علاقات طيّبة مع الكثير من أعضائها، حيث أنّ هذه الحقيقة تقول: في هذه اللجان، ليس هُناكَ من هو قادِر على وضع خُطّة سياسيّة وازنة، تهدف لعمل مشّروع سياسي فعلي، يُخرِج البلاد مِن مأزق مركزيّة السُلطة، وإنّني أرى، بأنّ الخُروج مِن هذا المأزق، سيجّعل الإصلاح حقيقيّ، وسيؤمن به كُلّ مواطنٍ قدّست جبينهُ من قبل تلال هذه البلاد، وحفِظت رائحة دماء أجداده الزكيّة في ذاكرة كُلّ ذرّة من ذرّات تُراب هذه البلاد ؛ وذلك لأنّ مركزيّة الحُكم تشكّل معضِلة في طريق الإصلاح، وهي العصا التي تُصبح سهلَة الكسر إن خرَجت مِن دواليب الإصلاح.
ليسَ هُناك بارِقة أمَل واحدة مِن كُل تلكَ اللجان الإصلاحيّة، التي تقول عنها كُلّ الآراء المؤمنة بها، بأنّها لجان لَم تُشكَّل إلّا من أجلِ أن تعمَل على إصلاحِ هذه البلاد مِن كُلّ عطبٍ أصابها، أو على أقلّ تقدير لتؤسِّس أعمدة متينة ورصينة لمفهومِ الإصلاح، وأنّها ما أتَت إلّا بعد أن وصلَ الجفاف إلى كُلّ أعضاء هذه البلاد.
لكن، مع مرور الأيّام، وزوال أكوام الغُبار المُتكدِّرة فوقَ ألسنَة الكثير مِن أعضاء هذه اللجان، نُصبِح أكثر تأكيدًا على حقيقة أنّ هذه اللجان، وبكُلّ من يُمثّلها، هي لجان تصّرف الآلاف من الدنانير وهي تتسوّق في أسواق الوقت المُنتَشرة في أصقاع البلاد، وتبّحَث عن كُل تلكَ الساعات الباهضة، كبيرة التّكلفة، والتي لا تتحرَّك بها العقارِب إلّا بقرار من زعيم اللجنة الأوحد، وهذا الزّعيم تشّهد لهُ الخيبات والمآسي الوطنية بأنه زعيم ومُحترِف في بيعِ الوهِم، ومُتفنِّن في التمتّرُس خلفَ الكثير مِن الجُدران.
إنّ تّحليل هذه اللجان والوقوف عند كُل مُعطى مِن مُعطياتها، وقراءة كُل شخصيّة من شخصيّاتها، لا يؤكّد إلّا على أنّ هذه اللجان لا قُدرة لها على التواصُل مع المواطنين، فهي تمتاز برعونةٍ لا تسّمح لها بأن تكُفّ عن رفعِ الأسوار العالية بينها وبين مَن أتَت لأجلها، حسب زعمها . وليس هذا لأن المواطنينَ دائمًا يقعون على طرف نقيض؛ بل لأن االلجان تفشل في مد جسورها إليهم_لأسباب تتعلق بأهداف التّشكيل_ وتتسع الفجوة مع الصمت، ثم تُترك العلاقة عرضة للتوتر المتزايد نتاج الاحتكاكات الإعلامية الهامشية . وهكذا تترجح كفة العداوات على كفة الوفاق والأرضية المشتركة.
وأخيرًا، أقول :
لا حاجةَ لنا لكُلّ لجانِ الإصلاح المُشكّلة لاعتبارت شخصيّة فقط، ولا أرى أنّني أُبالِغ إن قُلت، بأنّ هذه اللّجان، ما عادَت تهتمّ لوطن ولا لحال مواطنٍ تتقاذهُ الرّياح وهو يقِف على غصّنٍ طريّ.
فإنّ مسألة هذه اللّجان لَم ولن تتعدّى حدود البقاء الشّخصي، ومُحاولة تجّميل وجود البعض .
لَن أقول بأنَّ البلاد تضيع، بل سأقول بأن البلاد ضاعَت، وتخمَّر بها الضّياع، وعليّة القَوم، ما زالوا يتناحرونَ على مصالحهم، ويجولونَ في مساحات "الأنا" المُمتدّة على جُغرافيّة هذه البلاد .
لذا، وإلى آخر يومٍ في حياتنا، فإنّنا لن نُسامحهم، وسنسعى للنّيل منهُم، أيًّا كانت الأثمان.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |