نهاية كوفيد 19 أم نهاية الرأسمالية المتوحشة ؟

الهيموت عبدالسلام
2020 / 8 / 29

1) في الديمقراطيات كما في ظل الديكتاتوريات ، في الغرب كما في الشرق ، في البلدان الفقيرة كما في البلدان الغنية واجه صناع القرار السياسي هذه الأزمة الوبائية التي تجاوزتهم بحسابات طغت فيها الأرباح على حساب الأرواح وأدى فيها الثمن غاليا العمال والفقراء والمهمشون ، باستثناء بعض الدول (اشتراكية ورأسمالية) تغلبت على الجائحة بسرعة فإن باقي الدول اتخذت تدابير كانت لها عواقب وخيمة على الحياة اليومية للمواطنين البسطاء وعلى ذوي الدخل المحدود وعلى الاقتصاد وخاصة المتوسط والصغير وعلى الأسواق والطبقة الشغيلة وعلى ارتفاع البطالة وانهيار منظومة الصحة العامة والتعليم العمومي والحريات ...

2) للتغلب على الوباء يجب على الناس أن يثقوا في العلماء والخبراء المتخصصين في المجال ، وليثق الناس في العلماء والخبراء يجب أن يحظوا بقدر من العلم والمعرفة والكرامة والحقوق والانتماء للوطن، وكيف يثق الموطنون بالسلطات العمومية والسلطات لا تثق بعضها ببعض ولا تشاور بعضها بعضا ولا تخدم غير الرأسمال الطفيلي والمتوحش ؟، إذا كان المواطن لا يثق في السلطات ولا في الإعلام ولا في الأحزاب ولا في النقابات ولا في النخب فإما أننا نعيش تآكلا للثقة (الوباء الكبير) أو أن كل شيء أصبح موبوءا ،إذ لا يمكن هزيمة وباء عالمي في غياب الثقة بين الشعوب والأنظمة، وبين الدول بعضها البعض ... لا يمكن هزيمة الوباء بالدعاية والعزل والتباعد والإغلاق...إن تآكل الثقة هي أحد "الإنجازات" الكارثية للرأسمالية المتوحشة التي كرست أنه ينبغي ألا يثق أحد في أحد على شاكلة مقولة "هوبز" الإنسان ذئب لأخيه الإنسان

3) الأمر لا يقتصر فقط في ألا يثق أحد بأحد بل أن يبتعد كل واحد منا عن الآخر ،وقد أصرت الماكينات الكبرى للرأسمالية أن تسميه تباعد اجتماعيا رغم تأكيد منظمة الصحة العالمية على التقارب الاجتماعي في هذا الظرف العصيب عبر الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها ، نسيت الأوليغارشيات المالية أن التباعد امتياز ولا يستطيع أن يمارسه سوى "المحظوظون" ،لكي تحافظ على تباعد جسدي يلزم أن تسكن في منزل كبير يسمح بالتباعد وليس بغرفة أو غرفتين لسبعة أشخاص، وحتى غسل اليدين امتياز لأن ليس الجميع يحصل على مياه نظيفة ومطهرات من النوع الممتاز ،ولكي تبقى في بيتك معزولا يجب أن يكون لديك المال الكافي لشراء الطعام الكافي ولتأدية واجب الكراء و فواتير الماء والكهرباء وجميع متطلبات الحياة.

4) في العديد من البلدان، أظهر وباء كورونا أن عملية الإغلاق للمعامل والحقول أن العمل و العمال هم الذين ينتجون الثروة ،عندما أُجبر جزء من القوة العاملة النشيطة على التوقف عن العمل انهار النمو الاقتصادي ، إن العمل هو الذي يخلق رأس المال وليس العكس ، منذ 18 مارس شهد المليارديرات الأمريكيون زيادة في أصولهم بمقدار الثلث ، أي بحوالي 565 مليار دولار، أعلن JPMorgan أكبر بنك في الولايات المتحدة عن أعلى معدل دوران و سجلت شركة Goldman Sachs الاستثمارية نموًا بنسبة 41٪ مقارنة بالعام الماضي، وفي المقابل رأينا مئات الملايين من الناس يجبرون على العيش في الفقر المدقع، في بلجيكا مثلا زاد عدد الأشخاص الذين يعتمدون على بنوك الطعام بنسبة 15٪ .
إن التضامن العفوي والهائل الذي نشأ خلال أزمة COVID-19 يكذب النظربة الرأسمالية التي تعتبر الإنسان ذئب لأخيه الإنسان وأنه لا ينبغي لأحد أن يثق في أحد وأن الإنسان شرير بطبعه وغيرها من النظريات الرأسمالية التي تكرس الأنانية والذئبية والتوحش وغيرها .
خلال أزمة كورونا ذهب الشباب للتسوق لجيرانهم المسنين ، وصنع آلاف المتطوعين لصناعة الأقنعة وتوزيعها وتطوع آخرون لتوزيع الطعام ومعدات الحماية على الفقراء والمشردين ،أظهرت أزمة كوفيد 19 أن البشر هم في الأساس متعاونون متضامنون وإنسانيون ، وأن الرأسمالية المتوحشية اشتغلت بطريقة أنانية جشعة انتهازية لجلب مزيد من الأرباح على حساب الأرواح البشرية
أظهرت كورونا أنه مع الرأسمالية المتوحشة أن ثلث سكان العالم يفتقرون إلى مرافق الصرف الصحي، ويوجد شخص واحد فقط من بين كل ثمانية أشخاص فقط من يستفيد من الربط الكهربائي، وواحد من كل خمسة أشخاص يعيش في أحياء فقيرة وواحد من كل ثلاثة لا يملك مياه صالحة للشرب.

في بلجيكا ، يمتلك 5٪ من فاحشي الثراء ما يصل إلى 75٪ مما يمتلكه فقراءها و20٪ من الأسر معرضة لخطر الفقر،وربع العائلات تكافح لدفع جميع النفقات الطبية ، و 40٪ لا تستطيع الادخار و 70٪ من العاطلين عن العمل يجدون صعوبة في تغطية نفقاتهم.

5) تخرب الرأسمالية المتوحشة في سعيها من أجل الربح الأقصى النظامَ البيئي للأرض وتهدد بقاء الجنس البشري، وفقًا للكاتبة والناشطة المعروفة "نعومي كلاين" يواجه العالم اختيارًا مصيريا: إما أن ننقذ الرأسمالية أو ننقذ المناخ والبشرية معا، هذا الاختيار مهم بشكل خاص في قطاع الوقود الأحفوري المسؤول بشكل أساسي عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون،تبلغ القيمة المالية لأكبر 200 شركة للنفط والغاز والفحم 4 تريليون دولار وتحقق أرباحًا تصل إلى عشرات المليارات كل عام، وإذا أردنا الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة دون 2 درجة مئوية ، يجب أن يتنازل عمالقة الطاقة عن 60 إلى 80٪ من احتياطياتها سليمة، وهذا طبعا من شأنه أن يُضرّ بأرباحهم ويؤدي على الفور إلى انخفاض قيمة الأسهم. منطق الربح هو ما يجعل ظاهرة الاحتباس الحراري أمرا مخيفا للبشرية وفقًا لمجلة الإيكونوميست ، المتحدثة باسم النخبة الاقتصادية في العالم : إن التكلفة المالية لعمالقة الطاقة باهظة للغاية بحيث لا يمكن معها مكافحة الاحتباس الحراري.

تدعونا كورونا للكفاح من أجل نظام مجتمعي أكثر عدالة وأكثر تضامنا وأكثر إنتاجية، تدعونا لإعادة التفكير في السياسات المتبعة على الأقل في الأربعين سنة الأخيرة ، يجب ألا يركز الاقتصاد بعد الآن على الأرباح الخاصة للأوليغارشية المالية، بل يجب التركيز على الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للكثيرين ووقف استنزاف الثروات الطبيعية، نحتاج أيضًا إلى توزيع الثروة، وعلى التسلح بالمعرفة والعلم ضد الأوبئة والجهل والخرافة ، نحتاج لتضريب ثرواث الأغنياء،استرجاع أموال الشعوب المهربة للجنات الضريبية،إلغاء المديونية على دول العالم الثالث ،ودعم المساواة بين جميع طبقات الشعب .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي