هل يمكن أن يكون للجندرة دوراً في الحدّ من انتشار فيروس كورونا ؟

حسين سالم مرجين
2020 / 7 / 29

يعتبر مفهوم الجندرة أحد المفاهيم الحديثة التي تُعنى بتفسير العلافة بين الرجل والمرأة، وتهتم بكيفية خلق توازن لأدوارهم وفقاً للطبيعة البيولوجية.
وبالرغم من الخلافات حول هذا المفهوم إلا أننا يمكن أن نعرّف الجندرة على أنها أداة تحليلية لتفسير العلاقة بين الرجل والمرأة وتداعياتها على توزيع الأدوار والموارد والسلطة.
وهي تركّز على الأدوار الاجتماعية والمهام التي تُناط بالرجل والمرأة، والفرق بينهما في التفكير واتخاذ القرار وفقاً للخصائص البيولوجية والتمثلات التي تميّز بين الذكر والأنثى على مستوى الأدوار والمكانات.
ولذلك فإن الجندرة تعني دراسة العلاقات المتداخلة بين الرجل والمرأة في المجتمع بحيث تميّز بين الدور الطبيعي لكل منهما، وتأثيره على المحيط الاجتماعي استناداً للفوارق البيولوجية.
ويُستخدم مفهوم الجندرة كمقاربة لتحليل الوظيفة والدور للمرأة والرجل ليس في نطاق الأسرة فحسب، بل يمكن أن يتعداها إلى المقارنة بينهما في شكل ونتيجة الأداء والعمل حتى على مستوى القيادات الإدارية والسياسية، فيمكن أن نستخدم الجندرة كإطار تحليلي مع مجموعة عوامل أخرى للتعرّف على الدقة في اتخاذ القرار، والسرعة في الانجاز، والتميّز في النتائج.
وفي الحقيقة يمكن أن نُسقط هذا المفهوم بكل مفرداته ومعانيه على الإشكالية التي نضعها عنواناً لهذه المقالة وهي : هل يمكن أن يكون للجندرة دوراً في الحدّ من انتشار فيروس كورونا ؟
وستنطلق إجابتنا على هذا السؤال بتحليل واقع بعض الدول التي انتشر فيها فيروس كورونا من خلال معرفة كيفية تعامل رؤساء هذه الدول مع تداعياته وتوسّع انتشاره.
في الحقيقة هذا السؤال تمّ طرحه من قبل الأستاذة الدكتورة / ريما الجرف، وذلك ضمن بحث اجتماعي هدفه استطلاع آراء مختلف الأعمار والمستويات التعليمية، حيث حدّدت السيدة الدكتورة عدداً من دول العالم والتي تتمتع باقتصاديات عالية الدرجة، وأنظمة اجتماعية تضمن رفاهية أفراد المجتمع، كما أن بعضها لديه أفضل أنظمة الرعاية الاجتماعية والصحية.
ولقد طلبتُ من السيدة الدكتورة / ريما الجرف مهلة للتدبّر والتفكير في السؤال المذكور، حيث قمتُ بالاطلاع على إحصاءات كورونا للدول التي حدّدتها، كما قمتُ بإضافة بعض الدول الأخرى، مثل كندا، وبنغلاديش، اليابان، إستونيا.
ففي ظل زيادة انتشار فيروس كورونا برزت بعض المفارقات المهمة لعل أهمها ما يبرزه هذان الجدولان، وهو أن نسب الشفاء في الدول الموجودة في الجدول رقم (2) أكثر منها في الجدول رقم (1)، وهذا ربما يدفعنا إلى البحث عن العامل المشترك في كل من هذين الجدولين، فيبرز على السطح عامل الجندرة، أيّ النوع الاجتماعي، فالجدول الأول كل الرؤساء هم من الرجال، في حين أن الجدول الثاني كل الرؤساء هم من النساء.
جدول رقم (1) يوضح الدول التي يترأسها رجال


ر . م الدولـــــــــــــــة نسبة الإصابـــات نسبة الوفـــــــــاة نسبة الشفــــــــــاء
1 الولايات المتحدة الامريكية 1.32 % 3.43% 47.81%
2 إيطاليا 0.41% 14.26% 80.63%
3 أسبانيا 0.68% 8.90% -
4 فرنسا 0.28% 16.72% 44.77%
5 بريطانيا 0.44% 15.28% -
6 البرازيل 1.14% 3.60% 67.53%
7 روسيا 0.56% 1.63% 73.88%
8 اليابان 0.02% 3.39% 74.07%
9 كندا 0.30% 7.80% 87.22%
المصدر : https://sehhty.com/


جدول رقم (2) يوضح الدول التي تترأسها نساء

ر . م الدولـــــــــــــــة نسبة الإصابـــات نسبة الوفـــــــــاة نسبة الشفــــــــــاء
1 ألمانيا 0.25% 4.45% 92.19%
2 النرويج %0.17 2.80% 96.00%
3 أيسلندا 0.54% 0.54% 98.70 %
4 فنلندا 0.13% 4.45% 93.60%
5 نيوزيلاندا 0.03% 1.41% 97.24%
6 تايلاند 0.00% 1.76% 94.47%
7 الدنمارك 0.23% 4.56% 91.83%
8 إستونيا 3.39% 0.15% 94.49%
9 بنغلاديش 0.14% 1.31% 55.44%
المصدر : https://sehhty.com/

هذا يقودنا إلى طرح سؤال مهم وهو :
لماذا الدول التي تترأسهن النساء كانت نسب الشفاء من فيروس كورونا أكثر من الدول التي يترأسها الرجال ؟ وهذا حسب اعتقادي قد يكون صدفة عابرة، ومع ذلك فإن السؤال يحتاج منا القيام بمحاولة تفكيكية تساعدنا على رؤية المبرّرات والأسباب بشكلٍ أفضل، كما يدفعنا إلى البحث والكشف عن طبيعة وماهية تلك الأسباب والمبرّرات التي جعلت الدول التي تقودها النساء أكثر إدراكاً ومسؤولية لتداعيات فيروس كورونا من الدول التي يقودها الرجال، حيث لم تتخبط الدول التي تقودها النساء في دياجير الحيرة والاضطراب، إنما استطعن وباقتدار تجاوز هذه المحنة، بالرغم أن طرق القيادة وأساليبها لا تختلف عند الرجل والمرأة.
وسنحاول هنا وضع بعض التصورات والأفكار التي نعتقد بأنها جعلت إدارة المرأة أقدر من إدارة الرجل في التعاطي الجدّي مع تداعيات فيروس كورونا.
ويُمكن القول أن التوجّهات والعلاقات والإدراكات والميول الجنسية تُشكّل جانبًا أساسيًا في شخصية المرأة، بالتالي ربما يكون إدراك وميول المرأة للرعاية الصحية التي يحتاجها أفراد المجتمع أكثر درجات من الرجال، وربما نقيس هنا مسألة ميول المرأة نحو الرعاية الصحية عند إصابة أي فرد من عائلتها ونجد أنها أكثر من الرجل.
وهذا قد يدفعنا إلى القول بأن هناك جوانب محدّدة في التكوين الجسمي البيولوجي للمرأة مثل الهرمونات والكروموزومات والمؤثرات الجينية والتي ربما تكون مسؤولة عن تلك الفروق الفطرية في السلوك والميول والإدراك تجاه مسألة الرعاية الصحية والنظرة إلى الأمراض بشكلٍ عام.
من ثم فأنه مع انتشار هذا الفيروس في دول العالم حرّك الجينات البيولوجية الموجودة لدى المرأة – المسؤولة عن رئاسة الدولة -، والتي تحمل في داخلها معاني وقيم العطف والحنان والرعاية؛ فأصبحت تلك المرأة المسؤولة عن الدولة تقرع رؤوس مسؤولي مؤسّسات الدولة قرعًا قويًا، وذلك خوفًا من زيادة انتشار الفيروس، فأصبحت مساحات القلق والخوف من انتشار الفيروس تتسع، وأصبحن أولئك النسوة مدركات لما سيؤول إليه الحال، وأصبحن يعملن على اجتياز مرحلة الهلع والخوف والبحث عن معالجات بشكلٍ حثيث، بالتالي لاحظنا نقاط تحوّل مهمة في تلك الدول، لعل ذلك أهم ما تؤكده المؤشرات الموجودة بالجدول رقم (2)، ومن أراد التفاصيل فيستطيع أن يعود إلى الجدول المذكور فيستزيد. وكأن تلك الفروق البيولوجية كانت تقول للنساء المسؤولات عن رئاسة دولهن لقد هيئت لكن فرص تجاوز هذه المحنة، فعظّمت تلك المحنة من الشعور بالرعاية الصحية والأدوار والإدراكات الاجتماعية الموجود في أعماق النساء، وصرنَ يخفّفنَ أثار المرض، ويعظمن قيمة الرعاية الصحية.
في حين أن التركيب البيولوجي للرجال كان ينظر إلى فيروس كورونا نظرة دونية، كونه غير جدير بالاهتمام، ولا يستحق المقاومة لأنه عدواً غير مرئي، وفي أحايين كثيرة كان مجالًا للسخرية من قبل بعض الرؤساء – الرجال –، كما أن الذات المتضخمة لبعض الرؤساء – الرجال- جعلتهم لا يدركون الرعب والهلع والذعر الذي سيتولّد عن تداعيات انتشار الفيروس.
بالتالي لم يُشكّل هذا الفيروس أيّ أهمية أو مكانة بارزة في تفكير رؤساء الدول – الرجال -، إنما انُيطت مسؤولية الوقاية والحماية منه إلى الوزراء، ولعل أهم مؤشرات ذلك تتضح في الجدول رقم (1) .

ومن يحسن التأمل ويدقّق النظر يستطيع أن يدرك بسهولة تلك المفارقة السيوسولوجية التي تمثلت في إثبات المرأة تميزها وجدارتها في مواجهة فيروس كورونا، الدور الذي قامت به المرأة في عملية الحدّ من انتشار هذا الوباء كان نتيجة لما يميزها عن الرجل من فيض العاطفة والاحتواء، والحرص والرعاية وبذل النفس لأجل أفراد الأسرة وما يحدث على مستوى الأسرة الصغيرة نقلنه أولئك النسوة إلى الأسرة الكبيرة، وتعاملن مع خطر الفيروس وكأن الدولة أسرة كبيرة، ونجحن في الحدّ من تداعياته .
عمومًا فنحن هنا لا نقلل من أهمية عوامل أخرى مثل التنشئة الاجتماعية التي تقوم بدورٍ مهم في عمليات تبلور الأفكار والتصورات، كما يجب عدم إغفال قيام بعض رؤساء الدول - الرجال - باجتياز محنة فيروس كورونا باقتدار.
خلاصة القول أن مسألة الجندرة ودورها في الحدّ من انتشار فيروس كورونا مسالة نسبية وليست مطلقة، ولا يمكن اعتبارها مقياس على أساسه يتم التعميم بقدر ما هي فرض يتم التحقّق منه بالمزيد من البحث والدراسة والتحليل، ولكن نجاح المرأة كرئيسة للدولة في التصدي للفيروس يدفعنا إلى إثارة سؤالٍ أكثر إلحاحاً من سابقه وهو : هل وجود النساء في مناصب قيادية سيطور عملية صنع القرار، وسيؤثر بشكلٍ كبير في حلّ الكثير من المشاكل أو على الأقل الحدّ من تداعياتها وآثارها ؟.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي