ما معنى أن تكون أسودا في أمريكا

الهيموت عبدالسلام
2020 / 6 / 16

1) العُرف أقوى من القانون
منذ إعلان الاستقلال والمساواة بين جميع الرجال الذي وضعه الأمريكيون سنة 1776 لم يُحرَّر العبيد بل تأسس الإعلان على لوثة العنصرية بين الرجال البيض الذين تمتعوا بالحرية ،أما السود والهنود الأمريكيون اعتُبروا بشراً من نوع أدنى ،ولذلك لم يشاركوا في الحقوق المساوية للرجال التي دبجوها في الإعلان ، والغريب أن الكثير ممن وقعوا على إعلان الاستقلال والمساواة هم مالكوا العبيد ،لا أطلقوا عبيدَهم بعد التوقيع على إعلان المساواة ، ولاهُم اعتبروا أنفسَهم منافقين أو متناقضين ، بل اعتبروا أن لا علاقة أصلا للزنوج بحقوق الرجال.
أدت نهاية الحرب الأهلية الأمريكية في عام 1865 إلى إلغاء العبودية وإطلاق سراح ما يقارب من أربعة ملايين من العبيد، ولكن الفصل العنصري بقي مستقرا في العقل الأمريكي المريض .
وحين أسفرت الانتخابات الأمريكية 2008 عن صعود "باراكا أوباما " تنفست العديد من الأوساط الصعداء وقالت وداعا للعنصرية بصعود رجل أسود لقيادة أمريكا ، مع الزمن سينتبه العديد من الباحثين إلى أن العنصرية ليست مشكلَ قوانين وشعارات ودساتير بل القضاء عليها يقتضي القضاء على الصور النمطية التي تغذي هذه العنصرية إن لم يسعف الأمر القضاء على نمط رأسمالي متوحش.

2)غذاء العنصرية
الفظيع في العنصرية الأمريكية أنها ليست فقط كانت تصطاد السودَ في الشوارع وتشوه جثتهم وتنفذ أحكام الإعدام خارج القضاء ،وتختطف الأطفال وتبيعهم في الجنوب،الفظيع أن العنصرية الأمريكية ثاوية في الأغنية والأدب وقصص الأطفال وأسماء المطاعم والبطائق البريدية والأمثال الشعبية وفي المسرح والسينما والإعلانات والمسلسلات التلفزيونية وإعلانات المجلات وفي المعارض والمتاحف. العنصرية نظام يتغذى من قوالب نمطية ترسّخت عبر القرون ، تنتقل من جيل إلى جيل ، من الأم إلى الطفل ، وتحولت لما يشبه حقيقة بيولوجية لدى الرأسمالية البيضاء البروتستانتية الصهيونية .
القوالب النمطية التي تسكن العقل الأمريكي المريض ترى أن الأفارقة السود أشخاص بدائيون ،أكلة لحوم البشر،يعيشون في القبائل ويحملون الرماح ،يؤمنون بالسحر ويعبدون ساحرهم.
تذكر الطبعة التاسعة من الموسوعة البريطانية التي نشرت في عام 1884 بأن " العرق الإفريقي احتل أدنى مرتبة في المقياس التطوري ، مما يوفر أفضل المواد للدراسة المقارنة للأنواع البشرية"
الفنانون البيض لازالوا يعملون فوق خشبات المسرح على تسويد وجوههم بفِلّين محترق ،لتقمص شخصيا ت سوداء عريضة المنكبين وأفواه واسعة ،ويرتدون شعرا أسودا أشعثا للترفية عن مجتمع البيض. حين برع الأمريكيون الأفارقة في المرح و الرقص ظهر قانون يمنع رقص الأفارقة سُمي "اجمع قدميك إنك تسيء للرب" ،وحين ذاع صيت الأمريكيين السود في مجالي الرياضة والفن شنّ الإعلام حملة اتهام أن السود يُشغلون الشباب الأمريكي عن التحصيل المعرفي والأكاديمي . في عام 1906 عرضت حديقة حيوان في نيويورك رجلا أمريكيا من أصل أفريقي إلى جانب شمبانزي ليتفرج عليهم البيض ، بعد عدة سنوات عرض سيرك "رينجلنج رادرز" "الرجل القرد" وهو رجل أسود تم حبسه مع أنثى شمبانزي داخل قفص تم تدريبها على غسل الملابس .

3) العلم في خدمة العنصرية
أجرى بعض العلماء دراسات لتحديد المكان المناسب للأمريكيين الأفارقة داخل المجتمع الأمريكي ،وخلص العلماء بعد الاختبارات والقياسات إلى أن السود متوحشون للأسباب التالية : الطول غير الطبيعي للذراع ،وزن الدماغ 35 أوقية ،في المقابل غوريلا 20 أوقية ،أنف قصير مسطح،شفاه بارزة سميكة ،شعر قصير أسود وأشعث، أقل حساسية للألم ، نساؤهم أقل ألماً أثناء الولادة .
لحدود 1916 وبعد الاعتقاد بانتهاء العبودية ، كانت القدرة الفكرية للسود لا تزال موضع تساؤل ،كتب "لويس تيرمان" عن قياس الذكاء أن "الأطفال السود والأقليات العرقية غير متعلمين ،وغير قادرين على استيعاب لأساسيات التدريب ، ولن يؤدي أيُّ قدر من التدريس المدرسي إلى جعلهم أذكياء أو حتى مواطنين ،وينسب هذا القصور لدى الأطفال السود إلى المخزون المتأصل في الأسرة التي يأتون منها ،ولذلك يجب فصل هؤلاء الأطفال في مجموعات خاصة وأن يتلقوا تعليما محددا يجعل منهم عُمالا جادين ،كما يجب من وجهة نظر تحسين النسل عدم السماح لهم بالتكاثر لأنهم يشكلون خطرا بسبب هذا التكاثر الغزير"
المستعمرون الأنجلو ساكسون المعتنقون للمسيحية البروتستانتية الصهيونية هم من جلبوا وكرسوا هذه الصور النمطية حول السود ،هم من كرسوا في الإعلام والمسرح والسينما الصامتة والناطقة وأوساط العلماء والتلفزيون والرسوم المتحركة أن السود أغبياء ،شريرون ، كسلاء ،فقراء ، حيوانات ، غير متحضرين ، غير مسيحيين ، يعتقد المستعمرون البيض بشكل عام أن السود أقل شأنا من البيض، ساعدت هذه الأفكار على تبرير العبودية السوداء وإرساء العديد من القوانين التي تتغاضى باستمرار عن المعاملة اللاإنسانية وتُديم إبقاء السود في وضع اجتماعي واقتصادي أقل، عادة ما يتم تصوير السود على أنهم عبيد أو خدم يعملون في حقول قصب السكر أو يحملون أكوام كبيرة من القطن، في العديد من عروض الفودفيل (نوع مسرحي شعبي ترفيهي ) والرسوم المتحركة و الرسوم الساخرة تقدمهم على أنهم شخصيات حزينة و كسولة و ضعيفة الذكاء وعدوانية وفقط يجيدون الرقص .

4) صورة المرأة السوداء
كما تكرست صور نمطية لا تزحزحها القوانين وشعارات الحرية وحقوق الإنسان حول الذكور السود مثل "العم توم" و"العم كروز" ،تكرست قوالب نمطية حول النساء السوداوات الأمريكيات من أصل إفريقي مثل "المامي" و"جيميما" و"الياقوت" و"إيزابيلا" ،شخصية "المامي" رغم أنها نشأت في الجنوب إلى أنها أصبحت صورة نمطية سلبية في البلد كله ،"مامي" امرأة كبيرة ذات جلد أسود داكن ،وأسنان بيضاء لامعة ،ترتدي ثيابا مهلهلة ،ووشاحا على رأسها ،ذكورية في مظهرها ومزاجها ، بدينة ،لها حضن كبير خلافا لمعايير الجمال الأوربي ،ولا يُنظر لها ككائن جنسي ، "مامي" تعيش فقط لخدمة سيدها وتربية أطفاله وهي تحبهم أكثر من أمهم البيولوجية، هذه هي الصور التي كرسها الأدب والأفلام ولعل أبرز مثال لتكريس صورة نمطية سلبية للمرأة السوداء فيلم "ذهب مع الريح " الذي فاز بثمانية جوائز أوسكار،واختاره معهد الفيلم الأمريكي ليكون الرابع في قائمة الأفلام الأمريكية المائة الأفضل في القرن العشرين ،الفيلم الذي ينافس الكتاب المقدس في إجمالي المبيعات .
شخصية "الياقوت" رسخها مسلسل إذاعي بالراديو سنة 1926 وتحول لمسلسل تلفزيوني، يصور المسلسل "الياقوت" امرأة متسلطة وعنيدة ودائمة الشجار مع زوجها "كينجفيش" ،هي امرأة بطريركية تسيطر على زوجها الأبله مما يجعل الجمهور الأمريكي يغرق في ضحك هستيري مرَضي، أما شخصية "جميما" فهي شخصية مستنسخة من "مامي" الفرق أن "جميما" مختصة في طبخ الطعام فقط.
على خلاف شخصيات"المامي" و"جيميما" و"الياقوت" وهن نساء لا جنسيات فإن "إيزابيل" فهي فتاة سوداء زانية وفاسقة ،فتاة غير شرعية ،ذات بشرة فاتحة وشعر طويل ،يقترب جمالها من جمال النساء الأوربيات ،إيزابيل غير مهذبة تتكلم بصوت عال ،فتاة جذابة ومغرية للذكور البيض مما يبرر الاغتصاب والاعتداء اللذين تتعرض له الأمريكيات الإفريقيات وتحميلهن لوحدهن مسؤولية ما يقع لهن .

5) مأزق العنصرية
ولأن الصور النمطية تتحول إلى ما يشبه الاعتقادات أو الجينوم في علم الوراثة قد لا تُصدق رغم ما يشاع ويروج أن الأمريكيين من أصل إفريقي أقل استعمالا للتبغ والمخدرات والكحول من الأمريكيين البيض أو ذوي أصول إسبانية ،أثبتت الاستقصاءات الوطنية أن الأمريكيين من أصل أفريقي أقل عرضة للإصابة باضطرابات تعاطي المخدرات من نظرائهم البيض.
أول صورة نمطية سلبية ارتبطت بالسود هي القذارة والتلوث في حين أن السود رجالا ونساء هُم من يطبخون الطعام ويعملون على تربية الأطفال وتنظيف البيوت للأسر البيضاء،يمكن للأسود أن يطهي طعام الأسرة البيضاء ولا يمكنه الجلوس معه في نفس المائدة لتناول العشاء ،يمكن للسود دخول المنازل في أحياء البيض لتنظيفها أو إصلاح أعطابها ولكن لا يمكنهم شراؤها.
في لعبة كرة السلة التي اشتهر بها السود فإن الإعلام يركز على اللاعبين البيض وذكائهم وإتقانهم لهذه اللعبة.
يحاول الإعلام الأمريكي أن يزرع في أذهان الرأي العام أن الأفارقة لا يعانون من الفقر مُركّزاً على صور المشاهير وترواثهم في مجالي الرياضة والفنون التي تملأ لوحات الإعلانات والشاشات وجدران غرف النوم في حين أن خمسة من ملاكي أرض كباربيض يمتلكون أكثر ما يملكه جميع السود في الإمبراطورية الأمريكية (بالولايات المتحدة الأمريكية حوالي 40 مليون أمريكي إفريقي) .
تشير دراسة حديثة أجراها معهد الدراسات السياسية و التنمية الاقتصادية إلى أن الأسر السوداء المتوسطة ستحتاج إلى 228 سنة لمراكمة نفس مستوى الثروة الذي تمتلكه الأسر البيضاء اليوم لتصل لمستواها، هذه الهوة لن تغلق أبدًا إذا بقيت أمريكا على اختيارها الاقتصادية المتوحشة والعنصرية.
يشعر العديد من الباحثين والناشطين الاجتماعيين أن مؤسسات الأمة الأمريكية ملوثة بالعنصرية بشكل بنيوي،العنصرية تقصي جميع الألوان غير البيضاء عامة والسود بشكل خاص ،تضع العنصرية صعوبات كبيرة في الولوج لتعليم جيد وصحة جيدة مثلا في سنة 2013 أقل من 4 ٪ من حاملي الدكتوراه في العلوم والهندسة والصحة في الجامعات الولايات المتحدة هم من السود،في مجال الرعاية الصحية صدر تقرير"هيكلر" حول الوضع الصحي للأمريكيين الأفارقة يقول فيه إن فرصة وصول رجل أسود في "هارلم"إلى 65 سنة أقل من فرصة بلوغ رجل لنفس العمر في دولة "بنغلادش" وهي دولة من أفقر دول العالم ،وقد صدم التقرير الرأي العام الأمريكي حين أبرز أن متوسط العمر انخفض لدس السود بشكل غير مسبوق من سنة 1984 إلى 1989 على خلاف جميع العرقيات في أمريكا حيث إما أنها حافظت على متوسط العمر أو زادت ، السود أكثر تعرضا للموت المبكر من البيض ،أي ما يعادل نسبة وفيات البيض قبل 30 سنة،ومعدل وفيات السود بسبب أمراض القلب هو (321.3) من 100ألف شخص أمريكي وبهذا يتقدم السود في الوفيات على جميع المجموعات العرقية بما في ذلك سكان آسيا/جزرالمحيط الهادي (137.4)،الأمريكيين الهنود/ألاسكا الأصليين(178.9)، اللاتينيين (188.4) والبيض (245.6).
يتكرر نفس الأمر بتصدر الأمريكيين من أصل أفريقي المتوفين بمرض السكري (49.9)، سكان جزرأسيا/المحيط الهادي (16.9) ،الهنود الأمريكيون /سكان ألاسكا الأصليون (45.3)،اللاتينيون (36.3)،والبيض (22.1) .
ويتقدم السود كذلك بالموت بالسكتة الدماغية بنفس الترتيب (80.0)،(51.2)، (46.1)،(44.0)،(55.9)
حتى ارتفاع ضغط الدم يتقدم السود جميع العرقيات بنفس الترتيب (34.2)،(16.2)،(25.8)،(18.9) و (25.8)
كما يعرف الأمريكيون الأفارقة أعلى نسبة بطالة مقارنة بالإثنيات الأمريكية بنسبة 5،6 (سنة 2019 )
ولازال الأمريكيون الأفارقة يحصلون على أعلى معدلات الوفيات مقارنة بالأعراق الأخرى بسبب كوفيد-19 منذ بداية انتشاره إلى الآن : معدلات السود أعلى بشكل كبير في مقاطعة كولومبيا (ب6 أضعاف من البيض) ، كانساس (ب5 أضعاف من البيض ) ، ويسكونسن (ب5 أضعاف من البيض) ، ميشيغان (4 أضعاف من البيض) ، ميزوري (4 أضعاف من البيض) ، نيويورك (3 أضعاف من البيض) وساوث كارولينا (3 أضعاف من البيض).

مرت 52 سنة على اغتيال زعيم حركة الحقوق المدنية الأمريكي الإفريقي القس "مارتن لوثر كينغ " يقول ابنه "ستيف كليمونز مارتن لوتر كينغ" ما زلنا نقول للأمة عَامِلونا بكرامة واحترام مثل جميع البشر،في السنوات السابقة كان يتظاهر الآلاف في الشوارع ،أما الآن فالناس سود وبيض وملونون يتظاهرون في الولايات الخمسين كلها ، الكل يصرخ حياة السود مهمة ،هذا ظلم،هذا غير أخلاقي ما نعيش فيه.
يقول "كينغ" إن أحد أصعب الأوقات بالنسبة لي هي كيف أشرح لابنتي التي تبلغ 12 سنة كيف ولماذا قتل "فلويد" بتلك الطريقة الوحشية؟.
وأخيرا انتقل الغضب الأسود إلى أوربا ليُسقط تماثيل تجار العبودية في بريطانيا وأمريكا وبلجيكا ،
كتب عمدة لندن "صادق خان" "إنها حقيقة محزنة أن الكثير من ثرواتنا مستمدة من تجارة الرقيق ولكن هذا لا يجب الاحتفال به في أماكننا العامة"

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي