|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
حسين سالم مرجين
2020 / 3 / 3
من يُطالع أو يُتابع الأزمة الليبية الحاصلة منذ 2011م، فإنه قد يُدرك بأن أسبابها عديدة، وقد تكون متشابكة كما أصبح بعضها معقداً، وحيث إن المجال لا يتسع للحديث هنا على جُل تلك الأسباب، لذلك ارتأيت من المهم والمناسب الحديث عن أهمها حسب وجهة نظري، والتي تكمن في أزمة شخصية القيادة السياسية التي تُدير الدولة، فهي تشكل التحدي الكبير، وحتى نقرب المعنى أكثر، يمكن القول بأنه يكمن في مجال اختيار شخصية من يقود الدولة، وهذا التحديد لا يقصد به الإحراج أو التشهير لأي شخصية من الشخصيات التي لعبت دورًا في تلك الأزمة، إنما الهدف هو مراجعة الأزمة الليبية للبحث والكشف عن الحلول والمعالجات، ولتوضيح ذلك يمكن أن نشير هنا إلى أهم الركائز البنيوية الواجب توفرها في شخصية القيادة السياسية التي تقود الدولة، حيث يمكن حصر أهمها في التالي:
• يتوجب على أية شخصية قيادية تقود الدولة أن تضع خططها وتقديراتها بناءً على الشواهد والأدلة التي تراها بالبصيرة المتاحة، إضافة إلى امتلاكها الشعور والإحساس الوطني، ولديها المعرفة والدراية بقدرة شعبها على تحمل تكاليف إنجاز تلك الخطط.
• لا يصح أن تكون خطط وتقديرات تلك القيادة السياسية مكشوفة دون التأكد من وجود نظام حماية داخلي ضد أية تدخلات خارجية.
• من المتعارف عليه أن أية قيادة سياسية تمثل وتستند على قوى اجتماعية معينة، حيث تعمل تلك القوى على حماية شرعية تلك القيادة، وتعمل تلك القيادة في الوقت نفسه وبشكل حثيث نحو التأكد من كون القاعدة الاجتماعية للنظام السياسي لاتزال كما كانت، فهي مبرر بقائها في السلطة، وعلى هذا النحو يتوجب استمرار الصلة بين القيادة السياسية التي تتولى إدارة الدولة والقاعدة الاجتماعية.
• يتوجب أن تكون القيادة السياسية التي تقود الدولة مؤسسة قوية واحدة – وسلطة واحدة، وليس مجموعة قيادات، كل منهم يمتلك دويلة خاصة به.
• كل قيادة سياسية في أية دولة من الدول – تطلب لنفسها من شعبها فترة سماح كي يُتاح لها الإمساك بزمام الأمور لتنفيذ الخطط والمشاريع والآمال التي تريد طرحها وتنفيذها، ولكن عندما تتجاوز فترة السماح وتعقبها فترات سماح أخرى دون إنجاز حقيقي فإن الأمر بدون شك سيؤدي لا محالة إلى سقوط تلك القيادة، وهذا ما حصل للنظام السياسي السابق.
ونأتي الآن إلى تحليل تلك الركائز؛ بغية فهم ارتباطها بالأزمة الليبية، لعلنا نفهم دور شخصية القيادة في الأزمة التي تعيشها ليبيا حاليًا:
• إنه مهما اختلفت التفسيرات حول الحراك المجتمعي 2011م، والذي أدى إلى سقوط النظام السياسي السابق، فإن السبب الذي لا يحتمل الخلاف، وهو أن سقوط ذلك النظام يرجع إلى أزمة شخصية القيادة السياسية من خلال اعتقاد تلك القيادة حسبما أسماه الدكتور المنصف وناس "بامتلاك الفكر الأوحد والحق المطلق"، فلقد كانت الحياة في ليبيا أبان عهد القذافي صوتاً واحداً وعقلاً واحداً، حكماً فردياً – لرجل واحد يتخذ قراره بنفسه، والأهم من كل ذلك فإن طول البقاء في السلطة حوالي أربعين سنة ونيف مع القهر الشديد سواء بدعاوى الأمن، أو دعاوى الاستقرار عطّل وبشكل مقصود تواصل الأجيال في كل مناحي المجتمع.
• إن تجاهل القيادة السياسية للنظام السياسي السابق للحراك المجتمعي 2011م، وعدم تبصره بأسبابه ودواعيه، والمطلوب إنجازه كان يعكس في مضمونه عن أزمة شخصية القيادة التي شاخت في مواقعها، وهي لا تبصر ضرورات التغيير الواجب تنفيذها.
• لقد قبلت جل القبائل والمناطق والجماعات المسلحة بقيادة شخصية مصطفى عبد الجليل للدولة الليبية في مرحلة الحراك المجتمعي وما بعده، وهي تعلم جيدًا بأن تلك الشخصية لا تمتلك الركائز المطلوبة لتلك القيادة، في حين قامت الجماعات المسلحة المدعومة من قبل التيار الديني المتطرف باغتيال عبد الفتاح يونس، كونها تعلم بأنه ربما يمتلك ركائز القيادة، وربما سيكون المرشح الأقرب لقيادة الدولة في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق، كما أنها شخصية تمتلك قاعدة اجتماعية تؤهلها لقيادة الدولة الليبية.
• لم يستطع المؤتمر الوطني خلال مرحلة 2012م ،حل إشكال شخصية القيادة في جل اختياراته، وظل هذا الكيان يحمل معه بذور ضعفه وتهالكه، وخضع في تركيبته إلى قواعد التوزان القبلي والمناطقي، وأصبح هناك صراع خفي ومضمر وراء المجاملات المعهودة وجبر الخواطر، بالتالي فإن ما حصل من حرب أهلية سنة 2014م، والذي يبدو كمسألة طارئة لم يكن في الواقع سوى لون من تصاعد ذلك الصراع والناتج عن أزمة شخصية القيادة السياسية، أعتقد بأن النص ليس بحاجة إلى أيّ توضيح أو تفسير، كون ذلك ربما سيُحيد بنا عن مضمون الموضوع.
• لقد أصبحت شخصية من يُقود الدولة في مرحلة 2014م، تتمحور حول عرض الخدمات وتقديم العهود إلى الجماعات المسلحة والقبائل والمناطق المنتصرة مقابل ضمان الاستمرار في منصب القيادة الدولة، من ثم أصبحت الجماعات المسلحة – بشكل خاص- هي القوى الاجتماعية التي تستند عليها تلك القيادة السياسية كونها تحمي شرعيتها، وهي مبرر بقائها في السلطة، وهذا ما يؤكد مقولة بأن أحدًا لا يستطيع أن يستغل أحداً إلا من هو قابل للاستغلال.
يمكن الإلمام بالأزمة الليبية في مرحلة ما بعد 2011م، في كيفية التعامل شخصية القيادة السياسية مع القبائل والمناطق والجماعات المسلحة، ومعنى هذا ببساطة شديدة يكمن في من يأمر من؟ وهنا يتبادر إلى الدهن مقولة بأن المركب الذي يقوده ربان خائف لن يصل إلى وجهته، وبالتالي أصبحت ليبيا أقرب إلى تجمعات تضم عدداً من القبائل والمناطق والجماعات المسلحة يحكمها أحيانًا نوع من التناغم، إلا أن استمرار ممارسات هذا الانقسام انتهى ببعض قياداته إلى الاعتقاد بإمكان الاستغناء إحداها عن الأخريات، فأصبحت القبيلة أو المنطقة أو الجماعة تشكل وطناً لهم، وهذا الأمر أعاد ليبيا إلى العهد العثماني، ربما تكون الجملة أو العبارة مقتضبة لكنها أقرب للواقع المسكوت عنه.
خلال مرحلة ما بعد 2014م، والتي أدت إلى تدني الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في المجتمع الليبي، حيث فتحت السبيل بشكل كبير مما كان عليه ما بعد 2011م، أمام بروز شخصيات سهلة الانقياد، وتُقاد بشكل علني وواضح من قبل أطراف داخلية وأحيانَا أخرى خارجية.
عمومًا، فإنه من يحسن التأمل والتدبر يستطيع أن يدرك بسهولة أن ثمة علاقة وثيقة بين استمرار الأزمة الليبية وبين شخصية القيادة السياسية، لقد أصبح وجود مثل تلك الشخصيات في الأزمة الليبية ما يبكي وأحيانًا أخرى ما يضحك والأيام بينهما دول، فإذا بحثنا عن أسباب ذلك البكاء أو الضحك سنجدها قد تكون ذاتها !. إننا في حاجة إلى قيادات لديها الإحساس والشعور الوطني، وتستجيب للمطالب الداخلية أكثر ما تستجيب للمطالب الخارجية!.
إننا بحاجة إلى قيادات سياسية تمتلك خطط ومشاريع وطنية واضحة، فينجح لها مشروع فتعززه، ويفشل لها آخر فتعمل على وضع البديل له، وتفرض هيمنتها وسيطرتها على الأراضي الليبية، وأفضل بكثير مما هو مسلط علينا الآن، وعلى أيّ حال، وسواء قبل البعض أو لم يقبل بوجهة النظر هذه، فإنه من المؤكد بالنسبة لي بأن شخصية القيادة لعبت دورًا مهمًا فيما وصلت إليه الأزمة الليبية حاليًا، ولكن لكونه ربما كان تدريجيا فإنه لم يلفت الانتباه إليه، وأخيرًا قد يكون مفيدًا أن نشير بأن ليبيا لن تعقم إنتاج الشخصيات القيادية ذات الكفايات التي بإمكانها قيادة دفة الحكم بوطنية وجدارة، من أمثال حسونة الدغيس، وعمر المختار، وبشير السعداوي، كما ليس مبالغة القول إن الأزمة الليبية لا محالة إلى الحل، فلدينا اعتقاد راسخ بأن الاستسلام واليأس من إساءة الأدب إلى الله.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |