وباء كورونا أم وباء الفقر؟

الهيموت عبدالسلام
2020 / 3 / 1

1/ وباء كورونا كباقي الأوبئة التي عرفتها البشرية هو وباء لا دين له ولا مذهب ولا جغرافية ولا عرق ولا لون ، الضحايا التي يحصدها وباء كورونا والتي حصدتها الأوبئة السابقة لحدود الآن تنتمي للمسلمين وللمسيحيين ولليهود ولكل معتنقي الديانات السماوية والوضعية وللادينيين . - ضرب طاعون جستنيان الأمبراطورية البيزنطية بين عامي 541 و542 م وتحدثت التقديرات أن ضحايا هذا الطاعون أسفرت عن 100 مليون شخص التي شكلت آنذاك نصف الكرة الأرضية ،يعود سبب هذا الوباء لقوارض حاملة لبكتيريا ،وقد سافرت هذه الفئران على متن سفن تجارية في جميع أنحاء العالم مما ساعد على انتشار هذا الوباء من الصين إلى شمال إفريقيا وجميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط
- أما الطاعون الأسود فقد أودى بحياة 50 مليون شخص من سنة 1346إلى 1350 م ،تفشى المرض أولا في آسيا (كل دول الشرق الأوسط "المسلمة" تنتمي لآسيا) ،فقدت أوربا 60 ٪ من سكانها ولأن الإنسانية آنذاك لم تعرف سبب الوباء فقد اتهم المسيحيون اليهودَ بأنهم سمموا مياه الآبار،ونتيجة لهذا الاتهام قُتل الآلاف من اليهود واعتقد آخرون أن الوباء عقاب من السماء
- وهناك الطاعون الحديث الذي حصد 10 ملايين شخص بين 1894 و1903 ،والأنفلونزا الآسيوية التي أودت بحياة 2 مليون شخص ، وباء الكوليرا السادس الذي أودى بأكثر من 5 ملايين شخص ،ووباء الأنفلونزا الإسبانية الذي ضرب إسبانيا أول الأمر سنة 1918 فقد حصد حوالي 62 مليون شخص

2/ الفقراء ضحايا الأوبئة
يقدر "كريستوفر موراي " وزملاؤه الباحثون في تاريخ الأوبئة أن وباء الأنفلونزا الإسبانية قد أودى ب 96 ٪ من الفقراء والفئات ذوي الدخل المنخفض والمتوسط ، ويرى عالم الأوبئة الألماني "رودولف فيرشو " في دراسته سنة 1948 أن الأوبئة غالبا ما تصيب الفقراء بالدرجة الأولى وقد أثبت أن الفقر هو أحد العوامل الرئيسية للأشخاص المعرضين للفقر والأوبئة ، وقد صدر تقرير عن منظمة الصحة العالمية أن الفقر في إفريقيا يرتبط بزيادة احتمال الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (السيدا) الشيء الذي أكده العديد من الباحثين مضيفين أن الافتقار للثقافة الجنسية وارتفاع مستويات التفاوت الاقتصادي والاجتماعي تتسبب في التعرض للعديد من الأمراض والأوبئة إذ أن ضعف التعليم وضعف البنية التحتية للرعاية الصحية ونقص المياه النظيفة وسوء التغذية كلها حاضنة للأوبئة ومغذية انتشارها . ولم يعد هناك الآن أي شك في أن الانتشار الوبائي للتيفوس لم يكن ممكناً إلا في ظل ظروف الحياة البئيسة و الفقر الأمية في سيليزيا العليا (منطقة تاريخية بأوربا الوسطى )
عندما نقل الأوربيون وباء الجدري للأمريكتين فقد وصل عدد ضحايا هذا الوباء إلى 90 ٪ من السكان الأصليين في سنة 2014 حين تفشى فيروس الإيبولا في غرب إفريقيا وقتل أكثر من 11 ألف شخص بحلول 2016 قد ألقى الضوء على علاقة الفقر بالأوبئة وخلصت الدراسات والأبحاث إلى أن المنطقة التي انتشر بها فيروس الإيبولا كانت فقيرة جدا وتفتقر إلى البنيات الأساسية للرعاية الصحية اللازمة لمكافحة انتشارهذا المرض بوتيرة سريعة مما أدى إلى خطر حدوث وباء عالمي وإثارة مخاوف انتشاره في جميع أنحاء العالم وتشير تقارير الأمم المتحدة ذات الصلة أن مراقبة الأمراض هي الأضعف في البلدان الفقيرة لأن هذه البلدان تعاني من نقص في المختبرات ومن البنية التحية الصحية ومن إحصائيي الأوبئة ومن ضعف الاستثمار في البحث العلمي

3/ أوبئة أخرى
كثيرا ما يٌختزَل الحديث عن الأوبئة في الجدري والطاعون والكوليرا والملاريا والطاعون والأنفلونزا وغيرها وننسى أن 5 ملايين شخص يموتون كل سنة بسبب سوء الرعاية الصحية ، وهو العدد الذي يفوق 5 مرات عدد الوفيات بسبب فيروس نقص المناعة ،وبثلاثة أضعاف الوفيات الناتجة عن أمراض السكري ،ذكرت دراسة بمجلة "ساسنس دايلي" أن حوالي 4.5 ٪ من جميع الوفيات بالولايات المتحدة الأمريكية ناتجة عن عوامل مرتبطة بالفقر ، وفي سنة 2011 صدرت دراسة عن جامعة كولومبيا مفادها أن الوفيات المرتبطة بالفقر أكثر من الوفيات الناتجة عن أمراض السرطان وأمراض القلب ، ويعيش الأشخاص ذوو الدخل الأعلى في متوسط أطول بـ 6.5 سنوات من الأشخاص ذوي الدخل الأدنى، وأن معدل وفيات الأطفال الأمريكيين من أصل أفريقي في الولايات المتحدة هو ضعف معدل وفيات الأطفال البيض ،وأكد باحثون أن الأشخاص الذين يفتقرون إلى التعليم والذين ليس لديهم حتى شهادة الدراسة الثانوية هم أكثر عرضة للموت ، ويموتون في وقت أقرب من المتوسط ،وأن الأشخاص الذين ليس لديهم تأمين صحي أو عدم القدرة على الدفع مقابل الخدمات الطبية هم أكثر عرضة للموت ، ويموتون في وقت أقرب من المتوسط ،وأن الأشخاص الذين يعانون من البطالة أو الذين يعملون في وظائف ذات إجهاد مرتفع أو أجور منخفضة أو وظائف محدودة المدة هم أكثر عرضة للموت ، ويموتون في وقت أقرب من المتوسط ،وأن الأشخاص الذين يعيشون في حالات التوتر الشديد بسبب البطالة أو ظروف العمل السيئة يلقون نفس المصير، ووفقًا لـ "مركز السيطرة على الأمراض" يموت 675 شخصًا في المتوسط سنويًا في الولايات المتحدة نتيجة للحرارة الزائدة وغياب المكيفات الهوائية، ولا يستطيع نصف سكان العالم على الأقل الحصول على الخدمات الصحية.
وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ، فإن الضغوطات في مرحلة الطفولة المبكرة التي تتجاوز ما هو طبيعي للأطفال الرضع والأطفال الصغار (الإشارة عمومًا إلى الأطفال دون سن 5) مثل الإيذاء البدني والجنسي وحتى اللفظي "يمكن أن تؤدي إلى تعطيل نمو الدماغ المبكر وتعرقل عمل الجهاز العصبي والجهاز المناعي بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يؤدي هذا إلى مشاكل صحية في وقت لاحق من الحياة بما في ذلك إدمان الكحول والاكتئاب واضطرابات الأكل وأمراض القلب والسرطان والأمراض المزمنة الأخرى"
تعتبر العنصرية والتمييز كذلك عِللًا اجتماعية تقلل من قدرة الجهاز المناعي للشخص على العمل، إن التعايش مع الميز والعنصرية والفقر المدقع والبطالة والحرمان من جميع الحقوق الأساسية لحياة الإنسان يساهمون في الموت المبكر وتؤثر بشكل يومي على الصحة العضوية والنفسية للشخص .
إنه من الغباء فصل الأوبئة عن الفقر ، ومن الغباء تجاهل أن الكوارث الطبيعية والبشرية معظم ضحاياها فقراء ،ومن الغباء محاربة النتائج وتجاهل الأسباب ،يبدو أن محاربة الأوبئة تقتضي محاربة الفقر ،ومحاربة الفقر تقتضي محاربة الرأسمالية المتوحشة التي هي سبب كل الكوارث والأمراض والأوبئة ما خفي منها وما ظهر.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي