الدور الغربي في تأخير نهضة القارة الأفريقية!

آصف ملحم
2019 / 10 / 15

لم تنعم الدول الأفريقية، منذ استقلالها حتى الآن، بالأمن والسلام والاستقرار على الرغم من الموارد الهائلة والإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها؛ فما زالت الصراعات الداخلية والجريمة المنظمة والمجاعات والأمراض والفقر والإرهاب تنهش القارة السمراء وتعيق حركة تقدمها ونهضتها؛ إلى درجة أن السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، حذّر في السابع من تشرين أول الجاري من خطورة التهديدات الإرهابية على أمن القارة الأفريقية والعالم!
على هذه الخلفية لابد للباحث والمتابع من طرح مجموعة من الأسئلة البسيطة:
-ما هي الأسباب الحقيقية لكل ذلك، ومن يقف وراءه؟
-من هم أصحاب المصلحة الحقيقية في إبقاء القارة الأفريقية متأخرة عن ركب الحضارة؟
-لماذا أصبحت أغنى القارات مواردَ الأشد فقراً في العالم؟!
يبدو وضوحاً أن الإجابة على هذا الأسئلة تحتاج إلى عدة مقالات ودراسات، إلا أن التحليل العلمي القائم على مبدأ السببية ونظرية العوامل يستطيع إبراز الأسباب الرئيسية لتأخر القارة الأفريقية، سنحاول المرور على أهمها مع شرحٍ وافٍ لكل منها.
-سنبدأ بتحليل أثر تجارة الرقيق على تخلف القارة الأفريقية؛
لقد كان البرتغاليون في القرن الخامس عشر أول من استخدم الأقنان الأفارقة في الأعمال الزراعية، واستمرت أمواج الاسترقاق اللإنسانية والبربرية حتى نهاية القرن التاسع عشر. القسم الأكبر من الرقيق كان يتم نقلهم عبر الأطلسي إلى العالم الجديد، أما الباقي فكان يتم نقلهم عبر الصحراء الكبرى والبحر الأحمر والمحيط الهندي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والهند. لقد كان لتجارة الرقيق أثراً كبيراً على النمو السكاني للقارة الأفريقية؛ فوفقاً لبعض التقديرات لم يبلغ عدد سكان أفريقيا في عام 1850 سوى نصف العدد المتوقع بسبب هذه التجارة.
علاوة على ذلك، تميّز الاسترقاق في أفريقيا عن الأشكال السابقة له بالتمييز الإثني، حيث كانت هذه التجارة قاصرة على إثنيات معينة أو متشابهة، مما أدّى إلى آثار اجتماعية خطيرة، أهمها التقسيم الإثني. وللتقسيم العرقي انعكاسات خطيرة على الدولة؛ إذ يؤكد العديد من الباحثين أن التنوع الإثني هو عامل هام من أجل التماسك الاجتماعي وتطور المؤسسات والسياسات الوطنية ونوعية الحكومة[1]. فالدول التي شهدت تجارة متزايدة للرقيق كان التقسيم الإثني فيها أكثر حدةً مقارنة بالدول التي لم تعاني من هذه التجارة.
تؤكد العديد من الدراسات (انظر [2] على سبيل المثال) أن الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للفرد الواحد، في النصف الثاني من القرن العشرين، في الدول الأفريقية التي لم تكن تجارة الرقيق ناشطة فيها، أعلى منه في الدول الأفريقية التي كان معدل الاسترقاق كبيراً؛ أي أن الدول الأخيرة أكثر فقراً من مجموعة الدول الأولى. وهذه الفجوة الواضحة في دخل الفرد بدأت بالتشكل قبل الاستقلال واستمرت بالاتساع بعده حتى بعد مرور عدة عقود.
لقد أدت تجارة الرقيق إلى إضعاف سلطة الكثير من الدول، وبالتالي انهيارها بالكامل؛ إذ تم استبدال البنى والمؤسسات الحكومية بعصابات تجارة الرقيق، التي لم يكن في اهتمام زعمائها بناء الدولة وتطوير العمل المؤسساتي، بل انصب جل اهتمامهم على جني الأرباح السريعة من هذه التجارة!
-ننتقل الآن إلى تحليل أثر الاحتلال الغربي للقارة الأفريقية؛
علاوة على نهب ثروات وخيرات الدول الأفريقية، فلقد حاولت الدول الاستعمارية تغيير الوجه الحضاري والثقافي لأفريقيا، حيث أُنشأت المدارس بهدف تكريس قيم الثقافة الغربية، الأمر الذي أدّى إلى صدمات وتشوهات عقلية ونفسية. ولقد أكّد المحللون النفسيون لظاهرة الاستعمار أن المستعمرين بمحاولتهم استبدال (الدماغ الأصلي) بدماغ آخر مستورد ساهموا في تشويه وتدمير هذا الدماغ!
إضافة إلى ما سبق، ساهم الاستعمار الغربي في تفكيك الروابط الأسرية والقبلية وتغيير المعتقدات واللغات المحلية، الأمر أدّى إلى تآكل الثقافة الأفريقية.
فضلاً عن ذلك، جرّ الأوروبيون الأفارقة إلى حروبهم البينية، وخاصة الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهذا يعني أن الأفارقة حاربوا بعضهم البعض بشكل غير مباشر، الأمر الذي ترك انعكاسات لاحقة سلبية على العلاقات الأفريقية-الأفريقية.
من ناحية أخرى، ساهم الاستعمار الغربي في تكريس ظاهرة التمييز والتفرقة العنصرية، الأمر الذي أدّى خلق أمراض ونزاعات اجتماعية ونفسية كثيرة، وتعزيز الكراهية والحقد بين المكونات الاجتماعية المختلفة.
في ضوء ما تقدم، يبدو واضحاً أن ممارسات المستعمرين الأوربيين أدّت إلى ضياع الهوية الأفريقية وإضعاف قيم المواطَنة والانتماء، إلى درجة أنه ظهرت هويات مشوَّهة ومواطَنات فارغة كـ: أفريقي فرنسي، أفريقي انكليزي ... الخ؛ وهذا جميعه يعتبر عوامل مناوئة ومعيقة لقيام الدولة الوطنية.
-ونختم مقالتنا بدراسة الآثار السلبية للتدخلات الغربية الحالية في الدول الأفريقية؛
بالرغم من أن حقبة الاستعمار الغربي للقارة الأفريقية ذهبت إلى غير رجعة، فإن نهب الغرب لخيرات القارة الأفريقية ما زال مستمراً، إلا أن ذلك يتم بأساليب وطرق أكثر خبثاً ومكراً!
تؤكد بعض التقارير الاقتصادية (انظر [3]) أنه في عام 2015 تلقت القارة الأفريقية حوالي 161.6 مليار دولار، على شكل قروض وتحويلات شخصية و ومعونات ومنح؛ في حين أنه خرج من القارة الأفريقية حوالي 203 مليار دولار، على شكل أرباح للشركات العاملة في أفريقيا أو بشكل حركات غير مشروعة لأرس المال أو بسبب التكاليف المفروضة على القارة بسبب التغيرات المناخية.
يبدو بوضوح أن العالم يتنعم من خيرات القارة الأفريقية، في الوقت الذي تؤكد فيه بعض الدول أنها تقدم المساعدات المجزية للقارة، وهذه العبارة الأخيرة يكتنفها الكثير من المغالطات والتضليل.
في الحقيقة، ثمة طرق عديدة يتم فيهما سحب الموارد المالية من القارة الأفريقية، أهمها:
الأولى-التكاليف المفروضة على القارة الأفريقية لمواجهة التغير المناخي؛ والتي تقدر بحوالي 10.6 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى ذلك تم فرض حوالي 26 مليار دولار سنوياً على القارة الأفريقية بسبب الصناعات التي تؤدي إلى انبعاثات كربونية، مع العلم أن الاقتصادات الأغنى هي المسبب الأكبر في التغير المناخي وهي من تساهم بشكل أكبر في الانبعاثات الكربونية.
الثانية- يتم عادة تصدير المنتجات الزراعية الأفريقية بشكل طازج، وبإسعار منخفضة، أما عمليات التصنيع أو نصف التصنيع المختلفة فتجري خارج القارة الأفريقية، وهذا يعني أن الهامش الحقيقي للربح يتم تلقيه في بلدان أخرى ويحرم منه المنتِج الحقيقي.
الثالثة-عمليات التهرب الضريبي التي تمارسها الشركات متعددة الجنسية العاملة في أفريقيا؛ حيث تتم سرقة المليارات من جيوب المواطنين الأفارقة بسبب غياب الإجراءات الرادعة للحد من التهرب الضريبي. وفي هذه النقطة تحديداً تتحمل الحكومة البريطانية القسط الأكبر من المسؤولية لأنها تجلس على رأس شبكة عملاقة من الملاذات الضريبية الأجنبية. والحقيقة أن البلدان الغربية الغنية الأخرى تفشل في تقليص عمليات التهرب الضريبي لشركاتها متعددة الجنسيات.
الرابعة-إصرار العديد من البلدان الغربية في فرض الضرائب المنخفضة على الشركات العاملة في أفريقيا بحجة التشجيع على الاستثمار في أفريقيا، وهذا يؤدي إلى انخفاض العوائد الناجمة عن هذه الاستثمارات.
بناءً على ما سبق، يبدو بوضوح أن الدول الغربية لعبت وتلعب الدور المحوري في تكريس تخلف القارة الأفريقية، فهي على ما يبدو ما زالت تنظر إلى الدول الأفريقية نظرة المستعمر المتعالي؛ فعلى الرغم من انتهاء الحقبة السوداء البغيضة للاستعمار، وانتهى تفاخر الكتاب الانكليز بالامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، إلا أن ما يؤسف له حقاً أن المواطن الغربي يتفاخر بالتاريخ الاستعماري لبلاده؛ ففي استطلاع للرأي حول الاستعمار البريطاني، أكد حوالي 44% من المستطلَعين أنهم فخورين بالاستعمار البريطاني [4]؛
وهذه النتيجة مدعاة للتأمل لكل ذي لبٍ وفطنة!
المراجع
1-Alesina, Alberto, Arnaud Devleeschauwer, William Easterly, Sergio Kurlat, and Romain Wacziarg, “Fractionalization” Journal of Economic Growth, 8 (2003), 155–194.
2-Nathan Nunn “The Long Term Effects of Africa Slave Trades” The Quarterly Journal of Economics, February 2008, 139-176.
3-Mark Curtis and Tim Jones “Honest Accounts 2017: How the world profits from Africa’s wealth”, 2017. Link: https://mronline.org/2017/05/25/honest-accounts-2017-how-the-world-profits-from-africas-wealth
4-Link: https://yougov.co.uk/topics/politics/articles-reports/2016/01/18/rhodes-must-not-fall

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي