|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد حسين الداغستاني
2019 / 8 / 18
ليس بقصد التكرار الإشارة الى إعلان الأمم المتحدة الخاص بحقوق الأشخاص المنتمين إلى (أقليات) دينية أو أثنية أو لغوية ... والذي يتحدث عن مسؤولية الدول عن صون الهويات الخاصة ضمن إطار التنوع الثقافي المكون للنسيج الوطني ما يقتضي حمايتهم والمحافظة على حقهم في الوجود وفق منظومتهم الثقافية ، لكنه من باب التأكيد على أهمية العمل الدؤوب من أجل تفعيل الأنشطة والمبادرات التي شهدها العراق في فترات زمنية متقطعة حول موضوعة توفير الفرص اللازمة أمام (الأقليات) للتعبير عن نفسها في واقع وجودها الجغرافي والمجتمعي دون تعسف أو إبتزاز أو إختلاق عمليات إرهابية تطالها بين آونة وأخرى لكتم تطلعاتها المشروعة أو التشكيك بإنتمائها الوطني !
والواقع أنه لا يجب أن تكون التعددية القومية أو الدينية سبباً في التناحر والتهميش والظلم الإجتماعي بين المكونات ، فليس هناك أوطان كثيرة تتسم بقومياتها المتجانسة أي أنها تضم شعباً واحدا أو تضم أقلية ضئيلة العدد مثل اليابان والبرتغال وحتى بريطانيا التي تضم أكثرية إنجليزية وأقليات اسكتلندية وويلزية فل ، أو سويسرا التي تضم أربعة شعوب وهكذا ، فبلدان العالم الأخرى تعج بالقوميات والأديان والطوائف لكنها في أغلبها لا تعاني مما نعاني نحن منه في بلادنا .
العصبية الدينية أو القومية
ففي العراق وللأسف الشديد وطيلة الأعوام التي أعقبت العام 2003 لا تزال العصبية الدينية أو القومية تمارس دورها السلبي على حياة المواطن وقد تجاوز عدد ضحايا العمليات العسكرية والعنف الأهلي والإحتراب الطائفي بسبب هذا المسلك منذ ذلك الحين أكثر من مليون ونصف مليون عراقي وفق إحصائيات صادرة عن مؤسسات دولية محايدة تؤكد أن العراق فقد حوالي 3% من نسبة سكانه. فضلاً عن مغادرة الملايين لجغرافيتهم التأريخية بحثاََ عن ملاذٍ آمن في مخيمات متهالكة أو ملاجئ مغلقة أوأبنية تفتقر الى أبسط مقومات الحياة الكريمة .
لقد أدركت القوى الاجتماعية الفاعلة في كثير من البلدان خطورة هذا العامل على تماسك مجتمعاتها ، وتفتيت نسيجها الوطني فنظمت الكثير من الفعاليات الفكرية والجمعية الهادفة الى التحذير من الوقوع في هذا المنزلق الخطير ، ومنها مؤتمر الأزهر المنعقد في نهاية شباط الماضي في القاهرة حيث شدد في إعلانه على تلاقي المسلمين والمسيحين على جملة من المعطيات، منها المسؤولية الوطنية المشتركة بين الجميع على أساس المواطنة ورفض إستخدام مصطلح (الأقليات) الذي يعني التمييز، وتوزع الولاءات ، ومشروعية التبعية للمخططات الخارجية.
وعلى الرغم من أن الدستور العراقي لم ينص على توزيع السلطة وفقاً للمكونات القومية أو الدينية لكن الممارسات الفعلية تتتناقض مع هذا المفهوم و تنعكس بشكل حاد على واقع المناهج الدراسية بمختلف المراحل الدراسية في العراق أيضاََ فلا تكاد تمر دورة إنتخابية جديدة، أو عند تغيير وزيرٍ للتربية أو للتعليم العالي دون أن يبادر الى إجراء تغييرات جزئية أو جذرية على بعض الكتب والمناهج لكي تتوافق مع إرادة الأغلبية البرلمانية أو الوزارة ذاتها، مما يؤدي الى تحميل موازنة الدولة كلفاََ مالية طائلة، وتلقي على كاهل الطلبة وأولياء أمورهم أعباءً جديدة فضلاً عن أن التغييرعادة يستهدف تغييب دور مكونات معينة في المسيرة التنموية والحضارية للبلاد أو التقليل من شأنها على حساب مكونات معينة اخرى تهيمن على مقاليد السلطة في البلاد .
قواعد ومعايير
لقد تطرقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" - التي تتولى مسؤولية وضع القواعد والمعايير ودعم الجهود لضمان إمتثال الكتب المدرسية للمعايير المعتمدة في شتى المجالات بما فيها التمييز والتحيز وحقوق الانسان والاحترام المتبادل - في تقاريرها الى واقع قطاع التعليم العراقي المؤسف ، ففي حين كان يعد من الأكثر تطوراً بين الدول العربية خلال الثمانينات من القرن الماضي، نجدهُ اليوم وبعد أقل من ثلاثة قرون من الحروب المتواصلة والظروف السياسية المتقلبة والوضع الأمني المستمر في التدهور، يعاني من ضعف بنيوي وخلل نوعي خطير.
ولكارثية إنعكاسات واقع تغيير المناهج الدراسية السلبي على الاجيال والمجتمعات فقد بادر المختصون في بلادنا عبر العديد من الفعاليات الى المطالبة بتحقيق العدالة والإنصاف وإحترام الآخر من خلال تضمين المناهج قضايا ذات العلاقة بالطيف العراقي والنوع الإجتماعي ، وهذا ما تناولته بالتفصيل الورشة التي عقدها تحالف الأقليات العراقية في اربيل في نيسان 2012 وكذلك ندوة كلية الإعلام في جامعة بغداد المعنونة (إدخال قضايا الأقليات في المقررات الدراسية لكليات الإعلام في العراق) نهاية شهر كانون الأول من العام الماضي بمشاركة مهمة من المختصين والباحثين وممثلين عن كليات وأقسام الجامعات العراقية منطلقة من حقيقة إعتبار العراق (فسيفساء من الطوائف والأديان والقوميات والعرقيات والاثنيات مما يستوجب ذلك تثقيف الأجيال بهذا الطيف الذي أنجبه العراق منذ وجود الإنسان على أرضه ) .
لاشك أن الإلتفات الى أهمية وضرورة تفعيل مقاصد إقرار حصة عادلة عن العادات والتقاليد والتطلعات المشروعة ضمن الوطن الواحد لكل المكونات الوطنية وتأريخها على الأرض العراقية ومساهماتها في حضارة وادي الرافدين وبناء الدولة العراقية الحديثة في المناهج الدراسية للمراحل كافة وخاصة للمواد (اللغة العربية والتأريخ والجغرافية والتربية الوطنية ) ستوفر أرضية صلبة أمام المواطن عامة والنشئ الجديد بالخاصة في التعامل بيسر مع التحديات السياسية
و الإجتماعية التي تعصف بإستقرارنا ومستقبل بلادنا وترسخ القيم الإنسانية الرفيعة بإعتبارها المكونات الأصلية للوطن .
إن تطوير المناهج الدراسية عبر التأكيد على سمات المكونات القومية والدينية للعراقيين فيها وحث طلبة المدارس وتنظيم زيارات لا صفية مبرمجة لهم إلى المتاحف والمواقع الاثارية الحضارية هي الوسيلة المثلى بإتجاه توحيد جميع المكونات في بودقة واحدة تحرص على التواصل مع تأريخه المشرق، وتحتكم للقانون وتلجأ الى الدولة التي هي صاحبة الشأن في أي مجتمع ديمقراطي رصين ، وتقود الى بناء هوية وطنية مشتركة .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |