|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
خليل إبراهيم كاظم الحمداني
2019 / 5 / 23
يعقد مجلس حقوق الانسان دورته الاعتيادية الحادية والاربعين للفترة من 24/حزيران لغاية 12 تموز 2019 وعلى طاولة البحث جملة من القضايا المتنوعة وضمن برنامج العمل المعتاد .. ومما اثار انتباهنا التقارير التالية لنظام الاجراءات الخاصة سنتعرض لها بشكل موجز لأهميتها :
- التقرير الاول : تحت البند الثالث من جدول الأعمال ( تعزيز وحماية جميع حقوق الانسان المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية بما في ذلك الحق في التنمية) يقدم السيد فيليب الستون ( استراليا ) المقرر الخاص بمسألة الفقر المدقع وحقوق الانسان تقريره ( 1 ) عن زيارته الى المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية للفترة من 5-16 تشرين الثاني نوفمبر /2018.اشار المقرر الخاص في موجز الورقة التي سيتم مناقشتها فى اروقة المجلس ضمن الدورة 41 الى انه ( و بالرغم من ان المملكة المتحدة هي خامس اضخم اقتصاد في العالم فإن خُمُس سكانها ( 14 مليون شخص ) يعيشون في فقر بل عاش في عوز 1,5 مليون منهم في عام 2017 ومازال العمل مستمرا دون انقطاع يذكر بسياسات التقشف التي بدأ تطبيقها في عام 2010 رغم ما ترتب على تلك السياسات من آثار اجتماعية كارثية ومن المتوقع بحلول عام 2021 ان يصبح قرابة 40% من الاطفال يعيشون في فقر وقد تكاثرت بنوك الأغذية وزادت كثيرا حالات التشرد وأعداد من ينامون في العراء وباتت عشرات الآف الأسر الفقيرة مضطرة للعيش في أماكن بعيدة عن مدارس اطفالها واماكن عملها وبعيدا عن روابطها الأهلية وتراجع متوسط العمر المتوقع بالنسبة لبعض الفئات ودُمَر نظام المساعدة القانونية باكمله ، وتضررت كثيرا شبكات الأمان الاجتماعي من التخفيضات الكبيرة في ميزانيات السلطات المحلية التي اضطرت الى قطع الكثير من الخدمات الاجتماعية والحد من الخدمات الشرطية وإغلاق المكتبات باعداد قياسية وتقليص المراكز الشبابية والأهلية وبيع الأماكن والمباني العامة . وخلاصة القول ان المادة اللآحمة للمجتمع البريطاني منذ الحرب العالمية الثانية قد ازيلت عمدا في جلَها واستعيض عنها بمنظومة اخلاقية قوامها القسوة وعدم الاكتراث ولم يفلح ازدهار الاقتصاد والاتفاع العمالة ووجود فائض في الميزانية في عكس تيار التقشف الذي تطبق سياساته نهجا ايديولوجيا اكثر مما هي برنامج اقتصادي .
- التقرير الثاني : تحت البند التاسع من جدول الاعمل ( العنصرية والتمييز العنصري وكره الاجانب وما يتصل بذلك من أشكال التعصب ومتابعة وتنفيذ إعلان وبرنامج عمل ديربان) وتحت عنوان ( محاربة تمجيد النازية والنازية الجديدة والممارسات الاخرى التي تساهم في إثارة الأشكال المعاصرة من العنصرية والتمييز العنصري وكره الاجانب وما يتصل بذلك من تعصب ) ستقدم المقررة الخاصة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الاجانب وما يتصل بذلك من تعصب السيدة تندايي أشيومي ( زامبيا ) تقريرها ( 2 ) الذي يتضمن معلومات محدثة عن اتجاهات ومظاهر تمجيد النازية والنازية الجديدة والأيولوجيات المتصلة بهما وتحليلا من منظور حقوق الانسان للجهود التي تبذلها جماعات النازيين زالنازيين الجدد المعاصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة لتجنيد الشباب وتغذية نزعة التطرف فيهم.. ولدى استعراض بعض البلدان اشارت المقررة الخاصة الى انه ( في الولايات المتحدة الامريكية اشارت تقارير موثوقة الى زيادة بنسبة 30% في عدد الجماعات المحرضة على الكراهية منذ عام 2014 على ان سنة 2018 وحدها سجلت زيادة بنسبة 7% ويفيد تعداد بتحديد 1020 منظمة تحرض على الكراهية في الولايات المتحدة الامريكية (3) واوردت مجموعة معنية بالرصد زيادة نسبتها 182% في احداث الدعاية لتفوق العرق الابيض في الاولايات المتحدة ، إذ أُبلغ عن 1187 حالة في عام 2018 مقابل 421 في عام 2017 وتتضمن الدعاية لتفوق العرق الابيض في الغالب عنصر التجنيد وإشارة الى الفئات التي تعرضت للتمييز على مر التاريخ مستخدمة إما لغة مبطنة عن تفوق العرق الابيض او صورا وعبارات عنصرية صريحة وتسببت جماعات النازيين الجديد وغيرها من الجماعات المتطرفة المدافعة عن تفوق العرق الابيض في مقتل ما لايقل عن 40 شخص في كندا والولايات المتحدة عان 2018.
وتلقت المقررة الخاصة تقارير (مزعجة) عن ارتكاب جماعات تروج ايويولوجيات النازية الجديدة والفاشيبة جرائم بدافع كره الاجانب ومعاداة السامية في اوربا وتلقت ايضا تقارير عن احداث شملت مظاهرات تمجد النظامين النزي والفاشي السابقين في اوكرانيا وبلجيكا وبلغاريا وسويسرا و كرواتيا وليتوانيا والنمسا فضلا عن اقامة نصب تذكارية واعادة تسمية شوارع تمجيدا لقادة نازيين او فاشيين سابقين.ان الارقام التي توردها السيدة المقررة الخاصة صادمة في اغلبها حيث ذكرت ان مظاهر جماعات النازيين الجدد والجماعات المتطرفة المتصلة بها والاعتداءات العنيفة التي ترتكبها ما فتئت تتزايد في اوربا منذ عام 2-11 وبلغ عدد الأشخاص المقبوض عليهم بتهمة ارتكاب جرائم مرتبطة باليمين المتطرف في عام 2017 حوالي ضعف مثيله عام 2016 وفي الولايات المتحدة ارتكب المتطرفون اليمينيون 71% من افعال القتل المرتبطة بالتطرف في الفترة بين عامي 2008 و 2017.
وفي فقرة اخرى اشارت المقررة الخاصة الى ان الموسيقى تؤدي دورا هاما في ما تتبعه جماعات النازية الجديدة والجماعات المتصلة بها المحرضة على الكراهية من استراتيجيات تغذية نزعة التطرف والتجنيد . في الثمانينات من القرن الماضي اتاحت الموسيقى والحفلات الموسيقية التي تعلي من شان قوة البيض ( ارضا خصبة لجلب مجندين جدد محتملين ) ولا تزال موسيقى قوة البيض عنصرا اساسيا من عناصر الدعاية للنازية الجديدة وكثيرا ما تحرص على الكراهية والعنف ضد جماعات عرقية واثنية ودينية محددة ، ففي تموز 2018 مثلا جمع مهرجان ( Rock gegen Uberfremdung ) ( موسيقى الروك ضد هيمنة الاجانب ) اكثر من 6000 نازي جديد وهو احد اكبر حفلات موسيقى قوة البيض التي نظمت في المانية على الاطلاق.
وذكرت المقررة الخاصة الى قيام الجماعات المحرضة على الكراهية باستغلال عالم الالعاب كاسلوب جديد لأستهداف اعضاء محتملين بمن فيهم اطفال لاتتجاوز اعمارهم 13 عام والعاب الفديو ومنتديات الالعاب وغرف الدردشة ومواقع البث التدفقي الحي ( يوتيوب او تويتش مثلا) هي من اكثر الفضاءات شعبية للتجنيد في صفوف النازية الجديدة وتغذية نزعة التطرف.وفي معرض تناولها لأسباب هذا التوجه لدى العديد من الشباب اشارت الى ان الاتباع النموذجين لجماعات النازية الجديدة او الجماعات المحرضة على العنف هم عاد ة شبان بيض ويشكل الدين والطبقة الاقتصادية والتعليم والوضع الاجتماعي عوامل بارزة ايضا. وان لا احد يولد بسمات شخصية تحدد ميله الى التطرف اوالارهاب اضافة الى جملة من العوامل الاجتماعية تشكل حافزا مضافا يغذي هذا التوجه كالفقر والافتقار الى التعليم وفرص العمل والمهارات التقنية والدعم الاسري والعزلة واختلال العلاقات الاسرية .. واشارت بحوث عديدة في هذا الاطر الى ان السلوك المتطرف تحدده العوامل الظرفية الاجتماعية لا السمات الشخصية وتنعكس عوامل مثل تشكيل الهوية الاجتماعية والتطبع القافي والتاثير الاجتماعي والضغط المعياري الناتج عن الانتماء الى مجموعة انعكاسا شديدا على الافراد الضعفاء نفسيا . واشارت المقررة الخاصة الى عوامل اخرى كعدم تحقيق بعض الاحتياجات النفسية يحفز الشباب في كثير من الاحيان للبحث عن المواساة بالانضمام الى جماعات متطرفة عنصرية والحاجة الى الانتماء هي من ابسط احتياجات الانسان النفسية ويمكن ان يدفع البحث عن الانتماء والعيش وسط الجاعة واعطاء مغزى للحياة الشباب الى الانضمام الى الجماعات المتطرفة العنيفة ويمكن ان تتيح هذه الجماعات ايضا لأولئك الشباب شعورا بالأمان بما في ذلك الحاية من تسلط او مضايقة الاقران. وتزداد الاحتمالات اكثر للشباب عنددما تعترضهم صعوبات في تلبية حاجتهم الى المراقبة والمغزى واليقين فعندما ينتاب الشخص شك في وضعه او حياته او هويته على سبيل المثال يميل على الارجح الى الانجذاب نحو جماعات المحتجين المتطرفين ودعم السياسات الحكومية الانتقامية والعدوانية ازاء الجماعات الخارجية ويكون اكثر استعدادا لأتيان تصرفات اجتماعية متطرفة اضافة الى ان البعض ينضم الى الجماعات الخارجية بحثا عن المغامرة او بسبب الحاجة الى الشعور باهميته الشخصية واعطاء معنى لحياتهم واثبات قيمتهم لأنفسهم ولغيرهم كما ان عوامل نفسية تتعلق بالطفولة قد تكون عوامل مساعدة للأنضمام الى هذه المجموعات ومن ذلك المعاناة من الاحوال المعيشية السلبية والاعتداء البدني في مرحلة الطفولة والاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولةوالمراهقة والاهمال العاطفي والبدني وحبس الوالدين وتخلي الوالدين عنهم ومشاهدة عنف خطير وتفكك الاسرة . واشارت المقررة الخاصة الى الاطار المعياري للتعامل مع قضايا التطرف وكراهية الاجانب ...الخ والمتمثلة بالاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري واعلان ديربان وخطة عمل الرباط . وقدمت المقررة الخاصة في ختام تقريرها مجموعة من التوصيات للحد من التطرف وكراهية الاجانب .
- التقرير الثالث : ( حقوق الإنسان والتضامن الدولي )هذا هو عنوان تقرير الخبير المستقل المعني بحقوق الإنسان والتضامن الدولي السيد ابيورا اوكافور ( نيجيريا ) يحمل التقرير الرقم A/HRC/41/44 وسيتم عرضه ضمن البند 3 من جدول الأعمال (تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في التنمية) ويتناول الخبير المستقل، في هذا التقرير، مسألة الامتثال بموجب كل من القواعد العامة للقانون الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في حالة تجريم وقمع الناشطين في مجال حقوق الإنسان والجهات الفاعلة الإنسانية الأخرى الذين يظهرون تضامناً مع المهاجرين واللاجئين بمساعدتهم على الحصول على إمكانية التمتع بحقوق الإنسان الأساسية المكفولة لهم. وتناقش القوانين والممارسات المحلية والإقليمية التي تجرم أو تقمع التعبيرات عن هذا النوع من التضامن وسلوك قسم من المجتمع المدني يقوم بقمعها، ويجري تحليلها في ضوء القواعد العامة ذات الصلة من القانون الدولي ومعايير وقواعد القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان
- وعرض في هذا الاطار ما اسماه بجرائم التضامن (ص 3) والتي حددها بـ
1. قمع وتجريم من يقومون بعمليات إنقاذ إنسانية للمهاجرين غير النظاميين المعرضين لخطر الموت في البحر
2. مقاضاة أو قمع العاملين في المجال الإنساني الذين يقدمون المساعدة إلى مهاجرين غير نظاميين لدخول بلد ما (بما في ذلك نقلهم إلى الحدود)
3. مقاضاة أو قمع العاملين في المجال الإنساني الذين يقدمون المساعدة إلى المهاجرين غير النظاميين بنقلهم داخل بلد ما
4. مقاضاة أو قمع العاملين في المجال الإنساني الذين يقدمون ضروريات الحياة للمهاجرين غير النظاميين
5. مقاضاة أو قمع العاملين في المجال الإنساني الذين يؤجرون مساكن لمهاجرين غير نظاميين
6. مقاضاة الهيئات الدينية والمنظمات غير الحكومية وغيرها ممن يوفر سكناً أو ملاذاً آمناً للمهاجرين غير النظاميين
7. مقاضاة أو قمع المحامين الإنسانيين الذين يقدمون المشورة القانونية إلى المهاجرين غير النظاميين
8. معاقبة المدن التي توفر ملاذاً آمناً للمهاجرين غير النظاميين
9. مقاضاة أو تخويف العاملين في المجال الإنساني وغيرهم ممن يشاركون في الاحتجاجات في الشوارع تضامناً مع المهاجرين غير النظاميين أو يدعمونها
10. التهديد بمقاضاة أو ترحيل أو قمع من ينظمون حملات نيابة عن المهاجرين غير النظاميين أو يتكلمون دعماً لهم (أو اتخاذ مثل هذه الإجراءات فعلياً)
11. مقاضاة أو قمع الأشخاص الذين يشاركون في احتجاجات على متن الطائرات تضامناً مع المهاجرين غير النظاميين الذين على وشك أن يرحلوا أو يدعمونها.
- ثم تناول الخبير المستقل في تقريره القوانين والسياسات والممارسات الإقليمية التي تجرم أو تقمع تقديم المساعدة الإنسانية إلى المهاجرين أو اللاجئين غير النظاميين وحددها بصكين اقليميين في اوربا ومثلهما في آسيا ، ففي اوربا صدر توجيه المجلس الأوروبي 2002/90/EC المؤرخ ٢٨ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٢ الذي يعرف تسهيل الدخول والعبور والإقامة غير المرخص بها، والذي كانت قد اعتمدته جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بحلول عام ٢٠٠٧ . والصك الثاني هو قرار المجلس الأوروبي الإطاري رقم 2002/946/JHA، المؤرخ ٢٨ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٠٢، بشأن تعزيز الإطار الجنائي لمنع تسهيل الدخول والعبور والإقامة غير المرخص بها. ويكمل القرار التوجيه 2002/90/EC، ويطلب إلى الدول الأعضاء أن توقع عقوبات جنائية فعالة ومتناسبة ورادعة على انتهاكات التوجيه. ويفترض أن تشمل هذه التدابير مصادرة وسائل النقل المستخدمة لارتكاب الجريمة وحظر الممارسة المباشرة أو غير المباشرة للنشاط المهني الذي ارتكبت في إطار ممارسته الجريمة، أو الترحيل. وتكمِّل هذه القوانينَ مجموعة من وثائق السياسة العامة ذات المنحى المشابه ولكن غير الملزمة، منها استنتاجات المجلس الأوروبي بشأن تهريب المهاجرين الصادرة في آذار/ مارس ٢٠١٦ وخطة عمل الاتحاد الأوروبي بشأن تهريب المهاجرين (٢٠١٥٢٠٢٠)، اللتين اقتُرحت في كلتيهما تدابير تفضي إلى قمع تقديم المساعدة الإنسانية إلى المهاجرين غير النظاميين.
- وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ، يقول الخبير المستقل ( يبدو أن وثيقتين إقليميتين للسياسة العامة على الأقل أسهمتا إسهاماً كبيراً في قمع وتجريم من يقدمون المساعدة للمهاجرين غير النظاميين، بمن فيهم من يفعلون ذلك لأسباب إنسانية. وقد تم تنفيذ هذين الصكين في العديد من الدول في المنطقة . ويشجع إعلان بانكوك الخاص بالهجرة غير النظامية لعام ١٩٩٩ الدول المشاركة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على تجريم الهجرة غير النظامية وتهريب البشر، والمعاقبة على هذا الأخير، سواء كان ذلك من أجل الكسب المالي أم لا. وفي عام ٢٠١٥، اعتمدت رابطة أمم جنوب شرق آسيا إعلان كوالالمبور بشأن حركة الأشخاص غير النظامية في جنوب شرق آسيا، الذي يدعم أيضاً الاتجاه نحو تجريم تهريب البشر، لكنه لا يقيم أي تمييز واضح بين التهريب من أجل الكسب المالي وبين تقديم المساعدة الإنسانية للمهاجرين غير النظاميين من أجل دخول بلد معين أو البقاء فيه).
- واشار الى قمع التضامن مع المهاجرين واللاجئين من جانب قسم من المجتمع المدني حيث انخرط أقصى اليمين أو العناصر المتطرفة الأخرى من المجتمع المدني، في العديد من مناطق العالم، في تعبئة جماعية وفي مواجهات جماعية وممارسات أخرى سعت، أو أدت، إلى تخويف أو إيذاء من يقدمون المساعدة الإنسانية إلى المهاجرين غير النظاميين. كما أُعرب عن "تضامن منكوس" مقلق ضد النزعة الإنسانية في سياق الهجرة العالمية. ومعظم هذه التعبيرات عن هذا النوع من "التضامن ضد النزعة الإنسانية" أتى من مجموعات أقصى اليمين، واليمين البديل، والقوميين البيض، وغيرها من المجموعات المتطرفة. فعلى سبيل المثال، التقطت مجموعة ’الدفاع عن أوروبا‘ وغيرها من مجموعات أقصى اليمين السردية الزائفة عموماً بأن الجهات الفاعلة في المجال الإنساني ضالعة في الاتجار بالبشر في أنحاء البحر الأبيض المتوسط، وأطلقت في تموز/يوليه ٢٠١٧ دوريات بالزوارق ترمي إلى التعطيل الفعلي لعمل العاملين في المجال الإنساني).وفي اطار تحليله للقانون الدولي لحقوق الانسان ذات الصلة بموضوع تقديم المساعدة للأجئين اشار الى ان الاطار الناظم يتمثل في العديد من القواعد الراسخة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تحظر بدورها أو على الأقل تقيّد بشدة تجريم تقديم المساعدة الإنسانية إلى المهاجرين واللاجئين غير النظاميين وكذلك الطرق القمعية المماثلة الأخرى التي حاولت الدول من خلالها القضاء من المعونة الإنسانية الخاصة إلى المهاجرين واللاجئين غير النظاميين. وترد تلك القواعد في المعاهدات الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان، من مثل بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وقام الخبير المستقل بعرض حزمة من الحقوق التي من الممكن ان تنتهك في هذا المجال وكما يلي:
1. الحق في الحياة : هذا الحق مكفول في المادة ٦ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على ما يلي: "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق". وينتهك قمع وتجريم من يقومون بعمليات إنقاذ إنسانية لمهاجرين أو لاجئين غير نظاميين معرضين لخطر الموت في البحر هذا الحكم، على النحو الذي أشار إليه المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً في تقرير يحمل الرقم (A/73/314).
2. حق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه : هذان الحقان التوأمان للشخص في الحرية وفي الأمان على شخصه مكفولان بموجب المادة ٩ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ومن المسلم به جيداً في الاجتهاد القضائي للمحاكم في بعض البلدان وكذا اجتهادات اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ، أن قدرة المهاجرين أو اللاجئين الذين يواجهون تهديدات في بلد آخر لتمتعهم بحقوق الإنسان الأساسية (من مثل التحرر من التمييز أو التعذيب أو الموت) على ضمان الحماية في البلد المضيف يستلزم حق الفرد في الحرية وفي الأمان على شخصه. وبهذا، فإن مقاضاة أو قمع العاملين في المجال الإنساني الذين يساعدون، من دون أي كسب مادي لأنفسهم، مثل هؤلاء المهاجرين غير النظاميين على دخول بلد ما، أو مساعدتهم بوسائل النقل داخل البلد، أو مساعدتهم بتوفير ملاذ آمن في البلد المضيف، تنتهك هذين الحقين التوأمين.
3. الحق في حرية التعبير: الحق في حرية التعبير مكفول في المادة 19(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبالتالي، فإن مقاضاة أو تخويف العاملين في المجال الإنساني الذين يشاركون في الاحتجاجات في الشوارع تضامناً مع المهاجرين غير النظاميين أو يدعمونها؛ والتهديد بمقاضاة أو ترحيل أو قمع من ينظمون حملات نيابة عن المهاجرين غير النظاميين أو يتكلمون دعماً لهم (أو اتخاذ مثل هذه الإجراءات فعلياً)؛ ومقاضاة أو قمع الأشخاص الذين يشاركون بصورة معقولة في احتجاجات على متن الطائرات تضامناً مع المهاجرين غير النظاميين الذين على وشك أن يُرحَّلوا، هي انتهاكات بينة الوجاهة لهذا الحق.
4. الحق في محاكمة عادلة : الحق في محاكمة عادلة مكفول في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وثمة عنصر رئيسي في هذا الحق هو الحق في الاستعانة بمحام بالنسبة لمن يتهم أو يرجح أن يتهم بانتهاك القانون. وينتهك التمتع بهذا الحق أي قانون أو ممارسة وظيفتها تقييد أو رفض إمكانية الاستعانة بمحام من اختيار المتهم. ومن ثم، من شأن هذا الحق أن يُنتهَك بمقاضاة أو قمع المحامين ذوي الميول الإنسانية الذين يقدمون المشورة القانونية للمهاجرين غير النظاميين. والسبب في ذلك أن هذه المحاكمات وأعمال القمع ستؤدي إلى تثبيط العديد من المحامين عن تقديم المشورة إلى المهاجرين أو اللاجئين غير النظاميين، مما يقيد بشكل كبير حقوقهم في الحصول على المشورة القانونية.
5. الحق في السكن اللائق : الحق في السكن اللائق مكفول في المادة ١١ من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتباره عنصراً من عناصر "حق كل شخص في مستوى معيشي كاف". ويلزم هذا الحكم الدول الأطراف في العهد باتخاذ الخطوات المناسبة لضمان إعمال هذا الحق. وتجريم أو قمع العاملين في المجال الإنساني الذين يؤجرون مأوى للمهاجرين أو اللاجئين غير النظاميين ومقاضاة أو قمع الهيئات الدينية والمنظمات غير الحكومية وغيرها من الجهات التي توفر السكن أو الملاذ الآمن لهم يبدو من الوهلة الأولى انتهاكاً جسيماً لهذا الحق. وقد فسرت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رسمياً العهد بأنه يقتضي من الدول أن تضمن لـ "كل فرد" داخل أراضيها "حداً أدنى من الاستحقاقات الأساسية" من كل حق من الحقوق الواردة في تلك المعاهدة، مثل الحق في السكن اللائق.
6. الحق في الغذاء وفي مستوى معيشي مناسب : الحق في الغذاء مكفول في المادة ١١ من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باعتباره عنصراً من عناصر "حق كل شخص في مستوى معيشي كاف". وتماشياً مع الحجج الواردة في الفقرة السابقة، يصبح من الواضح أن مقاضاة أو قمع العاملين في المجال الإنساني الذين يوفرون ضروريات الحياة، مثل الغذاء والمياه والمساعدة الطبية والملابس والحمامات، للمهاجرين واللاجئين غير النظاميين انتهاك خطير بدوره لهذا الحق وأن بند "الإعمال التدريجي" الذي نوقش أعلاه لا يحفظ أفعال التجريم والقمع هذه من أن تكون غير قانونية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وختم الخبير المستقل هذه الفقرة بالقول ( وعلاوة على ذلك، يود الخبير المستقل أن يشدد على أن الأطراف تلتزم، في الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر ٢٠١٨ ووافقت عليه ١٥٢ دولة عضواً، بكفالة مجموعة من المبادئ التوجيهية الشاملة لعدة قطاعات والمترابطة، بما في ذلك حقوق الإنسان للمهاجرين ورفاههم (بغض النظر عن حالتهم من حيث الهجرة)؛ واحترام سيادة القانون؛ والتعاون الدولي. وأكد الموقعون، في الفقرة 24 من الاتفاق العالمي على ما يلي: "نلتزم بالتعاون على الصعيد الدولي لإنقاذ الأرواح ومنع وفيات وإصابات المهاجرين من خلال عمليات البحث والإنقاذ الفردية أو المشتركة، وتوحيد عملية جمع وتبادل المعلومات ذات الصلة، مع تحمل المسؤولية الجماعية عن الحفاظ على حياة جميع المهاجرين، وفقاً للقانون الدولي". وهذا الحكم يسلط الضوء على الموقف القانوني الذي بينه الخبير المستقل أعلاه. وبالمثل، يجري في الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين ( A/73/12) الجزء الثاني، الفقرتان 5 و16) التشديد على مبدأ التضامن الدولي باعتباره مبدأً توجيهياً أساسياً لحماية اللاجئين وطالبي اللجوء وحسن أحوالهم.
وانهى الخبير المستقل تقرير بمجموعة من الاستنتاجات والتوصيات يمكن اجمالها بالآتي :
1. ختاماً، يرى الخبير المستقل أن تجريم أو قمع تقديم المساعدة الإنسانية إلى المهاجرين واللاجئين غير النظاميين يمس مساساً كبيراً وغير مبرر بالعديد من حقوق الإنسان أو ينتقص منها، ومن ثم فهما غير قانونيين بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد اعترفت الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية بهذا . وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الجهود المبذولة مؤخراً في فرنسا لإسقاط الصفة الجرمية عن التعبير عن التضامن مع المهاجرين واللاجئين غير النظاميين، بما في ذلك القرار التقدمي للمحكمة الدستورية في قضية سيدريك هيرو، تدل على الإدراك المتزايد حتى داخل الحكومات لطبيعة هذه الفتاوى المعادية لحقوق الإنسان .
2. وبالنظر إلى بروز وأهمية مسائل الهجرة في عصرنا، ولا سيما في سياق ما تخلفه من آثار سلبية خطيرة على حقوق الإنسان القوانينُ والممارسات التي تجرم أو تقمع تقديم المساعدة الإنسانية (أي التعبير عن التضامن الدولي القائم على حقوق الإنسان) مع المهاجرين واللاجئين غير النظاميين، يتحتم على الدول والجهات الأخرى صاحبة المصلحة مضاعفة جهودها من أجل التصدي بصورة أكثر فعالية للمسائل والصعوبات المحددة في هذا التقرير. ويوجد مجلس حقوق الإنسان في وضع جيد جداً لتيسير تلك العملية.
التوصيات:
أ. ينبغي لجميع الدول أن تتخذ جميع الخطوات الفردية والمشتركة اللازمة لإنهاء تجريم وقمع من يقدمون المساعدة الإنسانية ومن يبدون بالتالي تضامناً مع المهاجرين واللاجئين غير النظاميين. وفي هذا السياق، يجدر أن يحذو الآخرون حذو المثال الذي ضربته فرنسا.
ب. تحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي لجميع الدول التي سنت، أو ستسن، قوانين لمكافحة تهريب البشر أن تتأكد من أن هذه التشريعات تتضمن بنوداً لاستثناءات إنسانية توضح بأجلى ما يمكن أنه لا يجوز تجريم الأفراد والجماعات الذين يقدمون المساعدات الإنسانية إلى المهاجرين أو قمعهم بموجب هذه القوانين.
ج. ينبغي لجميع المنظمات الإقليمية أن تضمن ألا تؤدي نظمها القانونية وممارساتها إلى تجريم أو قمع تعبير الجهات الفاعلة الإنسانية عن التضامن مع المهاجرين. وفي هذا الصدد، ينبغي تعديل توجيه الاتحاد الأوروبي 2002/90/EC الذي يعرف تيسير الدخول والعبور والإقامة غير المأذون بها (وغيره من تشريعات الاتحاد الأوروبي ذات الصلة) لجعل البند الإنساني الاختياري الذي يتضمنه حالياً بنداً إلزامياً بالنسبة لجميع الأطراف.
د. ينبغي للدول الأطراف في بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو النظر في اعتماد تعديل للبروتوكول والتصديق عليه، بحيث تلغي السلطة التقديرية التي يمنحها البروتوكول للدول لتعريف تهريب البشر ووضع تشريعات لمكافحة تهريب البشر في نظمها القانونية المحلية. وهذا لتصحيح اتجاه عدد أكبر من اللازم من الدول حالياً إلى اعتماد وتنفيذ أحكام فضفاضة تجرم مرتكبي الجرائم المنظمة والجهات الفاعلة الإنسانية بالطريقة نفسها. وفي هذا الصدد، ينبغي أن يشكل قرار المحكمة العليا في كندا في قضية آر. ضد أبولونابا مثالاً إيجابياً.
ه. ينبغي لجميع الدول أن تكرس جهودها من جديد لالتزاماتها التعاهدية بإنقاذ وتيسير إنقاذ الأشخاص المعرضين للخطر في عرض البحر، بما في ذلك المهاجرون واللاجئون غير النظاميين، بما أن عدم القيام بذلك يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي.
و. ينبغي للدول أن تتخذ خطوات لتوضح أن الالتزام القانوني الدولي بإنقاذ المهاجرين المعرضين للخطر في عرض البحر يشمل الالتزام المقابل القائم والأصيل بتمكين المهاجرين واللاجئين الذين تم إنقاذهم من النزول على الأقاليم البرية لأي من الدول الساحلية في المنطقة المعنية.
ز. ينبغي للدول أن تنظر في إنشاء أو على الأقل إعطاء تفسير إيجابي لإنقاذ المهاجرين المعرضين للخطر في إقليمها البري، وألا تجرم أو تقمع الجهات الفاعلة الإنسانية التي تبذل جهداً للقيام بذلك. ويمكن لمجلس حقوق الإنسان أن يلعب دوراً تيسيرياً في ضمان حدوث هذا التغيير.
ح. ينبغي أن تتخذ الدول خطوات لتثبيط ومعاقبة العناصر التي تسعى من داخل مختلف قطاعات المجتمع المدني بها إلى قمع الأشخاص الذين يظهرون تضامناً مع المهاجرين
الهوامش
1. يرد التقرير بالوثيقة A/HRC/41/39/Add.1
2. يرد بالوثيقة A/HRC/41/55
3. اعتمدت على المصدر Southern Poverty Law Center, Intelligence Report: The Year in Hate and Extremism – Rage against Change, issue 166 (spring 2019), p. 36
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |