|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
خليل إبراهيم كاظم الحمداني
2018 / 11 / 26
الإعلان العالمي لحقوق الانسان نتاج الفكر الإنساني
خليل إبراهيم كاظم الحمداني
باحث
في مجال حقوق الإنسان
تحاول هذه الدراسة تأكيد حقيقة أن الإطار الثقافي لمنظومة حقوق الإنسان يمثل جهدا تشاركت في وضعه ثقافات وأيدلوجيات وديانات مختلفة على امتداد كرتنا الأرضية..وهي رد على جملة دعاوى (الخصوصية الثقافية والإرث الحضاري المتميز ) والتي هي في حقيقتها كلمات حق يراد بها باطل خصوصا دعاوى بتر العلاقة التفاعلية للثقافات المختلفة للشعوب باتجاه التقوقع نحو بؤرة المحلية المفرطة وبالتالي خلق منظومات خاصة اقل ما تتميز به كونها تبقى أسيرة لحظات تاريخية بالية .. ويتفاقم الأمر باتجاه تعقيدات لامبرر لها وتصورات خاطئة بالمرة عن آفاق العالمية وحدود المحلية خصوصا في الجوانب المتعلقة بحقوق الإنسان وفق اعتبار إنكارها بالمطلق عدم ملائمتها لشعوبنا ومن ثم التنصل من الالتزامات المترتبة على ماجاء في القانون الدولي لحقوق الانسان.
يقول السيد مدير مركز مساواة (( يعتقد البعض أن حركة حقوق الإنسان هي ابتداع غربي مشبوه يستهدف تحقيق مآرب سياسية ، إذ أن فكرة حقوق الإنسان هي نتاج الفلسفة المثالية في أوربا منذ عصر التنوير والثورة الفرنسية . ويعزز هذا الاعتقاد ما تشهده الساحة الدولية من ازدواجية في المواقف ، وانتقائية في تطبيق المعايير الدولية بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان ، حيث يجري تضخيم بعض الانتهاكات ، وغض الطرف والتجاوز عن انتهاكات أخري ، وذلك لأغراض سياسية واضحة (1) .
ان الحقيقة التي تفرض نفسها بقوة ومن خلال التجارب ان الدول التي تكثر فيها انتهاكات حقوق الانسان والتي تخفق فيها وبدرجة كبيرة في خلق بيئات مناسبة لممارسة الحقوق هي غالبا ما تؤكد على موضوع الخصوصية, وفي هذا الأطار اشار المؤتمر العربي لحقوق الانسان الذي عقد في القاهرة للفترة من 10-12 ابريل 1992 بمبادرة من اتحاد المحامين العرب والمنظمة العربية لحقوق الانسان والمعهد العربي لحقوق الانسان الى (ان الحكومات العربية تنظر الى مفاهيم حقوق الانسان على انها نهج جديد لممارسة المعارضة السياسية تختفي وراءه قوى المعارضة لتحقيق المآرب او انها وسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة ,كما انها تنظر لكشف الانتهاكات باعتباره إساءة للدولة , وفي هذا الأطار تدوس العديد من المفاهيم بقطيعة مدهشة فسر معها مسؤولو دولة عربية كبيرة الغاء نتائج الانتخابات وحل الحزب الفائز بحماية الديمقراطية وحقوق الانسان , وذكر معها مسؤول دولة خليجية كبرى أن الديمقراطية لا تناسب شعوبنا وليست من ديننا في شئ . وواضح جدا ان هذا التمسك الأسطوري بقضية الخصوصية واستخدامها بالشكل التقليدي ضيق الافق للتحلل من التزامات قانونية وواجبات انسانية فثمة بلدان عربية استخدمتها كذريعة للتحفظ على التزامات قبل الالتزام بها كما تم التذرع بها لتعطيل إصدار الوثيقة القومية الأقليمية لحقوق الانسان وإفراغ مضمون مشروعها من العديد من الألتزامات القانونية
ان الثابت في حقوق الانسان انها عالمية ..وهي عالمية بامتياز لاستنادها اصلا الى مبدأ المساواة في الحقوق بغض النظر عن الأصل او الخصائص ,حيث جرى التاكيد على هذا المبدأ منذ بواكير إنشاء المنظومة الحديثة لحقوق الانسان , ففي ديباجة الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في ديسمبر 1948 ترد عبارة (( ان الإقرار بما لجميع اعضاء الأسرة البشرية من كرامة اصيلة فيهم ومن حقوق متساوية وثابتة يشكل اساس الحرية والعدل والسلام في العالم )) , وثمة وجه آخر لحقيقة حاول ان يطمسها البعض من خلال تطرفه باتجاه المحلية الا وهي حاجة البشرية جمعاء لتحقيق توافق وقبول عالمي لجملة من المعايير يجب الالتزام بآليات حمايتها كوننا اذا لم نكن حاليا ضحايا انتهاكات لحقوق الانسان فنحن ضحايا محتملين ..وهذا ما يدعى بالوعي الانساني المشترك بالضعف .
ويورد دعاة فكرة غربية نشأة حقوق الانسان حجج تتعلق بالظروف الدولية التي صاحبت نشأة المواثيق الدولية المختلفة المتعلقة بحقوق الانسان ومنها (الشرعة الدولية لحقوق الانسان ) حيث تمت صياغة الاعلان العالمي غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية وفي اطار منظمة الامم المتحدة التي تسيطر عليها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ..كذلك فان عدد الدول النامية الاعضاء في المنظمة الاممية كان قليلا ً حتى منتصف الستينات ( ابان وضع العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية ) ..إضافة الى كون هذه البلدان ممثلة في الامم المتحدة عن طريق حكومات لا تعبر عن شعوبها وثقافاتها اصدق تعبير أي ان ظروف نشأة الشرعة الدولية كانت تتميز بتسيد مطلق لقيم الحضارة الغربية المهيمنة على النظام الدولي خصوصا وقت صياغة الاعلان العالمي لحقوق الانسان , وهذه الحجة تسعى الى انكار أي دور لعبته المشاركات غير الغربية في صياغة معالم مبادئ وبالتاي زرع بذور التناقضات فيما بين الثقافات المختلفة بل وحتى إقرار مقولة (ان هذه المبادئ والمعايير لاتلائم جميع البشر ..وانما هي خاصة بالغرب ونتاج ثقافته ) هذه المقولة التي تنهار امام حقيقة ان اقوى وأكفأ منظومات حماية حقوق الانسان هي اقليمية وبالذات المنظومة الاوربية لحماية حقوق الانسان والمنظومة الامريكية لحماية حقوق الانسان بينما فشلت دول الشرق في آسيا والشرق الاوسط من ان تتكون مثل هذه المنظومات ..إذ لاتوجد هكذا منظومات في اسيا او للبلدان الاسلامية او البلدان العربية ولم يصار لغاية الآن رسم ميثاق متوافق عليه ( لجميع الدول الإسلامية او جميع الدول العربية )لحقوق الانسان كالاعلان الاسلامي لحقوق الانسان والميثاق العربي لحقوق الانسان ...ستحاول هذه الورقةعلى ايضاح الدور العربي (من خلال المندوبين والخبراء )في صياغة الشرعة الدولية لحقوق الانسان تحديدا ..لأهميتها في ترسيم كل المواثيق اللاحقة .
اولا : الاعلان العالمي لحقوق الانسان
- الوجود العربي في الامم المتحدة ومؤسساتها عند تحضير الاعلان العالمي لحقوق الانسان
كانت الدول العربية التالية ممثلة في المنظومة الاممية منذ انشائها ( المملكة العربية السعودية –مندوبها الاستاذ صادق ابراهيم سلمان وبديله الاستاذ جميل البارودي -, سورية –مندوبها د. عبد الرحمن الكيالي وبديله الاستاذ رفيق عشي , العراق مندوبه الاستاذ عباوي , لبنان –مندوبه الاستاذ شارل مالك وبديله د. كريم عزقول والسيدة جمال كرم حرفوش – مصر مندوبها د.حلمي بدوي بك وبديله الاستاذ عدلي اندرواس بك -, اليمن مندوبه الامير الاسلام العبي وبديله السفير اسيد حسن ابراهيم )2 .
وكانت لجنة حقوق الانسان تضم سبعة عشر دولة بينها دولتان عربيتان هما لبنان ومثلها الاستاذ شارل مالك ومصر الذي مثلها الاستاذ عمر لطفي والدول الاخرى في اللجنة هي كل من ( الولايات المتحدة الامريكية , الاتحاد السوفياتي , فرنسا , الصين ,استراليا ,بلجيكا . الهند ,ايران ,الفلبين , شيلي ,بناما , اورجواي , روسيا البيضاء ,اوكرانيا ويوغسلافيا ) واعطيت رئاستها مدام روزفلت وكان وكيلها الاول مستر شانج من الصين ووكيلها الثاني (رين كاسين )من فرنسا بينما مقرر اللجنة كان الاستاذ شارل مالك 3
ومنذ دورتها الاولى في عام 1946 ولغاية عام 1948 عكفت اللجنة على صياغة مشروع اعلان عالمي لحقوق الانسان بالتوفيق بين ثلاثة مشاريع مقترحة مرسلة اليها من الجمعية العامة وشكلت لهذا الغرض لجنة للصياغة مؤلفة من ثمان دول التي اختارت فريقا للعمل مكون من ممثلي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ولبنان , وبرز التناقض الاول في فريق العمل حول موضوع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي مجموعة الدول الاشتراكية بضرورة تضمين الاعلان نصوصا ملزمة للدول حول مسوؤلياتها تجاه مواطنيها بشأن هذه الحزمة من الحقوق بينما رأت الدول الرأسمالية بأن هذه الحقوق لاتشكل التزاما على الدولة حيث استمر النقاش لثلاثة ايام حول هذه المسألة ولم تحل هذه الإشكالية الا بالنص التوفيقي الذي اقترحه د. شارل مالك للمادة 28 لتصبح (( لكل انسان الحق في ان يسود نظام اجتماعي ودولي يتأتى معه تحقيق تام للحقوق والحريات المثبتة في هذا الاعلان )) والتي كانت لاحقا واحدة من مرتكزات اعلان الحق في التنمية 4.
وفي نهاية الدورة اعتمدت اللجنة مشروع الإعلان بديباجة و ثماني وعشرين مادة باغلبية اثنتي عشر دولة – من بينها مصر – ضد لاشئ وامتناع أربعة عن التصويت ثم احيل المشروع الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي احاله بدوره الى الجمعية العامة للامم المتحدة نهاية يوليو 1948 , حيث تم أحالته في جلستها (142) التي عقدت في باريس في 24/9/1948 الى اللجنة الثالثة التي اختارت الأستاذ شارل مالك رئيسا لها بناءا على اقتراح ممثلي سوريا وشيلي .
وتطلب النقاش في اللجنة الثالثة للمشروع المقترح للاعلان واحد وثمانين اجتماع اعيد بعدها الى الجمعية العامة التي ناقشته طيلة يومي 9 و10 من ديسمبر /1948 وعلى مدى خمس جلسات عقدت في قصر شابو في باريس ثم جرى التصويت على الصيغة النهائية –المعروفة حاليا – في نهاية الجلسة 183 منتصف ليل 10/12/1948 حيث تم اقراره باغلبية 48 صوت من ضمنها اصوات العراق ولبنان ومصر وسوريا ضد لا شئ وامتناع 8 دول عن التصويت هي ( اتحاد جنوب افريقيا , الاتحاد السوفياتي , اوكرانيا , بولونيا , جيكوسلوفاكيا ,روسيا البيضاء المملكة العربية السعودية , يوغسلافيا ) 5
النقاشات في اروقة لجنة حقوق الانسان واللجنة الثالثة
المادة 1
( يولد جميع الناس احرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بعضا بروح الآخاء )) فقد اعترض مندوب الصين على عبارة ( وهم قد وهبوا العقل والوجدان ) وطالب بالغائها فيما رأى مندوب لبنان بان هذه العبارة توضح سمات الكائن البشري وتميزه عن سائر المخلوقات المحرومة من العقل والوجدان , فيما اقترح مندوب العراق نصا آخر للمادة لتصبح بالشكل التالي ( يجب ان يكون جميع الناس احرار ومتساوين في الكرامة والقيمة , ولهم الحق بأن يعاملوا بنفس الشكل ويتمتعوا بنفس الفرص ) ولم يحضى هذا المقترح بقبول أي مندوب بل عارضه البعض ( مندوبي سوريا ومصر ) , يذكر ان مندوب بلجيكا كان قد اقترح حذف عبارة ( وتهبهم الطبيعة ) قبل عبارة العقل والوجدان في النص المقترح لتعارضها مع معتقدات اصحاب فكرة (الطبيعة ) وايد ذلك مندوب مصر فيما عارض هذا المقترح مندوبي ( لبنان وسوريا ) و طالبا بابقائها
يقول الاستاذ بيار سيزري بوري ( من خلال محاضر الجلسات يمكن ان نحيط علما بنقاش مهم دار حول هذا الفصل الاول ( يقصد المادة الاولى / الباحث ) , في هذا النقاش الذي حرر ست مرات على الاقل يظهر مفهوم الطبيعة لمدة بين التحريرين الرابع والخامس , ويختفي في التحرير الاخير . كانت النسخة الاولى كما يلي ( ان البشر وهم اعضاء لنفس العائلة احرار متساوون في الكرامة وفي الحقوق وعليهم ان يعبروا انفسهم اخوة ) وقد اعتبر الممثل السوفياتي ( أ.بوجومولوف A.Bogomolov) الاحالة على الاخوة امرا مجرد والح على واجب الاخوة باعتبارها سلوكا . واقترح رينيه كاسان Rene Cassin) نصا يقول ( احذف بعض الفقرات أي النسختين الثانية والثالثة ) . (( جميع الناس يولدون احرارا ومتساويين في الكرامة والحقوق , لقد وهبتهم الطبيعة العقل والوعي وعلى كل منهم ان يعامل الآخر بإعتباره أخا له )) , وقد اصبح هذا النص بعد تدخل لجنة وضع المرأة وبالتحديد السيدة حميد علي ( الهند ) كالتالي ( جميع الكائنات البشرية تولد حرة ومتساوية في الكرامة والحقوق ) لقد منحتهم الطبيعة العقل والوعي وعلى كل منهم ان يعامل الآخر في جو من الأخوة واقترح ب .س.شانغ P.C.Chang ( الصين ) ان تحذف كلمات منحتهم الطبيعة العقل والوعي ) لأنها محل نقاش ,أما شارل مالك ( لبنان ) فقد اصر على ابقاء هذه الكلمات لأن الفصل الاول يذكر من صفات الكائنات البشرية ( العقل والوعي ) وعندما دار النقاش في نطاق التجمع العام للجنة الثالثة اراد ك .عزقول تعويض ( جميع الكائنات البشرية تولد حرة بـ ( جميع الكائنات البشرية حرة , ولكن السيد كاسان اصر على على النسخة الاصلية , وعندها تدخل ممثل البرازيل السيد دي اتايد M.Athayde لكي يدخل هذه العبارة ( مخلوقة على صورة وعلى شاكلة الله فقد وهبت العقل والوعي ) عوضا عن (وهبتها الطبيعة ) وذلك لتفادي نقاش ميتافيزيقي لا مخرج منه وايد مندوب الصين هذا الموقف ) (2) وعند التصويت حذفت ( تهبهم الطبيعة ) باغلبية 29 صوت مقابل 4 وامتناع 9 عن لتصويت .
المادة 3
( لكل فرد حق في الحياة والحرية وفي الآمان على شخصه )
اقترح مندوب الاتحاد السوفياتي اضافة عبارة تقضي بإلغاء عقوبة الاعدام في حالة السلم وسانده في ذلك مندوب كوبا فيما اعترض على هذا المقترح مندوب سوريا ( عبد الرحمن الكيالي ) على اعتبار ان هذا الأقتراح لاعلاقة له بمضمون المادة وسيثير مسائل عدة في القوانين الجنائية , ولدى عرض المقترح على التصويت امتنعت كل من السعودية ومصر ولبنان عن التصويت فيما صوتت ضده سوريا واليمن وتم اعتماد النص الحالي بدون الاشارة الى عقوبة الاعدام .
المادة 13
(( - لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة .
- لكل فرد حق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده , وفي العودة الى بلده ,))
- حظيت هذه المادة بمناقشات موسعة حيث تحفظت المملكة العربية السعودية على عبارة ( حرية التنقل وحرية اختيار محل الاقامة داخل حدود الدولة ) واوضح المندوب السعودي بان من حق بلاده تطبيق قوانينها المحلية والتي لاتسمح بمثل هذه الحرية لوجود الاماكن المقدسة فيها , فيما طالب مندوب لبنان باضافة عبارة ( في العودة الى بلده ) وهذا حق لاينفصل عن حق مغادرة بلده وتم قبول المقترح اللبناني باغلبية 33 صوت ضد صفر وامتناع 8 دول عن التصويت .
المادة 14
- لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان اخرى والتمتع به خلاصا من الاضطهاد .
- لايمكن التذرع بهذا الحق اذا هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة سياسية او عن اعمال تناقض مقاصد الامم المتحدة و مبادئها .)).
كانت صياغة الفقرة الاولى من هذه المادة كما يلي ( لكل فرد حق التماس ملجأ والحصول عليه في بلدان اخرى ) وعارض مندوب المملكة العربية السعودية عبارة ( والحصول عليه ) واقترح الغائها باعتبار ان ذلك سيتعارض مع سيادة الدول , حيث ان ذلك سيتعارض مع مدى استعداد دولة ما لقبول لجوء شخص اليها واكد على توجه بلاده باقرار حق اللجوء الذي هو لاخلاف عليه ويعتبر واحد من المبادئ الأساسية للإعلان العالمي لحقوق الانسان , وعند عرض اقتراح إلغاء العبارة تم قبول المقترح باغلبية 18 صوت مقابل 8 أصوات . وواضح ان هذا المقترح لايمس مبدأ حق اللجوء ولا بمبدأ حق كل فرد بالتماسه بل ترك للدولة المضيفة حرية إعطاء اللجوء من عدمه .
المادة 16
- للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ , حق التزوج وحق تأسيس أسرة دون قيد بسبب العرق او الجنسية او الدين وهما يتساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله .
- لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا لا إكراه فيه .
- الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع , ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة . ))
لقد كان مقترح نص هذه المادة امام اللجنة الثالثة كما يلي :
(( - للرجل والمرأة متى ادركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس اسرة , وهما يتمتعان بحقوق متساوية لدى التزوج .
-لايعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا .
-الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع . )).
واعترض مندوب المملكة العربية السعودية على عبارة ( متى ادركا سن البلوغ ) اذ من الممكن تفسيرها باشكال عديدة قد لا تكون عبارة ( سن البلوغ استنادا للقانون ) واقترح استبدالها بجملة ( ادركا السن القانوني لعقد الزواج ) في كل دولة , وتضامن مع هذا المقترح مندوب سوريا ومندوب لبنان , ثم قدم المندوب السعودي مقترح جديد لنص الفقرة الاولى للمادة لتصبح ( للرجل والمرأة في كل بلد متى بلغا السن القانوني لعقد الزواج , حق التزوج وتأسيس اسرة , وهما يتمتعان بكل الحقوق التي تنص عليها قوانين في بلدانهما ) ولكن هذا المقترح فشل عند عرضه للتصويت .
وكان المقترح الثاني من لبنان بإضافة عبارة ( لاإكراه فيه ) امام جملة ( الرضا الكامل ) حتى لا يؤخذ الرضا تحت أي إكراه معنوي او مادي ليصبح نص الفقرة الثانية من المادة ( لايعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا لاإكراه فيه ) وتم قبول هذا المقترح . واعترض المندوبين العرب على مقترح مندوب المكسيك القاضي باضافة عبارة ( دون أي قيد بسبب العرق او الجنسية او الدين ) على الفقرة الاولى من المادة وهددوا بالامتناع عن التصويت كونها تتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية – يذكر ان المندوب السعودي كان مسيحي الدين لبناني الأصل *6 - , لكن اللجنة الثالثة اعتمدت هذا الاقتراح بأغلبية 22صوت ضد 15 صوت من بينها صوتا مندوبي العراق وسورية وإمتناع 6 دول عن التصويت من بينها صوتا مندوبي السعودية ولبنان , ويذكر ان مندوب مصر(وحيد فكري رأفت) حاول اقتراح نص توفيقي يقضي بـ ( يحق لكل شخص تشكيل عائلة , النواة الاساسية للمجتمع الذي يحق له حماية هذه العائلة ) أي باستبدال كل العبارات التي تخص حقوق معينة بتأكيد عام على الحق البسيط في إنشاء اسرة واغفال أي ذكر لكلمة المساواة , واشار الى تحفظات وفد بلاده على مشروع هذه المادة المستند على حقيقة ان ثمة فارق بين حالة الزواج بين طرفين من عرقين مختلفين وحالة الزواج بين طرفين من ديانتين مختلفين وللتناقض مع مبادئ الشريعة الاسلامية بالقيود على زواج النساء المسلمات برجال غير مسلمين ولكن هذا المقترح رفض بأغلبية 36 ضد صفر وامتناع 3 دول عن التصويت , وعند انتقال نص المادة من الاعلان الى الجمعية العامة في ديسمبر /1948 تم تبنيه بالاجماع خلال التصويت في الأجتماع الكامل للجمعية العامة .
المادة 18
( لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين , ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه او معتقده , وحريتع في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة , وأمام الملأ أو على حدة .))
لم تكن هذه المادة التي اثارت نقاشا واسعا تتضمن التوسع في توضيح حدود هذه الحرية بالنص في الحق بحرية تغيير الدين او المعتقد بناءا على مقترح مندوب الاتحاد السوفياتي , الامر الذي اعترض عليه مندوبو العراق وسوريا والسعودية في حين تحفظت مصر على جملة ( ويشمل هذا الحق حرية تغيير الدين او العقيدة ) وبين المندوب المصري تحفظه كون ان حرية تبديل الدين ستكون بمثابة دعوة لتشجيع الارساليات التبشيرية في الشرق على تبديل السكان لدينهم .
فيما كان ممثل السعودية( جميل بارودي ) في مقدمة المعترضين واشار الى ان هذه لجملة كانت ولاتزال تستخدم في مصلحة التدخلات السياسية الاجنبية التي تحاول ان تظهر وكأنها حملات تبشيرية , وهوبهذ فقد طرح موف السعودية بوصفه موقفا مؤيدا لحرية الديانة والضمير ومعارضا للإشارة الصريحة لحق المرء في تغيير ديانته لأن ذلك يبدو موقفا متسامحا مع الردة التي سببت الكثير من الحروب وسفك الدماء على مدار التاريخ , وابدى (جميل بارودي ) تعجبه من المادة ذكرت ثلاث حريات ( الدين والفكر والضمير ) ولكنها اكدت فقط على حرية اعادة النظر في الدين ..وقد ذهب الممثل السعودي الى ان النصوص التي تتعارض مع تحريم الاسلام لتغيير المسلم لدينه , قد تؤدي الى استثارة , ثم طلب التصويت بشكل منفصل على حذف جملة الحق في تغيير الديانة وكانت نتيجة التصويت على غير ارادة ممثل السعودية بأغلبية 22 صوت من بينها صوت ممثل لبنان ضد 12 صوت من بينها اصوات ممثلي السعودية والعراق وسوريا وامتناع 8 دول عن التصويت ..ويذكر ان اللجنة كانت قد استشارت بعض المنظمات غير الحكومية الدينية لم من بينها ممثلون للعالم الاسلامي . . ولابد من الاشارة الى الدول العربية ما عدا السعودية تخلت عن جميع تحفظاتها عند التصويت النهائي على الأعلان بما فيها المادة 18 والتي تضمنت اشارة واضحة الى الحق بتغيير الديانة .
المادة 28
(( لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن ان تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الاعلان تحققا تاما ))
طالب مندوبا مصر والمملكة العربية السعودية حذف هذه المادة بداعي تكرارها خصوصا في ديباجة الاعلان فيما عارض ذلك مندوبا لبنان وسوريا ..وارتأى ممثل سوريا بان هذه المادة تعبر عن مفهوم جديد لحقوق الانسان ..وعند التصويت تم الابقاء عليها .
قضية حق تقرير المصير
احتلت هذه القضية مساحة كبيرة في مساهمات ومناقشات مندوبي الدول العربية وكان اتفاقهم على ضرورة النص على هذا الحق في ديباجة الاعلان او بمادة منفصلة وكان ان درجت في ديباجة الإعلان رغم اعتراض كل من فرنسا وبريطانيا .
وأخيرا لابد من الإشارة إلى كلمة الوفد السوري والتي ألقاها (د.عبد الرحمن الكيالي ) في جلسة التصويت النهائي على الإعلان المرقمة 183 منتصف ليل 10/12/1948 حيث أشار إلى ان صياغة الإعلان كانت يجب ان تحسن وتعدل حتى وان تطلب ذلك جهدا وخبرات لسنوات حيث انه عند مناقشة المشروع في اللجنة الثالثة تبين انه ليس هناك اتفاق على بعض المبادئ والأفكار حيث ان عنصر الإجماع غير موجود بين جميع ممثلي الدول ..وأعلن مساندة سوريا لرأي الأغلبية على الرغم من معارضته وعدم قناعته ببض المواد لأن الروح الديمقراطية تتطلب قبول قرارات الأكثرية ..وأضاف ان موقف الوفد السوري كان مبنيا على ثلاثة أسس وهي :
-الإعلان يجب ان يعالج حقوق الفرد وليس حقوق الدولة أو المجتمع .
-يجب ان لا يتضمن الإعلان ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة .
- المبادئ المعلنة يجب ان تكون واضحة ومنطقية ومنسجمة وخالية من الغموض , ذلك ان الإعلان يعالج مجرد مثاليات ومبادئ مجردة ولا توضع موضع التنفيذ الا بوثائق مستقبلية لذلك فان مواد الإعلان يجب ان تكون دقيقة .
وقد عارض السيد الكيالي طلب بعض الوفود بتأجيل اعتماد الإعلان وأحالته إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدراسته واعادته إلى الجمعية العامة في الدورة القادمة بدواعي عدم اكتمال نصوص الاعلان .ورأى ان الاعلان بصيغته الحالية هو في حقيقة الأمر ليس نتاج عدة ممثلين في الجمعية العامة وانما هو من صنع أجيال من البشر التي تكاتفت جهودها للوصول الى هذه الغاية , وان شعوب العالم يجب ان تسمع أخيرا بان الأمم المتحدة قد حققت أمانيها ولذلك يجب على الأمم المتحدة ان تتابع دون كلل مهامها لاحترام حقوق الإنسان المعلنة في الاعلان حتى تعتمدها الدول في تشريعاتها وسياساتها وأنظمتها الثقافية لتسهل بذلك إقامة السلام .
التصويت النهائي على الاعلان العالمي بصيغته النهائية
جرى التصويت النهائي على الاعلان نهاية الجلسة 183 التي جرت منتصف ليل 10/12/1948 باغلبية مطلقة بـ (48) صوت مقابل لاشئ وامتناع (8) دول عن التصويت وهي كل من ( المملكة العربية السعودية , الاتحاد السوفياتي ,
وكانت اصوات كل العراق ومصر ولبنان وسوريا ضمن الاغلبية التي اقرت الاعلان .... ويذكر ان الصيغة النهائية للاعلان تقع في ديباجة وثلاثين مادة كانت موزعة كما يلي :
- المادتين 1 و 2 ذات طابع عام .
- المواد 3 -21 تتضمن حزمة من الحقوق المدنية والسياسية .
- المواد 22-27 تتضمن حزمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
- المواد الثلاث الاخيرة تتضمن حق الفرد في التمتع بنظام اجتماعي ودولي تتوافر فيه هذه الحقوق والحريات وايضا الالتزامات التي تقع على الفرد تجاه مجتمعه .
تحضيرات إعداد العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية
في الدورة السادسة للجنة حقوق الانسان التي عقدت للفترة من 27 / مارس الى 19/مايو 1950 تم تقديم مشروع لنص مؤقت لأول عهد دولي لحقوق الانسان يتضمن 18 مادة , فانتقدته الجمعية العامة لعدم تضمينه كل الحقوق الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان وتركزت هذه الانتقادات على جملة من النقاط الاساسية :
- ضرورة تضمين العهد على خاصة مادة تعالج الاوضاع في الدول الاتحادية تسمح بتطبيق كامل للعهد المقترح على المقتطعات والولايات التني تضمها الدولة الاتحادية .
- ادخال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المشروع الجديد والاعتراف بكل وضوح بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق تطبيقا لما نص عليه ميثاق الامم المتحدة .
- اضافة جديدة تسمح بتطبيق العهد على الاراضي الاصلية للدولة وعلى بقية اراضيها وبخاصة تلك غير المستقلة او التي هي تحت الانتداب او تخضع للاستعمار .
انقسم ممثلو الدول العربية في النقاشات حول هذه المحاور وكما يلي :
- بالنسبة لوحدة العهد او تعدده : اتفق مندوب العراق مع فكرة اعتماد عهد واحد الى جانب مندوبي مصر باكستان وشيلي ويوغسلافيا فيما عارض ذلك مندوب لبنان واشار الى ضرورة ايجاد اكثر من عهد يختص كل واحد منها بحزمة من الحقوق . وكان رأي مندوب مصر بان هذا المشروع يبدو مقبولا ومواده الثمان عشر مفيدة بصورة عامة على الرغم من ان بعض الوفود رأته فضفاضا وغامضا وغير دقيق ( مندوبي كل من لبنان واليمن والعراق ) وحسمت النقاشات حين تقدم مندوب بريطانيا بمشروع لأعتماد اكثر من عهد وتمت الموافقة عليه باغلبية 26 صوت مقابل 12 صوت وامتناع 4 دول عن التصويت فكان ان اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة في قـرارها 543 /5 بتاريخ 4/شباط/ 1952 قرارا باعتماد عهدين دوليين .
- بالنسبة لقضية تنفيذ العهد : اكد غالبية البلدان العربية على ضرورة تضمين النص المقترح لمواد خاصة بتنفيذ العهد .. وايد مندوب سوريا فكرة مندوب السويد بضرورة السماح للافراد او مجموعة من الافراد بتقيد الشكالوى اسوة بالدول في حالة انتهاك او مخالفة نصوص العهد الدولي , معارضين فكرة مندوب الولايات المتحدة الامريكية لأعتماد بروتوكول ملحق بالعهد مخصص للشكاوى الفردية , واقترح مندوب مصر انشاء لجنة لمتابعة هذه الشكاوى , اذ ان الدولة الموقعة على العهد لاتخشى أي رقابة مهما كان نوعها على حسن تطبيقها لمواد هذا العهد . وتم بالفعل إقرارذلك بقرار الجمعية العمومية للامم المتحدة المرقم 421/5 حيث طلبت من المجلس الاقتصادي والاجتماعي دعوة لجنة حقوق الانسان لتحضير مواد يتضمنها العهد نفسه او في بروتوكول منفصل خاصة بتلقي الشكاوى الفردية المتعلقة بانتهاكات الحقوق التي يتضمنها العهد .
وكان في حينها ثمة تساؤل عن مدى ضرورة اعتماد مواد معينة لكلا العهدين بالزامية تنفيذ مواد هما .. ففي الوقت الذي اشار اليه مندوب العراق بضرورة اعتماد مجموعة واحدة من المواد تصلح لكلا العهدين وتلزم الدول بتنفيذها .. وعارض ذلك مندوب لبنان الذي اشار الى حقيقة طبيعة ونوعية كل من الحزمتين المختلفتين من الحقوق ( الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية ) وبالتالي اختلاف مستويات التطبيق ووسائله مراعاة للوضع الخاص بكل بلد من توافر الموارد وما الى ذلك بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بينما حزمة الحقوق المدنية والسياسية لاتتطلب سوى امتناع الدولة عن انتهاك الحقوق واصدار حزمة من التشريعات الضامنة لممارستها أي ثمة دور سلبي للدولة يتعلق بالامتناع , اما في جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فان واجب الدولة سيتضمن القيام بجملة من الاعمال – تعتمد على درجة توفر الموارد – لضمان ممارسة هذه الحقوق .
حق تقرير المصير والفترة الاستعمارية
كانت للدول الكبرى والاستعمارية دور في تضمين المشروع الاول للعهد الدولي لحقوق الانسان شرطا بعدم تطبيق مانص عليه من حقوق او تطبيق محدود لهذه الحقوق في الاراضي المستعمرة او الخاضعة للانتداب .. الامر الذي اثار اعتراضا واسعا من مختلف الدول ومنها البلدان العربية التي رفضته بالجملة لما يعنيه من تمييز في المعاملة واحترام حقوق الانسان في البلدان التي كانت خاضعة للاستعمار وكانت وقتها ( اوائل الخمسينات ) كثيرة جدا ومنها بعض البلدان العربية لذا وفي الاجتماع /320 للجنة الثالثة عام 1950 تقدمت سوريا والفلبين بمشروع قرار لمناوئة هذا الشرط والتأكيد على عالمية حقوق الانسان وكذلك اضافة مادة تتعلق بـ (الحق في تقرير المصير ) والسماح لتطبيق مواد العهد على الاراضي المستعمرة وغير المستقلة وتم اعتماد هذا القرار باغلبية 30 صوت وامتناع 8 دول عن التصويت وكان ان صوتت الدول العربية لصالح هذا القرار ,ولم تكن قضية( الحق بتقرير المصير) من القضايا التي يسهل تمريرها في ضوء تسيد القوى الاستعمارية على الوضع الدولي والانكار المستمر لهذا الحق بحجة ضعف امكانيات الدول المستعمرة ( بفتح الميم ) وكون ان هذا الحق هو في حقيقته مبدأ سياسي اكثر من كونه احد الحقوق اضافة الى كونه مبهما وغير واضح المعالم ( على حد تعبير مندوبي هذه الدول ) فكان ان تقدمت كل من السعودية وافغانستان بمشروع قرار لأضافة هذا الحق في النص المقترح فتم اعتماد الاعتراف بهذا الحق باغلبية 31 – من ضمنها اصوات مندوبي العراق وسوريا ومصر والسعودية واليمن - ضد 16 وامتناع 5 عن التصويت من بينها لبنان.
التعارض مع احكام الشريعة الاسلامية
لم تنته النقاشات المتعلقة بتعارض بعض مواد الاعلان العالمي مع احكام الشريعة الاسلامية حتى بعد اقرار اعلان من قبل الجمعية العامة في 10/12/1948, حيث اثيرت هذه القضية لاحقا عند مناقشة مشروع العهد /1950 وعبر بعض الممثلين العرب وخصوصا مندوب المملكة العربية السعودية ( الاستاذ جميل بارودي ) عن استيائه كون مشروع العهد يحتوي مثل هذه المواد , وعلق بان الأمم المتحدة تتجاهل تحذيرات السعودية عن طريق نقل المادة 18 من الاعلان العالمي الى العهد , واعرب عن اسفه بسبب عدم حرص المشروع على الاخذ بعين الاعتبار مختلف الثقافات للدول الاعضاء ..وهدد برفض جميع المواد دفعة واحدة اذا لم تعدل نصوص المواد الثمان عشر . وأكد على ان مشروع العهد يتضمن مجموعة التعبيرات حول ما يسمى ( حرية تبديل الدين ) واصر على ضرورة شطب هذه العبارة من نص المادة 13 المقترحة , وكان موقف مندوب اليمن ( احمد زيبارة ) مطابقا لرأي مندوب المملكة العربية السعودية وطالب بالأخذ بنظر الاعتبار الاوضاع الخاصة للدول العربية والاسلامية , وبصدد الفقرة الثانية من المادة الاولي والتي تشير الى الزام الدول باتخاذ جملة من الاجراءات التشريعية وغيرها لضمان تنفيذ بنود الاتفاقية رأى مندوب اليمن بان هذه بان هذا الامر يستدعي بعض التحفظات اذ ان ذلك قد يطلب من الدول اتخاذ اجراءات قد تمس معتقدات السكان الدينية , واشار الى انه بالنسبة للمادتين الثالثة عشر والسابعة عشر يثير مصاعب كبيرة للدول العربية خاصة مايتعلق بمواضيع الزواج او الطلاق او الارث .
يذكر بان عام 1950 شهد محاولة مصرية لتعديل الثالثة عشر , وقد فشلت هذه المحاولة , ولم تستطيع اللجنة الاستمرار بنقاشاتها حول هذه المادة لانشغال اللجنة طيلة فترة الخمسينات / لغاية 1960 بموضوع كيفية ادراج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العهد وان ظل ممثلي الدول العربية على موقفهم القاضي بضرورة الاخذ بنظر الاعتبار بجميع العقائد وكانوا على خلاف مع باقي اعضاء الأمم المتحدة التي كانت حجتهم في ذلك بان ذلك يثري المضمون القانوني للحق في حرية العقيدة .. وانتهى الامر بالنصوص التوفيقية التي قدمها مندوبي ( الفلبين والبرازيل ) وكانت مرضية لحد ما لكلا الجانبين ..ليتغير النص من ( حرية تغيير وابقاء ) الى ( حرية وجود واعتناق ) اعتمادا على ان كلمة اعتناق تشير ايضا الى حرية التغيير ايضا . وقد تم تبني هذه المادة ( والتي اصبحت المادة الثالثة من العهد ) بموافقة 54 صوت ضد لاشئ وامتناع 15 عضوا عن التصويت .
القضايا الخاصة بتنفيذ مواد العهد
تمثل مواضيع تنفيذ مواد العهد حجر الزاوية في مسألة تحويله من مجرد التزام اخلاقي الى مواد قانونية ملزمة التطبيق ..وتتلخص غالبية النقاشات حول هذا الموضوع في الكيفية الممكنة لتقديم الشكاوى والالتماسات ومن يحق له ذلك – الافراد , المنظمات , الدول على بعضها - , وكانت الغالبية من الدول العربية مع تثبيت مواد خاصة في العهد تتضمن ذلك .
فقد اشار ممثل سوريا الى ان الجزء الثالث من مشروع العهد الذي يعالج اجراءات وضعه موضع التنفيذ يشكل الجزء الاكثر اهمية واشار الى القانون الجديد ليس كافيا وانما يجب اعتماد وسائل مناسبة لأحترامه , وان الإجراءات المنصوص عليها في مشروع العهد ليست كافية ..متضامنا مع مقترح قدمه مندوب السويد يقضي بافساح المجال لتقديم الشكاوى المتعلقة بحقوق الانسان ليس فقط من قبل الدول وانما ايضا من قبل الافراد كما اقترح مندوب السويد ان يتم تنظيم زيارات الى الدول وباشراف الأمم المتحدة لضمان تنفيذ مواد العهدين .
واوضح مندوب مصر ان بلاده تدعم انشاء لجنة دائمة لحقوق الانسان الى جانب محكمة للعقوبات وذلك لتقصي الحقائق او لأتخاذ أي اجراء تراه ضروريا .. وكانت مصر من اشد المؤدين لحق الافراد الى جانب المنظمات غير الحكومية في رفع الالتماسات للجنة حقوق الانسان .. وبالضد من ذلك كان موقف المملكة العربية السعودية حين دعت الى الحد من وعدم التوسع في هذه الآليات لأن في ذلك مساس بسيادة الدول حسب ادعاءه . يذكر ان هذا الموضوع اثير مرة اخرى بعد عشر سنوات / حدود العام 1965 وباستثناء لبنان فان جميع الدول العربية كان لها تحفظات بهذا الشكل او ذاك حول القيام باجراءات تطبيقية باي درجة كانت , فقد عبر ممثل تونس عن موقفه المؤيد للتطبيق على مراحل فيما اعلنت ممثلة العراق ( باديا افنان ) ان افضل وسيلة لضمان التقدم في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تتمثل باعتماد اجراءات تشريعية مما يستعي الاشارة لها في المادة الثانية وتحفظ ممثل المملكة العربية السعودية على هذا الاعلان واشار انه لايكفي الاعتماد على الاجراءات التشريعية لضمان الحقوق وانما يجب النظر ودراسة الوسائل التي تضع نصوص العهد موضع التنفيذ . فيما ابدى الوفد المغربي ارتياحه للنصوص المتعلقة بنظام التقارير الدورية وانشاء اللجان المعنية بحقوق الانسان لأنها تقدم نوعا من المرونة . وسجل موقف المملكة العربية السعودية بالتشكيك في هذا النظام موضحا ان ذلك غير قابل للتطبيق ويهدد ببعض الصعوبات القانونية ويفتح الباب امام اساءة استعمال هذا النظام ..سيما وان الدول الكبرى ستجده منفذا للتدخل في الشوؤن الداخلية ودعا الى تفادي نظام الشكاوى واقترح بدائل تتلخص في انشاء لجان وطنية غير حكومية لحقوق الانسان تتألف من تسعة اشخاص مؤهلين ويتمتعون بحصانة ضد الدولة وتقوم هذه اللجان بمتابعة هذه الانتهاكات وعند عدم التزام الحكومات يمكن اللجوء الى لجنة حقوق الانسان في الأمم المتحدة للقيام بالوساطة والتحكيم واضاف ان سيادة الدول سنكون مهددة بشكل دائمي طالما توجد شكاوى ضدها .. ولم يلق هذا المقترح قبولا في اوساط المندوبين فقام بسحبه . ورأى مندوب مصر بان فكرة منح الحق للافراد بتقديم شكاوى ليست جديدة ورأى بان لايتم التعويل عليها بنص في العهد ويمكن ان يتم منح هذا الحق بموجب بروتوكول مستقل يلحق بالعهد على ان يكون اختياريا .. وايدت ذلك مندوبة لبنان ( الآنسة طبارة ) فصاغته بشكل مقترح للتصويت وكما يلي : ( قررت اللجنة ان تصيغ من المادة الحادية والاربعين (مكرر) المتعلقة بالشكاوى الفردية بروتوكول مستقل ملحق بعهد الحقوق المدنية والسياسية ) وتم التصويت عليه واعتمد باغلبية 41 صوت - من ضمنها جميع اصوات مندوبي الدول العربية - ضد 39 صوت وامتناع 16 عن التصويت .
قضية المساواة بين الجنسين
لخلو مقترح مشروع العهد الدولي من نص حول المساواة بين المرأة والرجل في الزواج اتخذت النقاشات حول هذه المسألة اتجاها آخر ... ففي الوقت الذي كانت مندوبة العراق ( باديا أفنان ) منزعجة لتجاهل العهد الواضح لقضية المساواة أصرت على إضافة بند بهذا المعنى وتقدمت بمشروع تعديل يتضمن ضرورة النص بصورة واضحة على مسألة المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق بضمنها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فكان لها ذلك فاعتمد هذا المقترح باغلبية 34 صوت ضد لاشئ وامتناع 13 عن التصويت . ان تمرير مثل هذا النص لم يكن سهلا.. فالكثير من الدول العربية – وبعض الدول الغربية – عارضت ادراج هذا النص وذلك لأن هذا المعنى موجود في ديباجة العهد عند تأكيدها على ماورد في الميثاق حول الحق المتساوي وغير المجزأ لجميع اعضاء الاسرة البشرية , ولكن اصرار ممثلة العراق على ادراج هذه المادة بشكل منفصل اسفر عن ما هو معروف في المادة الثالثة المشتركة بين العهدين , رغم اعتراض ممثل السعودية على ذلك معتبرا ان هذا التضمين سيشكل سابقة خطيرة وانه يجب عدم الزام الدول بأي تساو بين المرأة والرجل في الميدان الاقتصادي , لأن ذلك سيؤدي احيانا لنتائج سيئة للدول خاصة في ميدان الحقوق الاقتصادية – ففي مجال العمل ونتيجة للوضع الخاص للمرأة فترات الحمل والولادة ستكون الدولة ملزمة بتوفير حقوق متساوية لها مع الرجل رغم ابتعادها عن العمل في هذه الفترات ..في حين ايد ممثل تونس مبادرة ممثلة العراق كون العالم يطور باتجاه المساواة وكذلك اشار ممثل ليبيا على ضرورة قوة الأشارة الى المساواة بين الرجل والمرأة في الزواج .
التصويت على العهدين الدوليين
اعتمدت اللجنة الثالثة بجلستها ( 1451 ) والمنعقدة بتاريخ 7 /12 /1966 بالاجماع مشروعي العهدين الدوليين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوق المدنية والسياسية وكانت الدول العربية التي صوتت لصالح اعتماد العهدين كل من ( العراق ومصر والجزائر والاردن والكويت ولبنان والسعودية والمغرب وليبيا واليمن وتونس والصومال وسوريا والسودان ) ثم صوتت اللجنة على مشروع البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد بغلبية 59 صوت من بينها اصوات ممثلي ( المغرب وليبيا والارن وتونس ومصر ولبنان والسودان ) ضد صوتين وامتناع 32 عن التصويت من بينها اصوات ممثلي ( العراق وسوريا والجزائر والسعودية )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1. حقوق الإنسان بين السيادة الوطنية والالتزام الدولي - مدير مركز مساواة لحقوق الإنسان نشر في القاهرة يوم 06 - 04 – 2010 https://www.masress.com/alkahera/682
2. بيار سيزري بوري / خواطر حول فكرة الطبيعة ـ نحو قراءة تثقافية للفصل الاول من الاعلان العالمي لحقوق الانسان / المجلة العربية لحقوق الانسان / المعهد العربي لحقوق الانسان / العدد 1 سنة 1994 ص 30-41 . ويذكر ان الاستاذ بيار سيزري بوري اشار الى ان نتائج التصويت النهائي كانت 28 صوت مقابل صفر واحتفاظ 8 باصواتهم وهم ممثلوا بلدان اوربا الشرقية .
استفادت هذه الورقة كثيرا من محاضر النقاشات عند التحضير للأعلان في أروقة لجنة حقوق الانسان وفي أروقة اللجنة الثالثة أيضا وكذلك من الدراسات التالية:
1. محمد امين الميداني /دور العرب في صياغة الشرعة الدولية لحقوق الانسان /رواق عربي عدد33 سنة 1998 صفحة 30.
2. د. عبد الله البستاني /الاعلان الدولي لحقوق الانسان / محاضرة القيت في نادي المحامين في 22/2/1951-مطبعة السعدي –بغداد 1951 – صفحة 8
3. محمد امين الميداني /مصدر سابق /صفحة 31 هامش 34 .
4. هشام سليمان عبد الغفار / موقف الدول العربية من صياغة المواثيق الدولية لحقوق الانسان / رواق عربي العدد 38/39 صفحة 139.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |