|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
محمد قعدان
2018 / 11 / 26
"إن معرفة كيف نجد كل مرّة نقطة التوازن التقدمي(أي في البرنامج الشخصي لكلّ فرد) هو فنّ السياسي، وليس فنّ المُعدل الذهبي، ولكن حقاً السياسي الذي لديهِ خط مُحدد تماماً مع منظور واسع للنظرِ إلى المُستقبل." جرامشي
حركةِ أبناء البلد بالداخل الفلسطيني في تاريخها المُمتد منذُ عام 1969، تُحاول أن تجد الفلسطيني بين رُكامات الصهيونيّة وأدبيّات الحزب الشيوعي الإسرائيلي. إنطلاقتها كانت من أم الفحم عبر الإنتخابات المحليّة، مما يجعلنا نظنّ أنها حركةِ الأطراف بالداخل أي لا تُعبّر عن المركز مدينةِ الناصرة. مما يتطلب من تكوّنها وضع برنامج حقيقي لهذهِ الطبقة التي خرجت الحركةِ من أحشائها في هذهِ الفترةِ الشائكة(بعد عدوان 1967) وإحتلال باقي الأراضي الفلسطينيّة وأيضاً عربيّة. في ظلّ فشل الحركةِ في إستقطاب الجماهير الفلسطينيّة في الداخل على أساس الصيغة الوطنيّة، وأيضاً لم تستطع الحركة بلورة قاعدة جماهيريّة حقيقيّة حتى الأن، من هُنا نرى أن العائق هو في عمليّة تمثيل الفلسطيني. سأحاول توضيح فهم العوائق من خلال طرح قسمين،: التعريف الفلسطيني بالداخل ؟ لكي نفهم ما هي إمكانيّة تمثيل الفلسطيني بالداخل.
أفول الحركةِ وتخبطاتها لاحقاً، مُتعلق في -تحديد الفلسطيني- وإمكانيّة تمثيله، على أساس مصلحةِ الأطراف بالداخل الفلسطيني(القرى والبلدان المُهمشة). المقولة التي يقوم عليها المقالة، بأن حركةِ أبناء البلد لم تستطع إنتاج معرفة ومُمارسة سياسيّة على أساس الموازنة بين البرنامج الشخصي لكلّ فرد وبرنامج الحركةِ السياسيّة الحالي، أي لم تجد فنّ المُعدل الذهبي. سأناقش هذهِ المقولة من خلال تفاعل الحركة مع تعريف المجتمع الفلسطيني وإمكانيّة تمثيله.
تعريف الفلسطينيين بالداخل
في أم الفحم، بدأت الحركة التحضير للإنتخابات المحليّة عام 1972 وتحاول أن تطرح برنامج لحلّ مشاكل الإجتماعيّة والإقتصاديّة التي تُعاني منها أم الفحم، ضد عُملاء السُلطة والعائليّة(1) وأيضاً بادرت مع الجبهة لتشكيل لجنة الدفاع عن الأراضي(قبل القُطريّة) مما يجعل أساس الفعل الأيديولوجي هو المحليّة، وهذا الأساس كان المُسيطر حتى الخلاف الداخلي والإنقسام. بمعنى الفرد الفلسطيني تنظيمهُ يبدأ محليّا. ولكن هذا الأساس الأيديولوجي المحلي لم يستطع إستقطاب الفلسطيني، ولم تتمكن أبناء البلد من حيازة أية مجلس بلدي في تاريخها مما يُبرز الإنفصال عن برنامج الفرد الشخصي(2). هذا الإنفصال عن برنامج الفلسطينيين بالداخل كأفراد هو مُتعلق فيما نقصدهُ بالتعريف الفلسطينيين بالداخل.
طالما حركة أبناء البلد إنطلقت من الطرف(أم الفحم) الفلسطيني بالداخل، لأسباب إجتماعيّة وإقتصاديّة ولم تتمكن من تمثيلهم في المجلس ولا حتى في قرى وبلدان اخرى (مثل كفر كنّا وعارة والطيبة...) إذا الإشكاليّة هي في بلورة مفهوم الفرد الفلسطيني، وما هو الأساس الأيديولوجي للتعريف الفلسطينيين بالداخل، والتمكن من التواصل مع الجماهير.
أبناء البلد تنطلق بأنها هي البديل للفلسطينيين عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي، "الذي يُمارس صهينة الفلسطينيين بالداخل وإعاقة النضالات الحقيقيّة"(3) بمعنى تعريفها للفلسطيني ينطلق من موقع الرفض للحزب الشيوعي الإسرائيلي، وتصوّر سابق للوجود الفلسطيني. مما يلزم طرح بديل على المستوى الأيديولوجي وأيضاً المادّي، وفي مضمون حركةِ أبناء البلد تجاهل العلاقات الإجتماعيّة والسياسيّة التي حدثت في ظلّ الدولةِ الكولنياليّة بين الفرد الفلسطيني والكولينياليّة الصهيونيّة أي علاقات الأسرلة، مما سيكون عائق أمام طرح بديل حقيقي ومُتصل في الطبقةِ الإجتماعيّة(الأطراف، القرى بالداخل) التي إنطلقت منها.
الفرد يكون فلسطينيّا من خلال التماسك بين الطرح الأيديولوجي والمُمارسةِ المادّية، الطرح الأيديولوجي الفلسطيني الغير مُلتزم ببناء برنامج مادّي لتحقيق التعريف الفلسطيني الأيديولوجي سيكون فارغاً ولا معنى حقيقي لهُ عند الجماهير. عندما يكون الفرد يعيش تحت قهرِ وقمع الإستعمار يبحث عن أدوات نضاليّة تتمظهر في طروحات أيديولوجيّة. لذلك التمسك في أيديولوجيا وطنيّة من دون مُمارستها مادّيا ووضع برنامجا سياسيّا يُمثل تطلعات الشعب، فهي ستبقى دائما إنعزاليّة مُنفصلة عن الجماهير.
تعريف الفلسطيني بالداخل عند الحزب الشيوعي الإسرائيلي مُرتبط في الهويّة والثقافة ضمن حدود عمليّات الأسرلة التي تفرضها الدولة الكولنياليّة(مُراجعة مقالتي السابقة عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الحوار المُتمدن)، التعريف الفلسطيني بالداخل عند حركةِ أبناء البلد مُرتبط بالكلّ الفلسطيني، وطنيّة عابرة للحدود الكولنياليّة(التعريف النهائي بعد الإنقسامات والخلافات).
ولكن الإشكاليّة الأساسيّة هي في التعريف المادّي، بمعنى إذا كان الفرد فلسطينيّا ضمن الحدود الكولنياليّة كما يطرح الحزب الشيوعي الإسرائيلي فهو أيضاً مُرتبط في المساحةِ السياسيّة التي تفرضها الكولنياليّة وهي الكنيست، ويُمارس نشاطهُ المادّي من خلالها، ويتمكّن من إستقطاب الجماهير الفلسطينيّة من خلال المواطنة التي تضمن لهم الإمكانيّة على الأقل للنضال من أجل تحقيق مُكتسبات التعريف الفلسطيني ضمن الحدود الكولنياليّة، الإتساق بين الأيديولوجيا والمُمارسة(في فصلِ مُمارسة الحزب بالداخل سأناقش أكثر الكنيست وأدوات النضال). ولكن ما تطرحهُ حركةِ أبناء البلد في التعريف الفلسطيني الأيديولوجي، في داخلهِ فراغ، فراغ برنامج الفرد الشخصي. هذا الفراغ أيضاً يتمظهر في تحليل فُقدان إمكانيّة التمثيل للفلسطينيين بالداخل.
ما هي إمكانيّات تمثيل الفلسطيني؟
"إن الحياة بالنسبة للجماهير العربية الفلسطينيّة في فلسطين، وعلى جانبي الخط الأخضر، فهي عبارة عن نضال متواصل للدفاع وجودهم وبيوتهم وأرضهم وحقوقهم اليوميّة." بيان حركةِ أبناء البلد(4)
هذهِ الكلمات مُقتبسة من بيانِ حركةِ أبناء البلد عن -حلّ الدولةِ الواحدة الديمقراطي- ما يظهرُ في هذهِ الكلمات هو مُحاولة تمثيل الفلسطيني سياسيّا، سأناقش أولا مفهوم الفلسطيني الجامد (النابع من السلب للعمليّة التي قام الحزب الشيوعي الإسرائيلي ما تُسميه حركةِ أبناء البلد "الصهينة". بأن الفلسطيني هو موجود حقّا، والمُشكلة هي عمليّة الصهينة.) تمثيل الفلسطيني الذي يقوم على أساس الوحدة لا الإختلاف، وأثرُ ذلك على إمكانيّة المُمارسة السياسيّة والإجتماعيّة، بالتالي فُقدانها -تمثيل للداخل الفلسطيني-.
في نقدِ جيل دولوز للتمثيل(كمفهوم مُجرد)، يُبرز دولوز قُصور التمثيل على إحتواء ما لا يستطيع إدراكهُ. كونهُ قائم على إستيعاب ما هو في نطاق مُعيّن، تمّ تحديدهُ سلفاً. بمعنى هو غير قادر على إستيعاب الإختلاف. بذلك يخلق مفاهيم جامدة لتمثيلها في الفكر والفلسفة والسياسة والهويّة. وما يهمّنا في سياق تمثيل الفلسطيني هو الهويّة، تمثيل الإختلاف، يفرض أولويّة الصيرورة على الهويّة تجعل المعنى والتعريف مُرتبط بالحدث وليس بالشيء. يقصد بذلك دولوز بأن الإرتباط بالحدث هو بالضرورة مُتغيّر وديناميكي، على عكس الإرتباط بالشيء الجامد. مما يجعل الفعل هو أساس معنى الهويّة وليس صفةً لها عابرة(5).
نقدي على تمثيل الفلسطيني عند حركةِ أبناء البلد، بأنها تنطلق من الوحدة الفلسطينيّة، لتُبرر برنامجها السياسي(الفعل). "إن هذا النضال الشعبي يتطلب أكبر قدر مُمكن من الوحدةِ الوطنيّة رغم درجاتِ التفاوت في البرامج السياسيّة والحلول المطروحة." هي تُعلق الفعل والمُمارسةِ السياسيّة في الشيء(المُحدد سلفاً) وهي تهمل درجات التفاوت ولا تريد أن تتفاعل مع درجات التفاوت لتنطلق منها لا العكس. طالما ننطلق من الوحدة لا الإختلاف، ستكون المُمارسةِ السياسيّة جامدة ولا تطمح لخلق إبداع جديد، كونها الهويّة مُحددة سلفاً، والفعل مقولب في جُملٍ وبياناتٍ جاهزة لا حاجة للخلق، فقط إنتظار الحدث القادم. وما يطرحهُ دولوز بأن يكون الحدث والفعل هو أساس عمليّة التمثيل، بأن تكون الهويّة الفلسطينيّة هي صيرورةِ الإختلاف بين الفلسطينيين، وتنطلق من الإختلاف إلى الحلّ الحقيقي.
الفعل والمُمارسةِ السياسيّة بالداخل لا تستطيع أن تفرض وحدة فلسطينيّة مقولبة وجاهزة في كلّ علاقات الأسرلة(حددتها في المقالاتِ السابقة، لسؤالِ الحزب) التي يعيشها الفلسطينيين بالداخل. الجماهير بالداخل ستلفظك طالما لم تطرح لإختلافها(علاقات الأسرلة) حلاً حقيقيّا.
عندما قرّرت لجنةِ المُتابعة العليا بالداخل والقائمة المُشتركة تنظيم مُظاهرةٍ قُطريّة في ساحةِ رابين(تل أبيب)، إحتجاجاً على قانون القوميّة(كحدثٍ دراميتكيّ على الفلسطينيين). رفضت حركةِ أبناء البلد على أساس الهويّة المُحددة سلفاً(6)، وليس على أساس الهويّة التي نطمحُ إليها. هي تفتتح بيانها في كلمات "يا جماهيرنا الوطنية الفلسطينية: "(7) بمعنى هي تُحدد وتُعلق الحدث بالشيء الفلسطيني السابق للحدث والفعل، والجدير بالذكر هُنا، هو الزيف المعنى كونهُ لا يوجد حقّا "جماهيرنا الوطنيّة الفلسطينيّة". وتنطلق حركةِ أبناء البلد من هذا المعنى الزائف إلى أن هذهِ النشاطات هي التي تُحافظ على الأسرلة وتصوّر بأننا تستطيع أن نفلت منها، ولكن الأسرلة هي علاقات يوميّة وواقعاً يعيشهُ الفلسطينيين بالداخل، في حالة فهمنا الأسرلة على أنها العلاقات الإجتماعيّة والسياسيّة التي نعيشها في الدولةِ الكولنياليّة، العلاقات القمعيّة، القوانين التي تفرضها الدولة، عملُنا، تعليمنا، ومجلسنا المحلي وكلّ دور إجتماعي وسياسي هو يُعبّر عن علاقات أسرلة جارية ونعيشها.
طرحت حركةِ أبناء في ذاتِ البيان، مُبادرةً سياسيّة: "واننا في الداخل ، نعلن عن مبادرة لاقامة اطار كفاحي جبهوي واسع يحتضن الاطر والحراكات والشخصيات الوطنية والمثقفين الوطنيين ، الذين يتماثلون مع رؤيتنا الوطنية الجذرية ، في اطار للمقاومة الشعبية ، يتجاوز سقف "المتابعة"(8) التي تحولت الى فئوية وليست جامعة تراعي مختلف التوجهات كما ينص دستورها ، والذي لا يختلف عن سقفِ القائمة المشتركة." المُبادرة هي فارغة سياسيّا ولم تخلق أيّة مُمارسةٍ سياسيّة حقيقيّة أو حتى إبداع البديل عن القائمةِ المُشتركة و"مشروع الكنيست". هذهِ المُبادرة، أي هذا الفعل هو مُحدد بالمعنى السابق لوجود الفعل، الشيء الفلسطيني، وهكذا المُبادرة هي تقع في سياق قمعِ الإختلاف الذي يؤسس لوجودنا الحقيقي كفلسطينيين بالداخل. المُبادرة لا تُعالج ولا تطرح مشروعاً للعلاقات الإجتماعيّة الماديّة التي نعيشها، بل تُحدد المشروع بالهويّة المُحددة سلفاً، أي كوننا فلسطينيين فقط.
حركةِ أبناء البلد لم تستطيع تحقيق برنامج سياسي على أساس التوازن بين البرنامج الشخصي والبرنامج الوطني، وما أوردتهُ في المقال بأن سببُ ذلك هو إشكاليّة تعريف الفلسطيني، على أساس الوحدة السابقة للفعل أو على أساس الإختلاف المُرتبطة بالحدث والفعل، ومما يُعيق تمثيلهُ وأثرُ ذلك على المُمارسةِ السياسيّة لحركةِ أبناء البلد. وما أقدمهُ في المقالة بأن تحديد معنى الهويّة على أساس الفعل، مُرتبط بإنشاء نقاباتٍ عُماليّة تُحافظ على حقوقِ العُمال بالداخل وتخلق برنامج إجتماعي سياسي، وهكذا نخلق معنى لهويّتنا الفلسطينيّة. وأيضاً مُبادراتٍ تطوعيّة في القرى والمدن بشكلٍ مُكثف تُعطي معنى حقيقي للهويّة على أساس إختلافنا كوننا بالداخل، لكي تبني الهويّة الجامعة الحقيقيّة. عند جيل دولوز التغيير الثوري عبارة عن عمليّة جذب الظواهر الصغيرة للنُظم الكبيرة، وهكذا ما هذهِ المُمارسات والظواهر الصغيرة التي نقوم بها هي أساس التغيير الثوري.
****
المراجع
1. مقالة. الفكر القومي للعرب الفلسطينيين في «إسرائيل»: الحركة الوطنية التقدمية «أبناء البلد». عزيز حيدر
2. المصدر نفسهُ
3. المصدر نفسهُ
4. بيان حركةِ أبناء البلد: من أجل فلسطين حرّة ديمقراطيّة
5. مقالة. سياسات الرغبة-دراسة فلسفة دولوز السياسيّة. أنور مُغيث
6. بيان حركةِ أبناء البلد: فلسطين وطننا واسرائيل ليست دولتنا ،ومصيرنا مرتبط مع شعبنا.
7. المصدر نفسهُ
8. المصدر نفسهُ
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |