قراءة في المباحث الأولى من كتاب السيميائية وفلسفة اللغة ل أمبرتو إيكو، ت أحمد الصمعي

محمد الورداشي
2017 / 12 / 16

كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة الحسن الثاني

عرض بعنوان:

قراءة في المباحث الثلاثة الأولى من الباب الأول، من كتاب "السيميائية وفلسفة اللغة" ل أمبرطو إيكو.



من إعداد الطالب: محمد الورداشي. إشراف الأستاذ: رشيد الإدريسي. 

- تقديم:
غالبا ما يتم تقديم تعريف للعلامة على أنها "شيء يقوم مقام شيء آخر"، وبهذا يتبين أن العلامة تحيل على شيء آخر قد يكون صريحا/مباشرا، أو ضمنيا/ غير مباشر. فانطلاقا مما ورد في مقدمة مترجم الكتاب يبدو جليا أن مفهوم العلامة احتل وما يزال مكانة مهمة في بلورة إشكالية هذا الكتاب إلى جانب مفاهيم أخرى (المدلول، الاستعارة، الرمز، السنن).
إننا نود تقديم قراءة في المباحث الثلاثة الأولى من الباب الأول من الكتاب، المعنون ب "العلامة والاستدلال". ففي المقدمة أشار إلى بعض أسماء فلاسفة اللغة الكبار الذين أدركوا أهمية النقاش حول اللغة وباقي الأنظمة الأخرى، وأكد على ضرورة العودة إلى النقاش الفلسفي لفهم فلسفة أرسطو الأولى (الوجود يمكن أن يقال بطرق شتى)، وكذلك لوك، الذي أشار إلى أن المعرفة الإنسانية تتلخص بأكملها في: الفيزياء والأخلاق، والسيميائيات. يقول إيكو بهذا الصدد: "إن كان الأمر على هذا النحو فلا نستغرب أن الكتب في تاريخ الفلسفة "تمحو" هذه السيميائيات كما لو أن ضرورة إرجاع فلسفة بأكملها إلى مسألة العلامة، تبدو خطرا ينبغي إزالته حتى لا يشوش الأنظمة والصور المطمئنة التي قدمتها التقاليد". (ص33). ومنه، نبسط التساؤلات الآتية قصد ذكر الإجابات التي أورده إيكو في هذا الصدد، إذن؛ ماذا يقصد المؤلف بموت العلامة؟ ما هي علامات الإصرار؟ أين يتم إنتاج الدلالة؛ أتنتج في المفهوم أم الماصدق؟
1- موت العلامة؟
إذا كانت العلامة تحتل مكانة هامة داخل التحليل السيميائي، بغض النظر عن دورها الكبير في بلورة إشكالية الكتاب، فما الدعي إلى الإعلان عن موتها؟ وهل هذا الموت حقيقي أم أنه مجازي؟
يستهل المؤلف حديثه بسؤال ضمني، في ظل التطورات التي شهدها الحقل السيميائي كعلم في القرن الماضي، إذ إنه كان مصحوبا بصيحة تنم عن موت العلامة، أو أزمة العلامة. لقد قدم إيكو فكرة مركزية حول الظرفية التي تقول إن الاختصاصات ينبغي أن تنظر إلى موضوعها نظرة بلاغية كانت متميزة لدى البلاغيين. لهذا يمكن أن نستشف من رأي إيكو أنه يزعم تقديم نقد تاريخي للعلامة. إلا أنه ينبغي العودة إلى جذورها التاريخية. يقول إيكو: "فالعبارة اليونانية (سيميون) حتى وإن كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بعبارة "تيكميريون" التي تترجم عادة بعرض، كانت منذ عهد اليونان تستعمل مصطلحا تقنيا في مدرسة أبيقراط وفي التفكير البرمنيدي".
إذا كانت العلامة مستعملة منذ القدم- أي مع الفلاسفة اليونان؛ فإنها لم ترد كعلم إلا مع الرواقيين. كذلك وردت عبارة "سيميوطيكي" لتكون علما للعلامات، ومنطلقا لكل الباحثين المحدثين.
شكل مفهوم العلامة أزمة منذ بدايته، لهذا ارتأى إيكو أنه من المحبذ تقديم نقد صارم لهذا المفهوم، ليعلن عن موته. وبالتالي يكون له ميلاد جديد باسم جديد. كما أن هذا الموت يحدث –حسب إيكو- كلما تم إخضاع المفهوم إلى إعادة النظر من وجهة السيميائية التاريخية، إلا أن هذه الخاصية- موت العلامة- لم تكن حديثة، إنما هي موغلة في القدم، فخضعت بموجبها العلامة إلى "عملية محو صامتة".
إن علم العلامات لم ينشأ كعلم دفعة واحدة، إنما ورد على شكل دراسات أساسية (مثل الأرغانون للومبار، بورس، موريس يلمسلف). ثم على شكل نقاشات من التلميحات المتناثرة ذات طابع أشمل، ثم كإشارات صريحة تهدف إلى القيام بدراسة، بمعنى إعادة بناء الأفكار القديمة من زاوية نظر سيميائية (لوك، سوسير). فبالرغم من هذه الأشواط لم تحظ نظرية العلامة باهتمام داخل النقاشات الفلسفية، ومنه: ما مآل نظرية العلامة في غياب أسس فلسفية؟
ظلت السيميائية مدة طويلة في هامش الخطابات الفلسفية، لكن بعد التطورات التي شهدها القرن التاسع عشر، خاصة نظرته البيولوجية للعلوم، وفي النصف الثاني من القرن العشرين تم الاهتمام بالسيميائية كأنها لم تمر من ذلك المحو الصامت التي مرت منه في القدم، حتى غدت شاملة تستوعب مسائل الفيزياء وعلم النفس والبيولوجية والتاريخ.
بناء عليه، يتساءل أمبرطو إيكو إن كانت السيميائية قد حققت انتصارها خلال هذا القرن.
2- علامات الإصرار.
مع كل الإخفاقات التي شاهدتها العلامة، إلا أنها ظلت تحيى وتنمو في الاستعمال اليومي للغة.
2-1: استدلالات طبيعية.
إن العلامة تدل من خلال مجموعة من الأشكال التواصلية تقودنا إلى التوصل إلى ما تخفيه العلامة، فهي حاضرة في "الأعراض الطبية، أو معالم الجريمة أو المؤشرات الجوية، كما نستعمل عبارات من قبيل "لا يريد أن يكف عن أمر".
إذن، فإن العلامة تحمل دلالة أو إحالة إلى شيء قد يكون ظاهرا، وقد يختفي جزء منه، لـتأتي العلامة لترشدنا للوصول إليه، أضف أن العلامة تدخل في باب المجاز المرسل.
مثال:
"لم يأت فلان إلى الطبيب بعلامة، بل بطوفان من البول" إذن: البول= علامة، وهذا ما يمثل المجاز. إلى جانب العلامات الخصوصية (الآثار، الطلول).
يمكن للعلامة أن تتشكل من كل حدث طبيعي، ومنه فإن الشيء لا يمكن أن يكون علامة، إلا إذا تم إخضاعه إلى فعل تأويل يجعله علامة على شيء ما. (موريس).
إن العلامة تقوم مقام شيء آخر بواسطة آلية الاستلزام الفيلوني.
مثال:
الضغط المرتفع احتمال أن يولد الانفجار.
إذا كان لون الشفق في السماء أحمر ف هناك أمل أن جو الغد أجمل.
2-2: معادلات اعتباطية.
تقيم العلامات الطبيعية دلالاتها على أساس علاقة استلزامية، بمعنى ق تحتمل وقوع ض، وهي ما يسمى بالاستلزام الفيلوني، فإن اللغة العادية صنفا آخر من العلامة، إنه الصنف الذي يقوم على علاقة اعتباطية نتيجة التواطؤ الاجتماعي (السنن عند إيكو). هذا ما يجعل العلامة معروفة لدى الجميع، ما يسميه إيكو بالتكافؤ، أي التساوي في معرفة دلالة العلامة المسننة اجتماعيا.
مثال:
الإشارة بالتحية = الرغبة في التواصل= الشفرة المسننة.
المرسل+ التحية= المتلقي= التواصل.
"وبهذا المعنى فإن الرايات وإشارات المرور والشعارات، والعلامات الصناعية والتجارية... هي علامات بالنسبة لجميع الناس.
إن الكلمات المستعملة في التواصل يمكن أن تكون علامات؛ لأنها غالبا ما تكون متداولة بين الجميع (الاعتباطية= التكافؤ).
2-3: رسوم بيانية.
إن الحديث عن الرموز هو حديث عن العلامات، فالرموز " تمثل أشياء وعلاقات ذهنية من قبيل المرمزات المنطقية والكيميائية والجوية والرسوم البيانية"، وهي الأخرى تخضع إلى منطق الاعتباطية، إلا أنها تخضع للتنويع في التعبيرات التي من شأنها أن تحدث تغييرا في المضمون، عكس العلامات الاعتباطية، فمثلا كلمة "شجرة" إذا كتبناها باللون الأحمر (شجرة) أو غيره، فإنه لا يغير من مضمونها باستثناء التغيير في حروفها.
فالرسوم البيانية إذا ما تم التغيير في تعبيرها يتغير المضمون، (الخريطة: إذا قمنا بتغيير في التعبير، كإضافة خط، فإن المضمون سيتغير)، ويعزى هذا إلى كون هذه العلامات يتطابق التعبير فيها مع المضمون. لهذا فإن العلاقة اعتباطية، إلا أن هذه الرسوم تحتوي على عناصر تبرير. يخلص إيكو إلى أن" علامات الصنف الثالث مع أنها من إنتاج الكائن البشري لغاية التواصل، فإنها في ما يبدو تخضع إلى أنموذج الصنف الأول، أي ق تحتمل ض، وهي ليست طبيعية كالأولى بل يقال عنها إنها أيقونية.
2-4: رسوم.
في هذه النقطة يتحدث إيكو عن صنف الرسوم كعلامات، ويقول إن ما يبرر وجودها هو كونها طريقة بصرية تنسخ الأشياء الملموسة، كرسم الحيوان للتعبير عن مضمون يشير إليه. إذن، ما الذي يجمع بين الرسم والرسم البياني؟ وأين يختلفان؟
ما يجمع بين الصنفين هو أننا نضيف أشياء على الرسم للتكهن بشكل جديد، كإضافة شاربي لشخص ما، إذ إنه يتكهن إلى شكله الجديد.



أما ما يختلفان فيه حسب رأي إيكو الآتي:
الرسم الرسم البياني
- أكثر تلقائية (مباشر)
- يصور شيئا ملموسا. - يتبع قواعد دقيقة في الإنتاج.
- يصور أشياء ذهنية.

2-5: شعارات.
غالبا ما يتم إقحام هذا النوع من أصناف التعبير على أنه علامات؛ لأنه يدل على شيء ما، وبالتالي فإن البحث يتجاوز الشيء المعطى للبحث عن المضمون، أي ما يود أن يخبرنا عنه التعبير. أي:
المنجل كشعار = الشيوعية
الصليب = المسيحية.
الهلال = الإسلام
إن هذه الرسوم أيقونية، لأنها تعتمد على الرؤية البصرية شأنها شأن الرسوم البيانية، إلا أنهما يختلفان من حيث طرق التعبير. فالرسوم البيانية تخضع لاستعمال وفق قواعد، أما الشعارات كعلامات؛ فإنها تحيل على مجال معين من المدلولات غير المحددة، فالمنجل والهلال يحيلان على: الشيوعية بالنسبة للأول، والإسلام بالنسبة للثاني.
2-6: أهداف.
في هذه النقطة تحدث إيكو عن العلامة كهدف وموجه، بمعنى أنها لم تعد تقوم مقام شيء آخر فحسب، إنما أضحت توجه الشيء نحو الهدف الذي سيكون عليه حتى يحقق الهدف من وجوده.
نجمة القطب= علامة عند الملاح، بمعنى أنها توجيه نحو الهدف.
3- المفهوم والماصدق.
إن الحديث عن العلاقة بين المفهوم والماصدق، جعل إيكو يتساءل عن العلامة؛ أهي شيء يمثل في الذهن (المفهوم) أم أنه شيء يصدق على الأشياء في الكون (الماصدق)؟ أين يتم إنتاج الدلالة، أعلى مستوى المفاهيم أم على مستوى الماصدق؟
من خلال المثال الأول الذي صاغه إيكو يبدو أن المفهوم يضيق بعدما يحضر الماصدق في العالم الخارجي.
المفهوم = الشجرة= شامل وشاسع، يحتوي كل الأشجار التي توجد في الكون.
الماصدق= شجرة التفاح= يضيق المفهوم ليقتصر على دلالة بعينها.
الراية الحمراء والمنجل = الشيوعية (ق=ض)، ولكن في الماصدق يحضر الاحتمال:
شخص يحمل راية حمراء+ منجل = شيوعي.
فمن خلال هذه الأمثلة نستشف أن إنتاج الدلالة يتأرجح بين العلامة (المجرد/ الملموس، المادي/ اللامادي). هذا ما يبرر موت العلامة، لتبقى وظيفتها أنها تقوم مقام الشيء الآخر. هل يمكننا القول إن المفهوم ينصهر في العالم الخارجي ليعلن موته، وبالتي ميلاده الجديد في الماصدق؟ كيف يستعمل الجنس البشري العمليات الدلالية ليبرر غياب العلامة؟ هل يمكن أن نتحدث عن دلالة الشيء في غياب العلامة.
يخرج إيكو بخلاصة مفادها، أن مسألة موت العلامة أو غيابها تطرح مشكلة كيفية اشتغال عمليات الدلالة؟
فالإجابة تبقى في أفق انتظار أن تجعل السيميائية لنفسها موضوعا نظرية يمكن تعريفه، هل يمكن أن نتحدث عن موضوع نظري للعلامة في بعدها عن الخطاب الفلسفي؟ ما الصيغة التي سيكون عليها علم العلامات بعدما يحدد موضوعه نظريا؟ هل سيكون الموضوع ذا طبيعة مفهومية؟
4- الحلول المتملصة:
يقر البعض أن لفظ "علامة" يدل على ما هو لغوي، أي ما هو قابل للتمفصل المزدوج داخل مقولات ضمن جداول وأنساق. كما أنه متفق عليه من أجل غرض التواصل، في حين أن الظواهر الأخرى التي لا يمكن أن تخضع لنظام المقولات اللغوية لا يمكن أن تعوض العلامة؛ لأنها ليست علامات، إنما هي أعراض ومقدمات لاستدلالات محتملة، تدرس من قبل علم آخر قد يكون أشمل من اللسانيات. ففي هذا السياق يطرح إشكال حول العلم الذي سيتعين عليه دراسات هذه العلامات الغير اللغوية (الرموز)، وبأي مقولة؟
بناء عليه، يرى إيكو أن نظرية العلامات التي تعود لبورس، تبدو ملائمة لأنها تتضمن ثلاث مواضيع مختلفة:
"شخص يحمل في عروة ثوبه شارة تمثل منجلا مطرقة".
- نظرية المعنى المقصود: ذلك الشخص يحيل إلى أنه شيوعي؟
- نظرية التمثيل والرسم: ذلك الشعار يمثل رمزيا الاتحاد بين العمال والفلاحين؟
- نظرية البرهان/ الاستدلال: بما أنه يحمل ذلك الشعار فهو إذن شيوعي.
إلا أن هذه النظرية رغم ما قدمته، فإنها ستصطدم بالعادة العرفية. لماذا كان الناس يطلقون لفظة "علامة" على كل الظواهر، في حين كان من الممكن تقسيمها على هذه المواضيع الثلاثة؟
يخلص إيكو أن ما يبرر خضوع العلامة لهذه النظريات الثلاث، كونها –العلامة-تحيل على شيء يوجد خارج كيانها.
4- خلاصة.
يمكن القول إن موت العلامة موت مجازي فقط؛ لأنها حتى وإن غابت في لحظة ما، فإن الشيء الذي تحيل عليه يعيد بعثها من وجهة نظر سيميائية ذات أبعاد تاريخية، ولها موضوع نظري يمكن تعريفه بداية من منظور فلسفي، ولعل هذا ما يميز السيميائية العامة عن الخاصة.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي