|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
رائف أمير اسماعيل
2017 / 3 / 30
استغربت زوجته منه حين رأته يؤشربسبابته نقاطا في الهواء ثم يدوِّر بينها كلتا يديه، ثم يكرر بنقاط أخر... لم تشأ أن تقطع مايشغله وفضلت أن تراقب. لكن صبرها نفذ بعد أن شغلها غليان ابريق الشاي وعادت لتجده على نفس المنوال:
- مابك؟ ماذا تفعل؟
- لاشيء... دعيني وحدي لدقائق رجاءً.
لكن الدقائق امتدت لساعات... سخر منه أطفاله فقلدوا حركاته دون أن يعيرهما أي اهتمام. ثم عاد الى نشاطه اليومي.
برر لزوجته: إنه يجمع أفكاره... نتائج افتراضاته على ضوء نتائج العلم، ورد اعتراضها:إن الكتابة والرسم على الورق لايسمح له أن يتخيل بثلاثة أبعاد ... بل بأربعة كما شاهدت عندما كان يحرك جسمه مع يديه).
وهكذا، حصل على بعض من الاقتناع داخل بيته، الذي لم يحصل عليه خارجه... حين اضطر أن يجرب كما ادعى في اماكن متعددة، بعضها كان وسط جمهرة الناس وهزئهم به.
لم يشر كل تاريخه لأربعين سنة مضت أنه قد (شطح) بسلوكه أو أفكاره... آخره أنه كان رب اسره ناجح ... أب حنون لثلاثة أطفال، وزوج فاضل لزوجة أحبته.
وموظف مثابر، عرف زملائه سعة ادراكه وثقافته العالية وعنائه باختصاصات علمية ليست هي اختصاصه الدراسي ولا الوظيفي.
لذا، صاحب استغراب كل المقربون منه بعض التفهم... بل حاولوا أن يحيطوا به، فيصدوا عنه ماقد يؤذيه من الجمهور ... ويصاحبه أصحابه عندما يقرر (التأشير) في مكانات خالية ... أو يساعدوه عندما يجرب على جبل عالٍ أو فوق سطح بحر.
لكن الكثير منهم بعدها افترقوا عنه، بعد أن عبرت تجاربه (التأشيرية) الشهر تلو الآخر... وانفصلت عنه زوجته مصطحبة أطفاله عندما دفع بأصابعه سنة مرت وأصر على البدء من جديد.
برر لصديق حميم له،إنه يصنع كرة بيضاء في الهواء. ورد على شكوكه، إنه نجح في تجميع نصفها، فيعترض الصديق:
- لكن أين هذا النصف... لماذا لا أراه أنا أيضا... لماذا تراه أنت وحدك ولايراه باقي الناس؟
- وهل كنا نرى مايدور في دماغ اينشتين؟ ألم يفشل أديسون مرات عديدة قبل أن يخترع المصباح؟
- لكن أنت تفعل شيء مختلف... صحيح ان الهواء فيه غازات وغبار، لكن كيف يمكن جمعها بتدوير اليدين... ثم هذا الادعاء بأنك جمعت النصف من كرة بيضاء غير مقبول اطلاقا.
وشرح له أنه يستخدم ذهنه أيضا، وأن حاستي البصر واللمس عنده قد تضاعفتا عن باقي البشر بفضل الممارسة المتكررة الى الحد الذي بات فيه يتحسس الزمكان.
وهكذا أحتار من يصغي إليه ومن يجادله، فهو لا يمنطق كلامه إلا على اسس علمية ... ثم يختتم انزعاجه من الجدال بـ: تذكروا (كهف افلاطون) ... اتركوني وحدي رجاءً.
بعد ثلاث سنوات تقريبا سمع الناس صراخه وهو يهتف فرحا: هاهي الكرة البيضاء... تعالوا شاهدوا بأعينكم ... تعالوا يامن استهزئتم بي( كانت الكرة تلحقه على بعد متر منه أينما ذهب).
دهشت كل البشرية برؤية الكرة البيضاء... الكل هرع لمشاهدتها وتصويرها... بل بات الاطفال والكبار (يؤشرون) مثله كل يوم.
سألوه:
- ماذا تعني هذه الكرة ...ومافائدتها؟... هل بداخلها شيء؟
فكان جوابه أنه دخل فيها وخرج رغم أن حجمها لم يتعدَّ حجم كرة قدم ثم وصف:
- بداخلها فراغ... بداخلها سعادة لاتوصف... بداخلها العمر يطول الى مالانهاية... حياة كلها شعور بالانتشاء... تفكير حر يصل الى كل مديات الوجود... التوحد مع الوجود.
ثم اصطحب معه صديقه الصبور الى داخلها، فخرج ليؤكد اقواله ... ثم رهط من العلماء...
أكد لهم: لايستطيع دخولها من لايملك دماغا علميا ... فالمسألة هي: بناء يدخل في بناء ولابد من توافق.
ثم فاجأهم: كل منكم يستطيع أن يصنع لنفسه كرة بيضاء أذا سار بنفس الخطى ... خطى العلم والتجربة.
فأنكبت البشرية كلها ... تتعلم الجديد... وتجرب.
بعد سنوات قليلة، غطت سماء كوكب الأرض ملايين الكرات ...البيضاء.
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |