معادلات الزمن الصعب

رائف أمير اسماعيل
2015 / 11 / 23

ارتعب الاطفال وفروا بكل الاتجاهات خوفا من صوت الاطلاقات المتناثرة فوق رؤوسهم. فصارت مقاعد الدراسة هي الملاذ الذي تبولوا تحته من ارتجاف هز ابدانهم الناعمة. تبعهم كادر المدرسة التدريسي في ارتجاف مزدوج خوفا على النفس وعلى الاطفال باللوذ الى استفهام مشتت عما يجري.
نفسها ساحة اللعب اليومية التي كانت مراكض مرح لزهور ملونة ترسم اشكالا هندسية وغير هندسية يتبعها عطر عرق يفوح من اجساد لم يكمل أكبرها سن الثالثة عشرة، تحولت الى مفازع ركلات الارهابيين السبعة على مؤخرات المتخلفين منهم عن الاستجابة لدوي لم يسمعوه من قبل فتسمروا في اماكنهم.
حشروا من التلاميذ والتلميذات مازاد عن المائة في ثلاث غرف دراسية لاصقين معهم معلميهم .. بينما أطلقوا سراح البعض مع معلماتهم (ليزفوا) خبر احتجاز الرهائن في الطرقات .. والى المسؤولين.
هاج الضمير الانساني عبر كل وسائل الاتصالات .... بكت كل الطرقات ... خفقت قلوب ذوي المحتجزين وهي تصرخ بالآهات. وماعادت السنتهم تصلح الا لنطق التوسلات، من الحكومة ومن رب العباد.
ساعات عبرت كأنها لسان من نار حتى اعلن النبأ ... بعدما افلست أجهزة الامن من ان تتدارك الحدث.
- عدد من الارهابيين المجرمين احتجزوا أكثر من مئة تلميذ وتلميذة في مدرسة (....) في مدينة (.......) ويهددون بقتلهم اذا لم يستجاب الى شروطهم. ... هكذا صرح بكل شفافية وزير الداخلية. ثم أكدت المنظمة الارهابية التي تبنت العملية شروطها التي سلمت للحكومة عبر موقعها الالكتروني مفوتة ً عليها ماقد تضلل بها شعبها. ... أولا : نقل الارهابيين ومعهم المحتجزين بطائرة الى داخل الكيان الارهابي التي اقتطعته تلك المنظمة من تلك الدولة. ثانيا : يطلق سراح معتقلين من داخل سجون الحكومة بنفس عدد المحتجزين.
وساد الانتظار...
وساد القلق والترقب.
وساد الحدث على كل الاحداث.
وساد التبول.. بعدما اعلن الارهابيون انهم سيبدئون بقتل الاطفال واحدا تلو الآخر اذا لم تنفذ مطالبهم بعد 3 ساعات ...
وبعد 3 ساعات بالضبط أثبت الارهابيون انهم شرعوا أن يشقوا السماء بأول سيف لهم بعدما عرض فلم فيديو مباشر لهم على موقع المنظمة تحضيرات قطع رأس أحد الاطفال.
كان الطفل (المغمى عليه) ممدد فوق احدى مقاعد دراسة العلم ..... وأمام سبورة العلم يعلن الارهابي (المعلم) معادلته .... أما أن تطلقوا سراح اطفالنا أو نذبح أطفالكم.... سنعطيكم ساعة اضافية.
لكن فيدو أخر ظهر في موقع الكتروني آخر بعد ساعة .. أظهر ان السيف النازل قد انحرف كثيرا عن رقبة التلميذ يتبعه جسد الارهابي الساقط الى الارض ... المطرز ببقع دم زامنها صوت اطلاقات انبعث من بندقية ارهابي آخر تقدم باكيا ليعلن:
- لااااااااا ... نحن الستة الباقون لن نقبل بهذا الاجرام. لكن اصغوا جيدا لكل كلمة سأقولها قبل فوات الاوان... ثم رجع قليلا الى السبورة ليعلن المعادلة الثانية فيصرخ:
- نحن لسنا ارهابيين ... نحن اناس مثلكم ... يعيش كل منا نحن الستة في مدينة أوقرية بسلام قبل أن تحتل تلك المنظمة الارهابية مدننا وقرانا وتفتعل لها كيان... تلك المنظمة قتلت الكثير منا .. سبت نسائنا ... ذاقتنا الذعر ونحن بداخل بيوتنا .. بداخل نومنا واحلامنا فساقتنا نحن الستة مع مئات سوق الخرفان الى معسكراتهم التدريبية ... منا من كان مدرسا ومنا من كان مهندسا ومنا من حلم يوما انه سيصعد الى القمر... وبعد تدريب جنوني شاق امرونا ان ننفذ هذه المهمة القذرة... وكانت المعادلة فيها .. اما ننفذ أو تقتل عوائلنا وأطفالنا ... وقالوا لنا بعدما سرنا .. فليبارككم الرب.
أجهش بالبكاء وهو يرفع يديه متوسلا الى السماء مثلما رفعها في ذات الوقت أهل الرهائن ثم بح القول مرتجفا:
- لا .... الانسانية هي التي يجب ان تنتصر ... العدالة هي التي يجب ان تنتصر .... اسمعوني جيدا .. ليسمع كل العالم ... لتسمع كل الانسانية الاستنتاج الصعب ... لا هؤلاء الاطفال لهم ذنب ليقتلوا ولا اهلنا واطفالنا لهم ذنب ليقتلوا.. لكن المعادلة يجب ان تنحاز للانسانية لا للارهاب ... الارهاب يريد احتجاز هؤلاء الاطفال لينفذ شروطه ... واذا لم نقتلهم نحن سيقتلون عوائلنا دون ان تنفذ شروطه وبهكذا نخسر نحن عوائلنا .. لكن الانسانية هي من ستنتصر في هذه الحالة المأساوية. ثم صرخ باعلى صوت وهو يشير بيديه الى الكاميرا ... لن ننفذ ايتها المنظمة اللعينة .. ثم انهار ساقطا مغميا عليه ليتلوه الارهابي الاخر قائلا:
- انا مدرس فيزياء وسأخط بكلامي في الهواء المعادلة الثالثة ..... هذا الارهابي الذي قتلناه هو الوحيد الذي كان مقتنعا بهذه العملية فيما استشفينا من بعضنا .. وكنا خائفين منه اشد الخوف عدا طبعا خوفنا على اهلنا الرهائن. ... نعم كان ينوي اكمال العملية باقصى ما تتطلب .. كان يريد قتل هؤلاء الاطفال في حال عدم الاستجابة للشروط ثم ينتحر ... تعرفون لماذا؟؟ ... تعرفون ياحكام العالم لماذا ؟؟ .. لأن اباه قتلته الحكومة بعد تعذيب شديد وأخوانه الاثنين هم الآن في سجون الحكومة ... فقط لأنهم تكلموا ... لأنهم قالوا للناس هذا حكم ظالم .. هذا حكم أفقر شعبه ... لأنهم نددوا بالدكتاتورية.... نعم ايها الناس هو قبلها لم يكن ارهابيا ... كان يقول لنا حلمه ونحن في الطريق الى هذا المكان .. كان يحلم بزوجة واطفال ... النظام الدكتاتوري وأد زوجته واطفاله وهم في مرحلة الحلم.
ثم تنح جانبا ليفسح المجال للارهابي الثالث ليصدح بمعادلته الرابعة:
- انا خباز ولا افهم في السياسة شيئا .. ولا اعتقد ان خبازا في يوم من الايام قبل ان يكون ارهابيا ... لكن مالم يقله لكم اخواني هؤلاء .. اننا لو اطلقنا سراح هؤلاء الاطفال فان الحكومة ستلقي علينا القبض ثم تقتلنا مثلما قتلت قبلنا آلاف الابرياء... ثم ضحك والدموع تنهال عل خديه .. ستخسرون خبزي اذا اعدمتني الحكومة.
- لايهم .... فلتفعل الحكومة بنا ماتشاء قال الارهابي الخامس .. يكفينا شرفا اننا لم نقتل هؤلاء الاطفال رغم ان عوائلنا ستموت بدلا عنهم ..
- عاش الشعب عاشت الانسانية ... انطلقوا ايها الاطفال الى بيوتكم ... انطلقوا ايها الاخوة المعلمين .. وأرجوا منكم أن تعذروننا فيما فعلنا بكم من فعل شنيع... قاطعه الارهابي السادس.
نشفت ملابس الاطفال والمعلمين الداخلية من بولها بعدما ضربها هواء سرعة ركضهم وهم منطلقين من صفوف الاحتجاز الى خارج المدرسة.
فرح ذويهم وكل العالم لاطلاق سراحهم .... لكنهم لم ينسوا ان عوائل اخرى قد اعدمتها المنظمة في الوقت نفسه .. ولم ينسوا أيضا ان الحكومة بعدها اعدمت الارهابيين الستة.
صمت الشعب كثيرا وفكر .... فكر كيف ينهي معادلة أخيرة ... أما هو وأما الدكتاتورية فقرر ..... أن يثور فيثأر.

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي