![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
خديجة آيت عمي
2014 / 9 / 19
عادة ما كانت السيدة العجوز تمشي بخطى هادئة ،مسترسلة، كريح الصيف . كانت تصطحب طفلا لم يتجاوز الثالثة من العمر . كنت أراها تأخذ الطفل ثم تعيده في إخلاص إلى الحضانة على الحادية عشر و الربع بالضبط .كنت أستغرب في قصة تلك السيدة ذات العيون الزرقاء الهادئة التي ترتدي في أناقة القديمات لونها الأحمر ، لا شك أنه لونها المفضل ، "و لوني المفضل أيضا "، قلت في نفسي .
و لا شك أنها خالة أو عمة أحد أبوي الطفل .
و لا شك أيضا أنها كانت جميلة أيضا في شبابها ، إذ حتى بعد مباغثة العجز ، تبقى الملامح كما كانت و هي أساس الوجه .
ثم حدث أن أصبحنا أصدقاء و علمت من هذه السيدة التي تفوق الثمانين أنها ليست من هنا ،بل و كما هي الحروب دوما فقد قدمت من لاتفيا في فترة الحرب العالمية الثانية هربا من بطش الشيوعيين وأنها اشتغلت كعاملة بمصنع الشوكولا ببرمينغهام Birmingham لعقود قبل أن تضطر إلى بيع بيتها ليتسنّى لها شراء بيت بحديقة بلندن تقطن فيه هي و ابنتها الباحثة البيولوجية بسبب غلاء البيوت بلندن .
أخبرتني إيفا مؤخرا أن جلّ من كانت تعرفهم قد ماتوا ، لكنني استطردت :" لا تزال مهمتك تنتظرك ،
إذ لا يمكن لساندرا العمل إن لم يكن أحدا يهتم بصموئيل ."
في هذا الصباح مررت أمام بيتها ، طرقت الباب ، فتحَتْ رغم انحنائها سألتُها إن كان بالإمكان اصطحاب الطفل إلى المدرسة ، أجابت مبتسمة بعيون ترفرف :" لا ،شكرا ، إنه لا يزال يهيء نفسه ".
في تلك اللحظة رأيتها في عام 1945 واقفة تنتظر القيام بعمل أي شئ مهما كلف الأمررر، مقابل حياتها ، و رأيت تفانيها اللامتناهي و هي تمشي في كبرياء متثاقلة على عكازها لتأخذ حفيدها إلى المدرسة بنفسها رغم الإعياء و الألم .
قلت : " إنها تقوم بالمهمّة التي خُلقت من أجلها و أن الموت لن يأتي إلى أن تنتهي تلك المهمة " .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |