![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
خديجة آيت عمي
2012 / 5 / 18
قبل حوالي ثلاثة وعشرين عاما زرت السيد مومن في بيته بإحدى الأحياء الجميلة بباريس . لم أعد أذكر بالضبط قد تكون " نويي سور سان "ربّما .
كانت زيارة خفيفة إذ كنت قد قررت القيام بتلك الزيارة إثر المتاعب المتوالية التي وضعتني فيها الحكومة الفرنسية التي بالإضافة إلى مضايقات حياتية ، بسبب انخراطي الثقافي الفنّي المكثف الذي لا يخلو منه الإرتباط الإنساني و الأخلاقي كما تمليه الحريات و مجال حقوق الإنسان أُدخلت في متاهات أوراق الإقامة التي رفضت الحكومة الفرنسية تجديدها لي. إذ تبقى فرنسا رغم ولادتها للثورة الفرنسية و مطاردتها إلى آخر رمق للملكية والدوقية و النبلاء وفيّة ومتابعة عن كثب لأخبار الملوك و الأمراء بل لا تخلو نسخة واحدة من " باري ماتش " من نميمة حول أمير أو ملك ما.
وإثر الإستدعاأت المتتالية كان لا بد لي من الحضور إلى مكتب المخابرات " سيزيام بيرو " على أن أجيب عن الأسئلة المطروحة في حضور رجل مخابرات ولسبب ما أيقنت أنه لم يكن سوى مغربيا مثلي ، لكن من الضفة الأخرى .
لم ينطق المغربي الطويل القامة بشئ بل اكتفى بإلقائي بنظرات لا يمكنني نعتها سوى بالخبيثة ....
طرقنا الباب ، فتحت لنا سيدة مهذبة بملامح آسيوية الباب ، اعتقدتها في البداية الخادمة إلى أن قدمها لي السيد مومن على أساس أنها زوجته . تعجبت قليلا ، إذ لم أسمع من قبل عن زواج من هذا النوع .
كانت شقة السيد الديوري مؤثثة بأغلى الأثاث كما هو حال القاطنين بتلك الأحياء ـ لا أريد أن أسميها راقية لأنني لا أؤمن بهذا المطلح و لكن ليكن كذلك .
أجلسني السيد مومن ليس ببعيد منه و أخذ يحدثني عن أبي و حول ظروف إعدامه وإفلات السيد الديوري من نفس الحكم لحسن حظه .
و مع ذلك قرَّرَت فرنسا ( الماضية لمعاهدات حقوق الإنسان كافة ) نفيه إلى الغابون و أعلمت دار المخزن بالأمرمعرِّضة حياة المناضل في خطر لا مفرّ منه ، و لولا القدر لتمّ اختطافه و العبث به كما تفعل الكلاب الجائعة قبل قذفه إلى مقبرة جماعية أخرى .
كانت أسابيع عصيبة استمر مسلسلها بالتلفزيون تحت مونطاج أمّنا الحنون و برعاية الرفيق ميتران وبحضور ملايين الفرنسيين اللذين استنكروا العمل السّادي الشرير .
مرضت لتلك الأيام و تعلّمت أن فرنسا هي صاحبة الشأن و أن كلامها هو النهائي و أننا في حقيقة الأمر لا نزال سوى رعايا تحت استعمارها و تحت قوانينها الإستعمارية التي يتم ممارستها لحد اليوم بالوطن الحزين كالتوقيف المفاجئ الذي يقوم به رجال البوليس دون مقدمات و إحالة الموقوفين إلى عدالة هي في الواقع غير عادلة ما دامت لا تتمتع بأدنى شروطها كحق المتهم في الدفاع عن نفسه ثم قانون منع التجول ليلا والذي نعيش على إيقاعه منذ 1912 .
كان الجميع خائفا من أن يفقد السيد الديوري حياته كما فقدها مَنْ قبله ـ و لا يزال السيناريو قائما ـ .
أثناء تلك اللحظة الأليمة التي رأيت فيها المناضل الكبير كما بالسيرك في قفص تكاد تنهش الدّواب المفترسة لحمه في مرأى من رؤساء عالميين و مدراء مكاتبهم و هم يكتفون بالتفرج و من ثم التلذّذ بآلام الآخرين .
لم يكن بيدي شئ لأنقذ المسكين و اكتفيت بإرسال بطاقة تضامن مع عائلة السيد مومن وكم كانت غبطتي كبيرة حين سمعت بإعادته سالما من الغابون إلى فرنسا مرة أخرى .
قصة المغرب المعاصر قصة طويلة و أكتفي بتعازي العميقة وتحياتي القلبيّة إلى عائلة الفقيد المناضل الذي ظل واقفا إلى أن غادر كما سيفعل الجميع .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |