في الديموقراطية..الجزء1

عادل الكنوني
2007 / 11 / 16

فمن الأكيد أن الحياة الفكرية و السياسية العربية بالخصوص قد عرفت بداية الصحوة لاسيما و أن معظم مستخدمي الأنترنيت هم من فئة تتراوح أعمارهم بين 16 و 45 سنة, أي أنهم هم عصب المجتمعات العربية, و من تمت فالسؤال الذي يطرح نفسه هو على أي أساس نريد بناء مجتمعاتنا العربية و نحن نستحضر التسارع الكبير للأحدث السياسية الخطيرة التي تمر بها أوطاننا؟ كما يتبادر للذهن إمكانية خلق مجتمعات ديمقراطية تحترف كرامة الإنسان و تجعل شريعتها احترام قدرات العقل الإنساني و تطبيق ما نادى به الفيلسوف التنويري إيمانويل كانط فيما سماه بالأخلاق العملية, و التي تجعل من الإنسان سيد نفسه و تذيب الفروق الفردية و العرقية و الدينية لتستحضر الإنسان و العقل و الكرامة التي تميز هذا الكائن الجسور هن باقي الكائنات الأخرى, فهل استطعنا أن نستوعب هذا درس الإنساني و نجعل من الأخلاق رغم نسبية مرجعيتها و اختلافها مؤسسا لعلاقتنا داخل المجتمع الواحد و لعلاقتنا بالآخر؟
لا يمكن أن نختزل الإجابة بالنفي أو الإثبات نظرا لمرارة التجربة مع الآخر و نظرا لغياب وعي ثقافي و سياسي بمجتمعاتنا, لكن من الممكن أن نقول إن تأسيس المؤسسة أو إعادة إنتاج نفس المؤسسة هو الطاغي على ثقافتنا لاسيما أن ما يوجه الإعلام و الثقافة هو الأنظمة الحاكمة بالأساس و هو نالذي أشار إليه بيير بورديو في كتابه إعادة الإنتاج.فلنتصور معا أننا نعيش في مجتمع ديمقراطي, و لنتصور أننا ندرك مكر اللعبة السياسية و ما تفرضه من توافقات مشبوهة فهل من الممكن ان نتحدث عن ديمقراطية بالمرجع العربي و الإسلامي؟
سؤال يضعنا أمام مشكل تأصيل لمفهوم الديموقراطية هل سبب رفض هذا المفهوم من طرف قوى اليمين في المجتمعات العربية هو كونه لا ينتمي لغويا و لسانيا إلى اللغة العربية أن أنه لم يحترم خصوصية الدين و الثقافة العربية و الإسلامية بجميع ما تحمله كلمة ثقافة من كلمة و كما دافع عنها مؤسسو سوسيولوحيا الثقافة؟
إن الخلاف أعمق بكثير مما يتبادر للذهن, لاسيما و أن المفاهيم تتعالى على الواقع لكونها هي ما ينظر لتغيير الواقع وليس لتكريسه كما أنها لا تتميز بالجاهزية و التمامية ما دامت تخاطب الإنسان و المجتمع و تستحضر هنا الطابع الدينامي و اللانهائي للتطور و التقدم الذي هو سنة الحياة و الوجود, فالحديث عن المفاهيم دائما يصطدم بالإشكالية التالية: على أي مرجع مؤسس؟ وهل يوافق واقعنا؟
فلنبدأ بتحليل مفهوم جديد على الساحة السياسية و الثقافية العربية و الإسلامية و الذي هو مفهوم الديموقراطية, إذ يرجع استعمال هذا المصطلح إلى القرن السادس قبل الميلاد او قبله بقليل في بلاد اليونان القديمة و التي كانت تسمى بآسيا الصغرى و بالأساس في بلاد ملطة و كانت بالأساس تقوم على مشاركة السكان الأصليين باستثناء النساء في الانتخابات, لكن و بفعل تطور المفهوم مع دخوله إلى أوربا و خاصة مع ظهور فلسفة الأنوار في القرن الثامن عشر و التي مهدت لها الفلسفة العقلانية الديكارتية, لاح في الأفق معنا آخر للديمقراطية و الذي يفيد الحد من احتكار السلطة و الدعوة إلى فصل السلط مع مونتيسكيو, و هو الأمر الذي لم تتقبله السلطة الحاكمة و كذلك الكنيسة و لكن بعد سقوط الملكية في فرنسا و بداية التخلص من أقطاب الاستبداد إبان الجمهورية الخامسة , و تراجع سلطة الكنيسة من خلال إقرار الدساتير الوضعية نشأ عن ذلك كله تراجع للقوى المحافظة و بدأ المفهوم الفلسفي يتحول إلى واقع سياسي وانتقلنا من فترة التنظير إلى الممارسة فهل ظل المفهوم محترما لما ننادى به؟
الإجابة بالتأكيد لا لأن المفهوم كان يتعالى على مجتمع أو تجربة اجتماعية بعينها, في حين أننا اليوم نرى العكس أصبح المفهوم مفهوم خاصا جدا و يشار به إلى تجربة خاصة جدا أصبحت تحتوي على كل مكوناته, و هذا الاختزال في حقيقته تشويه للمفهوم و دعوة إلى تصنيف قبلي للمجتمعات وفق النظام الديمقراطي السائد الذي يفرض بشكل أو بآخر من خلال الإعلام أو من خلال صندوق النقد الدولي و الإعانات التي تقدم للدول المتخلفة, وبدلا من العودة إلى النظرية أصبحنا نتشبث بالتطبيق و نجعله النبراس الذي يجب على كل مجتمع أراد أن ينهض أن يلتزم به و كأنه طقوس دينية لابد من تطبيقها كما نزلت , فحين أن كل تطبيق يصطدم بعراقيل من شأنها أن تجعل للمفهوم أكثر من شكل أنطولوجي في الواقع, هذا و ان معظم الدول التي يرى البعض على أنها رائدة في تطبيق المفهوم على المستوى السياسي بالأساس لا تعرف تطبيق له إلى من ناحية الوجود الجماعي الداخلي للدولة إذ ان معظم سياساتها اتجاه الآخر تكون لا ديمقراطية و هو ما يتضح بالأساس فس تشكيلة الأمم المتحدة مثلا و في الدول التي لها الحق في استخدام الفيتو, فهل فعلا يتم استحضار الأغلبية فقررات هذا المحفل الدولي؟
لن نجيب على سؤال استنكاري لكن لنسجل أن الواقع يكذب النظرية في بعض الاحيان و انإكراهاته تجعل بعض الأنظمة تتحايل على شعوبها, من خلال تكريس مجموعة من القيم الإنسانية دونما استيعاب حقيقي لتاريخها و تطورها, و هو الأمر الذي يجعنا نِكد على ان المفهوم رغم ما يحتويه من قيمة إنسانية إلى ان تحريفه هو الذي يخلق الخلاف و يجعله مشوها حتى في البلدان التي تتبجح بمرجعيته و بتطبيقه, فلا يمكن ان نقر كذلك بضرورة تجاوزه لكونه محرفا , لمن من الضروري أن نخلقه من جديد وفق تركيبة مجتمعاتنا الخاصة وان نجعله يواكب منظومة قيمنا العربية من خلال تطبيق واضح يضمن للمتعاقدين كل الحقوق و الواجبات حكاما و محكومين.
العودة إلى الذات:
إننا نعرف من نحن و من نكون, لكن لا نعرف كيف نبني مجتمعاتنا دونما حصول أي شرخ في هويتنا و انتمائنا, و أقصد بالهوية كل الشروط القبلية التي تنسب إلينا حتى قبل وجودنا, إنني و أنا ذاهب إلى الولايات الامريكية مثلا اعرف مسبقا كيف هي طبيعة العلاقات الإجتماعية و الإقتصادية و أعرف كذلك لدي معرفة مسبقة بالمزاج الأمريكي العام للشعب الأمريكي أي أعرف ماهية الشعب الأمريكي, كما أعرف طبيعة الفلسفة الاجتماعية التي تسود فيه انطلاقا من نوذجه الأسري..إلخ …
كل تكل المكونات التي هي معطاة مسبقا كل خوض التجربة أي التي تشكل شخصية المجتمع الأمريكي, و أستطيع أن أتكيف معها و ربما أصبح مكونا من مكوناتها إذا ما انخرطت في إحدى بنياتها السياسية او الإجتماعية او المدنية… لكن لماذا عندما نعود إلى بيوتنا لا نجد لنا هوية خاصة و لا نعرف لوجودنا لونا؟
ألأننا نحن من فضلنا مسح هويتنا و اقتناء واحدة جاهزة بمقاس معين او بهبة مالية معينة؟
دائما نترك الإجابة للقارئ و نطرح إشكالية أخرى نرى أنها جوهرية في علاقنا بمفهوم الديموقراطية و هي ألا يمكن أن نعتبر أن الشورى تمثل صورة من صور الوجود الديمقرطي أو مكون من المكونات الأساسية لهذا المفهوم إذا ما نحن أقررنا مسبقا ان الشورى كانت صورة تمثل غياب الإستبداد في اتخاد القرارت التي تخص الدولة؟
هذا و يضاف مفهوم جديد /قديم و هو مفهوم البيعة الذي نعتبره أساسيا في الحديث عن الديمقراطية ( ذات المرجعية الإسلامية إن سلمنا بهذا الطرح) حيث كان يتم اختيار الخليفة او الحاكم من طرف الأمة بالتصويت, و نظرا لشروط موضوعية كقلة السكان كان من السهل تجمع الناس في مكان معين للبيعة و هو الأمر الذي لا يمكن ان يتاتى اليوم مع هذه الحشود و الملايين المشكلة للدول الإسلامية, و بالتالي نرى ان اللجوء الإنتخابات و إلى الإقتراعات المباشرة و النيابية سهلت هذا الفعل, فإذا أنطلقنا من كون المنتخبون على مستوى المدن و الجهات هم من يبايعون الخليفة مثلا سنقر بأن النائب يقوم بالنيابات عن كل من صوت عليه اي انه يبنوب عن الأغلبية من الأمة و بالتالي القول بتطبيق الإقتراع في شكله الحالي هو من باب البدع امر فيه أخذ و رد من باب أن الشكل تغير لظروف موضوعية ( كثرة السكان و استحالة القيام بالبيعة في شكلها التقليدي) كما أن النيابة عن الأمة من خلال منتخبيها ليست بدعة مادام هناك اكثر من حدث وقع في عهد الرسول(ص) و الذي يفيد جواز النيابة مثل ما فعل الرسول عندما تخلف عثمان عن البيعة تحت الشجرة لأسباب وجيهة (عثمان لم يبايع تحت الشجرة لأنه كان مبعوث النبي الى قريش) فمد الرسول يده فوق أيدهم معلنا أنه ينوب عن عثمان.

يتبع...

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي