على ضفاف دجلة

خالد خليل
2024 / 6 / 7

ذات مرة، في مدينة بغداد الصاخبة خلال العصر الذهبي للخلافة العباسية، عاش شاعر يدعى أبو العتاهية. ولد في عام 748 م، وكان اسمه الحقيقي إسماعيل بن قاسم. اشتهر أبو العتاهية بآياته الزهدية وتأملاته في الحياة والموت، وكان مثيرًا للإعجاب ومثيرًا للجدل.

في أحد الأيام، بينما كانت الشمس تغيب فوق نهر دجلة، كان أبو العتاهية يتجول في أسواق بغداد المزدحمة. كانت رائحة التوابل تملأ الهواء، وأصوات التجار تدعو الزبائن تتناغم مع ضحكات الأطفال الذين يلعبون في الشوارع. ومع ذلك، كان الشاعر يعيش في عالمه الخاص، غارقًا في تأملاته.

بينما كان يسير بجانب الأكشاك، لاحظ زاوية هادئة بالقرب من مسجد قديم، فقرر أن يجلس هناك لبعض الوقت. جلس على مقعد حجري وأخذ يتأمل في ألوان السماء المتغيرة مع غروب الشمس.

فجأة، ظهر شاب أمامه، تتسم ملامحه بالقلق والاضطراب. انحنى الشاب باحترام وقال: "هل أنت أبو العتاهية؟ سمعت عنك كثيرًا وأتيت لأطلب نصيحتك."

ابتسم أبو العتاهية ودعاه للجلوس بجانبه. بدأ الشاب يروي قصته؛ تحدث عن طموحاته الكبيرة، وحبه لامرأة شابة، وخوفه من المستقبل. استمع أبو العتاهية بصبر، وعندما انتهى الشاب، ابتسم وقال: "ما يشتهي المرء لا يجزى له أبدًا، ولا يحوز إلا ما جرب القدر."

تردد الشاب قليلاً، ثم شكر الشاعر وغادر وهو يشعر ببعض الراحة، رغم أنه لم يحصل على الإجابات الواضحة التي كان يبحث عنها.

مرت الأيام، وفي أحد الليالي الهادئة، كان أبو العتاهية يجلس في زاويته المعتادة بجانب المسجد. كانت النجوم تلمع في سماء بغداد عندما رأى الشاب يقترب منه مجددًا. هذه المرة، كانت ملامح الشاب مختلفة؛ كان هناك بريق من الثقة والإصرار في عينيه.

قال الشاب: "لقد فكرت في كلماتك يا سيد، وأدركت أن الحياة ليست دائمًا كما نتوقعها، لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نتوقف عن السعي."

ابتسم أبو العتاهية وأومأ برأسه. جلس الشاب بجانبه، وتحدثا طويلاً عن الشعر والحياة والأحلام. تبادلا الأفكار والقصائد، واكتشف الشاب جوانب جديدة من نفسه بفضل حديثه مع الشاعر.

أصبح الشاب زائرًا منتظمًا لتلك الزاوية الهادئة، وبدأ يشارك أبو العتاهية في تأملاته وشعره. وبينما كانت الأيام تمر، أدرك الشاب أن الحكمة لا تأتي من الإجابات الواضحة، بل من الأسئلة التي تفتح آفاقًا جديدة.

يقال إن هذا الشاب أصبح فيما بعد شاعرًا معروفًا وفيلسوفًا ذا شأن، وهو أبو نواس. وأصبح له شأن عظيم في الأدب العربي، واشتهر بحكمته وفلسفته العميقة. ومن أجمل ما قاله:
"دع عنك لومي فإن اللوم إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الداءُ"

وهكذا، استمر أبو العتاهية في إلهام الناس من خلال شعره وحكمته، تاركًا أثرًا عميقًا في قلوب وعقول جميع من التقى بهم في شوارع بغداد المزدحمة.

حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت