التيارات المغامرة في السياسة العربية

أحمد فاروق عباس
2024 / 6 / 5

لقضية فلسطين حل من ثلاثة حلول ، او اختيار طريق من ثلاث طرق :
١ - الحرب .
٢ - السلم .
٣ - الانتظار .

وباختصار سوف نلقي ضوءا علي الثلاث حلول او الثلاث طرق ..

١ - خيار الحرب :
والحرب انجع الوسائل لو كان في يدنا ادواتها ، ولكن المشكلة ان عدونا - ووراءه قوي عالمية عظمي - له التفوق فيها ، فالقوي الكبري التي تقف الي جانب عدونا تمده دوما بمدد لا ينتهي من السلاح المتقدم ومن الأموال ومن المساعدات في كل المجالات ، بالاضافة الي الدعم السياسي والدبلوماسي اللامحدود ..

وهو ما اتاح له التفوق في أغلب المواجهات التي دخلها معنا ، وعلي الجانب الأخر فليس معنا احد من القوي الكبري عند الجد ، وروسيا والصين ربما تبيع لنا السلاح ، ولكن كونها حليفا يمكن الاعتماد عليه حتي النهاية في حرب مصيرية أمر مشكوك فيه ..

٢ - خيار السلم :
وقد جربته مصر في السبعينات من القرن الماضي واستردت اراضيها كاملة ، وجربته الاردن عام ١٩٩٤ ، وجربه الفلسطينيون عام ١٩٩٣ في اتفاقية اوسلو التي نشأت عنها السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ..

وكان المأمول ان تتحول الي دولة ذات سيادة لولا تطورات درامتيكية بدات بمقتل اسحق رابين ثم أكملت حماس مهمة تخريب إتفاق أوسلو بعمليات التفجير في التسعينات وبعد اغتيال رابين !!

وهو ما سمح لنتنياهو بالوصول الي رئاسة الوزراء في اسرائيل ، والقضاء التام علي اي تفاوض جدي بين الفلسطنيين والاسرائيليين ..

ولخيار السلم مؤيدون كثيرون لهم رأيهم الذي يدافعون عنه بقوة ، وكذلك لخيار السلم معارضون كثر في العالم العربي ، ولهم في ذلك اراء وجيهة وتستحق الاحترام ..

٣ - خيار الانتظار :
ومؤاده ان خيار الحرب دونه مخاطر جدية وخيار السلام يواجه برفض انه - عند كثيرين - يعني التفريط وضياع الحقوق ، فالمنطق اذن هو تجميد الاوضاع كما هي عليه ، حتي تبين ظروف يمكن فيها الحركة حربا او سلما وتحقيق الاهداف العربية ..

والخيار الثالث - خيار الانتظار - كان هو الخيار المفضل للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الذي كان يري ان وجود اسرائيل غير طبيعي في قلب العالم العربي ، وانه مهما طال الزمن فهي الي زوال ، بشرط ان يقطع العرب ما فاتهم من اشواط التقدم ، ويصبحون علي وضع يستطيعون فيه فرض ارادتهم علي الدولة العبرية ..

ولكن لم يترك احد عبد الناصر يجمع اسباب القوة لمصر والعرب ، وكان الفخ المشهور عام ١٩٦٧ ، والذي ساعد عليه بقوة كثير من التيارات المغامرة وغير المسئولة في العالم العربي ..

وكان ان دخلت مصر مواجهة مع اسرائيل قبل الاوان ، وكانت النتيحة ان خسرت مصر سيناء كلها ، وخسرت سوريا مرتغعات الجولان ، وخسر الاردن والفلسطينيين الضفة الغربية بما فيها القدس .. وضاعت بالتالي كل فلسطين .. ومعها أجزاء لا يستهان بها من الأرض العربية ..

وقد عادت تلك التيارات المغامرة وغير المسئولة الان تمارس نفس أفعالها القديمة ، بدون التعلم من الدروس ، او دراسة التجارب ، او محاولة تراكم الخبرات ..
فهي تمر عليها السنين والعقود بدون ان تفهم شيئا او تتعلم شيئا ..

ومثال تلك التيارات المغامرة في السياسة العربية بعض التيارات اليسارية في الستينات والسبعينات - حزب البعث وبعض الحركات اليسارية الفلسطينية - وبعض تيارات الاسلام السياسي اليوم .. والاخوان المسلمين أهمها ..

وقد ظلت تلك التيارات اسيره لخطابها الذي اصابه الجمود والتكلس ، واصبح نصوص محفوظة .. شبه مقدسة !!

مع انه في كل التيارات والاحزاب السياسية هناك مستويين للخطاب :
خطاب موجه لجماهيرها ، بغية جذب الانصار او الرد علي المخالفين ، وهو في العادة خطاب زاعق وغير عقلاني ..
بينما هناك خطاب اخر اكثر رشدا وعقلانية تدير به الامور بعقل وحساب ..

ولكن مشكلة تلك التيارات المغامرة في السياسية العرببة ان خطابها الموجه لجماهيرها قد سيطر علي عقول قادتها ، ولم تستطع بالتالي التفرقة بين الواقع والخيال ، وبين الممكن سياسيا وبين المستحيل عمليا .. علي الأقل في ظروف العالم في الحقبة التي نعيشها ..

لفد اقصي خيار السلم ومعه خيار الانتظار ، وتم تصعيد خطاب الحرب او المقاومة كخيار وحيد ..
ولم تجري اي مناقشة حول ذلك الخيار الاستراتيجي علي أي مستوي من القيادة ..

ومرة أخري .. ليس هناك مشكلة في ذلك لو ان تلك التيارات المغامرة اخذت امورها بجدية واستعدت لخيار الحرب بصورة حقيقية ، وحسبت للأمر حسابه .. متي تبدأ .. وكيف تتوقف .. من معها في الميدان .. كيف ستدير المعركة السياسة والدبلوماسية كما تدير معركة السلاح.. ما هو الهدف الممكن التحقيق في هذه المرحلة من تصعيد خيار الحرب دون غيره من خيارت ...

لكن المشاهد ان ذلك لم يحدث ..
وما حدث هو توجيه ضربة للعدو الاسرائيلي يعقبها انتقام مروع نخسر فيه عشرات الألاف بين شهداء وجرحي ومصابين ، وهدم بيوت وتدمير مستسفيات ومدارس ومرافق .. وكل ما صنعناه بجهد شاق من طاقات الحياة ..

وزاد عليها هذه المرة فقداننا للأرض ، ثم محاولة اسرائيل طرد الفلسطنيين من أرضهم ، وكأننا رجعنا الي عام ١٩٤٨ مرة أخري ، وكأننا نعيش نكبة جديدة ..

لا تقدم للأمة العربية ولفلسطين اذا لم نجد طريقة نوقف بها سيطرة تلك التيارات المغامرة وغير المسئولة علي العقل العربي ..

قد يقول قائل .. ولكن في كل الأمم التي تعرضت للاحتلال ظهرت حركات مقاومة للعدو ، تناضل وتحارب من أجل أوطانها ..
وذلك صحيح .. بل هو واجب ..

لكن المشاهد ان حركات المقاومة عند اغلب الشعوب التي تعرضت للاحتلال كان لديها عقلها ، الذي تحسب به حساب افعالها ، واي الوسائل تؤدي بها الي تحقيق نتائجها ، وأي الاوقات مناسبة اكثر من غيرها لوسيلة ما ..

اي أنه كان في رأسها عقل ، وانها كانت تستخدمه ..

وهو كل ما نرجوه من حركات المقاومة علي الارض العربية ..
لا نريدها ان تلقي سلاحها .. فمادام هناك احتلال يجب ان تكون هناك مقاومة ..
ولا نريدها ان تتخلي عن قضيتها .. فذلك لا يصح ولا ينبغي ..

كل ما نرجوه منها ان تكون حركات مسؤولة وليست منفلتة ، وألا نجد انفسنا كل عقد من السنين او اكثر مع نكبة أو نكسة عربية جديدة ..

حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت