![]() |
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
![]() |
خيارات وادوات |
ثامر عباس
2024 / 3 / 14
حين يسلم المرء قياده للخيال ويمضي خلف دعاوى الذاكرة ، لاستطلاع بواكير الوعي في المجتمع العراقي والاستدلال على بدايات تشكيل منظوماته الثقافية ، فان الاحالة المتوقعة ستكون باتجاه ما تمخض عن صدمة الحداثة الغربية التي رافقت ظاهرة المدّ الاستعماري وما تبلور على أساسها – ألم يزعم البعض بأنها كانت القابلة التي أنجبت الفكرة الليبرالية من رحم مجتمع عاقر ؟! .
بيد ان الاطمئنان لهذه الحصيلة الجاهزة لا يعدو أن يكون سوى ابتسارا"للوقائع واختزالا"للأحداث ، التي شهدها ذلك المجتمع منذ مطلع القرن العشرين المنصرم ولحد الآن . ذلك لأن فاعلية تلك الصدمة – وان شملت حقول شتى – كانت ترمي الى تحقيق الهيمنة السياسية ، وتعميق التبعية الاقتصادية ، وتمزيق الوحدة الاجتماعية ، وتلفيق الفتوحات الثقافية ، دون أن تحفل بما ستؤول اليه الأوضاع من طغيان في الحالة الأولى ، والحرمان في الحالة الثانية ، والامتهان في الحالة الثالثة ، والارتهان في الحالة الرابعة .
وهو ما تصدّت لكبحه وأسهمت بفضحه ثلة من الوطنيين الأقحاح الذين واجهوا ، متنكبين سلاح الفكر العلمي والثقافة العقلانية ، صعوبات مادية واعتبارية قلّ نظيرها لدى أقرانهم في المجتمعات الأخرى . ليس لأن الأفكار التي كانوا يروجونها تتسم بنزعة المناهضة الصلبة للسلطات الحاكمة والمناوئة الجذرية للسياسات الخاطئة فحسب ، بل ولأن المنهجية التي كانوا يحللون بموجبها الواقع ويستنبطون من خلالها المعالجات ، كانت متقدمة بأشواط على نمط القيم وأطرالتقاليد السائدة التي كان يرزح تحت وطأتها المجتمع العراقي ، بحيث طوحت بالمسلمات القارة في مخياله الجمعي وزحزحت البديهيات الراكدة في سيكولوجيته الشعبية . وهو الأمر الذي دمغ الحزب الشيوعي العراقي – منذ بداية تكوينه وعلى امتداد تاريخه – بطابع الراديكالية النقدية ، حيال ثوابت الدولة التسلطية ومرجعيات المجتمع التقليدية ومنطلقات الثقافة النخبوية ، بحيث أفضت ، بالتالي ، لابتلاء اعضائه وجمهوره بأشرس أنواع القمع وأسوأ أشكال الاضطهاد التي قلما تعرض لمثلها أقرانهم من الأحزاب الأخرى ، بالرغم مما كانوا يحملونه من آمال وما يضمرونه من نوايا .
ولهذا فان أغلب الذين أرسوا دعائم الفكر التاريخي وقواعد الثقافة الانسانية في بيئة المجتمع العراقي هم من أصول ماركسية بشكل عام وشيوعية بوجه خاص ، مما قيض لأطوارالثقافة العراقية أن تحمل بصمات الفكر الذي بشروا به ، وتضوع بنكهة الثقافة التي نشروا بذورها . ذلك لأنهم لم يراهنوا – لكي يجعلوا من الثقافة العلمية والفكر الجدلي مهمازا"لتغيير الواقع وتقدم المجتمع - فقط على (قوة الفكرة) بدلا"من (فكرة القوة) فحسب ، وانما شرعوا لبناء مدماك ثقافي يقوم على أساس المنهجية الماركسية ، التي ما أن يفرط بها أو يساوم عليها ، حتى ينمو زؤان الأفكار الفجة وتشرأب التصورات السقيمة . ولهذا كان انجلس يقول في معرض الحديث عن نفسه وعن صديقه الشهير – كما يشير لينين (( ان مذهبهما ليس بمذهب جامد ، انما هو مرشد للعمل . ان هذه الصيغة الكلاسيكية تبين بقوة رائعة وبصورة أخّاذة هذا المظهر من الماركسية الذي يغيب عن البال في كثير من الأحيان . واذ يغيب هذا المظهر عن البال ، نجعل من الماركسية شيئا"وحيد الطرف ، عديم الشكل ، شيئا"جامدا"لا حياة فيه ، ونفرّغ الماركسية من روحها الحية ، وننسف أسسها النظرية الجوهرية – ونعني بها الديالكتيك ، أي مذهب التطور التاريخي المتعدد الأشكال والحافل بالتناقضات - ونضعف صلتها بقضايا العصر العملية الدقيقة ، التي من شأنها أن تتغير لدى كل منعطف جديد في التاريخ )) .
ومن المفارقات التي كانت شائعة ابان عهود الأنظمة الدكتاتورية والايديولوجيات الشمولية ، أن النقاش الذي كان يجري في ظروف التقيّة السياسية – على ندرة حصوله ومحدودية نطاقه – بين أنصار هذا الحزب أو ذاك ، لتحليل قضية من القضايا الفكرية التي كانت تهيمن على فضاء الوعي الاجتماعي ، أو تفسير واقعة من الوقائع السياسية التي كانت تفرض سلطانها على جدول أعمال الواقع ، غالبا ما كانت حصيلته النهائية تشير لصالح تلك العناصر التي غالبا"ما كانت توصم بمرجعيتها الشيوعية ، حتى وان كانت لا تنتمي للحزب الشيوعي ، باستثناء كونها تتوفر على رصيد (متواضع) من الثقافة الماركسية . وهو الأمر الذي كان يعد سببا"كافيا"لأن تكون محط ازدراء وضغينة من لدن جميع الاتجاهات التي كانت تعمل معها على نفس الساحة وضمن ذات البيئة ، ليس لأن مدخلات تلك الثقافة كانت تشكل تحديا"لرؤى تلك المجموعات التي كانت تتغذى على المتخلف من الأفكار والمتعصب من النظريات فحسب ، وانما لعمق مخرجاتها على صعيد الوعي الاجتماعي وشمولية طروحاتها على مستوى الواقع التاريخي .
وعلى ذلك فلن يسع المرء وهو يقلب صفحات ماضي الثقافة العراقية ، التي شهدت مختلف ضروب الصراعات الايديولوجي ، منذ بواكير تشكيل الدولة (الوطنية) ولحد الآن ، ايجاد فاعل اجتماعي / مثقف حقيقي لا يمتح من معين ترسانة الفكر الماركسي أو خال من مؤثرات الثقافة الماركسية ، سواء أكان معها – معظم أجنحة اليسار – كخطاب نظري وممارسة عملية ، أو عليها – غالبية أجنحة اليمين - كنقد لطروحاتها ومعارضة لاتجاهاتها .
تعليقات
حول الموضوع
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي المركز وإنما تعبر عن رأي أصحابها |
|
هل ترغب بالتعليق على الموضوع ؟ |
إشترك في تقييم هذاالموضوع تنويه ! نتيجة التصويت غير دقيقة وتعبر عن رأى المشاركين فيه |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() |
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
جيد جدا
![]() |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
النتيجة : 100% | شارك في التصويت : 1 |