من ذاكرة التاريخ : قصة مقتل الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم

محمد رضا عباس
2023 / 7 / 12

زرت مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان الامريكية عام 1992. و يوجد في هذه المدينة جالية عربية كبيرة ومحلات تجارية , وفي باب كل محل تتوفر صحف عربية كثيرة مجانا , تحمل إعلانات تجارية ومواضيع تخص الوطن العربي . المحلات اللبنانية توفر صحف لبنانية , واليمنية توفر صحف تخص اليمن , والعراقية توفر صحف عراقية . وانا اتبضع من احد المحلات العراقية وجدت في باب محله مجلة تحت اسم " القيثارة " , صادرة بتاريخ 1992 . كانت المجلة تحمل الحلقة 11 من قصة حياة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم ولكنها بدون اسم كاتبها . كاتب الموضوع على ما يبدو كما سيكتشفه القارئ انه احد المشاركين في انقلاب الرابع عشر من رمضان , وبذلك لا يمكن الوثوق بها 100% , ومع ذلك اعتقد ان قصة اللقاء القبض على الزعيم الراحل حسب ما جاء في رواية كاتبها تستحق الدراسة والمقارنة من اجل انصاف الزعيم , وهو يستحق كل الاحترام والتقدير حيا وميتا, نظرا لحبه و اخلاصه للعراق ونظرا لأعمالها الجليلة التي قدمها للعراق. لم اضف او اقطع أي نص من هذه القصة وانما نقلتها حرفيا خدمة للقاري فتقول حلقة 11 :
اتصلت بالإذاعة تليفونيا بالمقدم الركن صبحي عبد الحميد الذي كان يدير الحركات العسكرية آنذاك وطلبت اليه ان يرسل لنا كمية كبيرة من الرمانات اليدوية وفعلا وصلت بعد مدة وجيزة , وكانت والكلام لا يزال للعقيد الركن محمد مجيد . قد اتخذت مقري عند مصرف الرافدين المطل على وزارة الدفاع واستعملت هاتف احد البيوت القريبة عند مدخل جامع المرادية من الشارع الفرعي للاتصال بمجلس قيادة الثورة وإدارة المعركة . وفي هذه الاثناء انهالت علينا عدة قنابل قادمة من جانب الكرخ فقد كان قصد رماة المدفعية هو وزارة الدفاع لكن المدى كان ينحرف مرة الى اليمين حيث كاد يصيب موقع بغداد في الكرنتينة ومرة أخرى كاد ان يقضي علينا جميعا .
اتصلت بقائد المدفعية في جانب الكرخ عبد الكريم زاهد تليفونيا وقلت له : كريم شد تسوي ... مو راح تقتلنا كلنا!! طلبت من قائد القوة المهاجمة ان ينادي على الموجودين في داخل مباني الوزارة من المحصورين وهو يتقدم في الهجوم ان ينادي بأعلى صوته " اللي يسلم ما عليه شيء" .
وفعلا تقدمت اعداد كبيرة من المحصورين رافعين الشراشف البيضاء للتسليم وكان من بينهم الزعيم الركن عبد الرحمن عبد الستار مدير الحركات العسكرية رافعين أيديهم مستسلمين . أرسلت جميع الاسرى الى بناية المستوصف العسكري في الكرنتينة المتخذ مقرا لعبد الرحمن عارف لأنه ليس لدينا مكان نوقفهم فيه غير ذلك المكان .
وفي خضم المعركة جاءنا العقيد الركن عبد الغني الراوي وداود الجنابي , وكان آنذاك عبد الكريم مصطفى نصرت معنا وقال انه قررنا ان نرسل يونس الطائي ( صحفي معروف) الى الزعيم عبد الكريم قاسم وكانت آنذاك ليونس الطائي علاقة وثيقة بالزعيم عبد الكريم قاسم .
وعن معركة وزارة الدفاع يتحدث الرئيس الأول داود عبد المجيد امر فوج المشاة الالي الثاني عن دوره في معركة وزارة الدفاع والسيطرة عليها قائلا:
كانت ناقلتي تقف بين دبابتين من كتيبة الدبابات الثانية وبدأت الرمي بالرشاشات المتوسطة . امرت احدى الدبابات التي يقودها راس العرفاء علي احتاجه ان يقرب دبابته بجانب دبابة الرئيس الأول الركن دخيل الهلالي ويرمي سيارة ( الزعيم المحمولة على ناقلة تلك السيارة التي كان يركبها عندما تعرض لعملية الاغتيال في خريف عام 1959 والتي نصبها فوق الحاملة في وسط حدائق وزارة الدفاع للذكرى وكرمز لنجاته من موت محقق وفي اول اطلاقة مدفع للدبابة هوت السيارة محطمة الى الأرض) ترجلت سيارتي واحتلت موضعا على سطح الجامع المقابل لوزارة الدفاع (جامع المرادية) وازدادت النيران ثم انتقلنا الى دار عالية فأسكتنا بعض جيوب المقاومة .
وبعد الانتهاء من هذا الواجب اخبرت العقيد الركن خالد مكي الهاشمي بالموقف وطلبت منه هاون 82 ملم فوعدني بذلك.
قدمت ناقلاتي مع بعض الدبابات الى ساحة الميدان على بعد (15 ) ياردة من السياج وبدانا بالرمي السريع بالاشتراك مع الدبابات والمشاة و رشاشات الناقلات ومن جراء الرمي الشديد خرج ما يقارب (75) من المراتب من الباب القديم فأخذنا أسلحتهم وارسلناهم الى موقع بغداد.
وصل الفوج الثالث للواء الثامن وتوجهت سراياهم الى السياج واحتلت السياج.
وعندما استلم العقيد الركن محمد مجيد قيادة معركة وزارة الدفاع ووضع خطة اجتياح الوزارة والسيطرة عليها , اقتحمت سرايا الفوج الثالث السياج الايسر لوزارة الدفاع واقتحمت سريتنا من الباب النظامي مع فصيل من الفوج يقوده الملازم الأول إبراهيم وهيب.
استمر القتال بضراوة في هذه المنطقة وكان عبد الكريم الجدة ورفيق له يحتل موضعا على بعد (40) ياردة منا لكننا وجدناه مقتولا فيما بعد في الخندق مع رفيقه . استمر هذا القتال القريب عدة ساعات ولما كان الظلام حالكا اندفعنا الى وزارة الدفاع مع المقدم محمد يوسف طه والرئيس الأول الركن دخيل الهلالي والملازم الأول عبد الرحمن سيد جواد مع بعض الجنود ووصلنا بناية القوة الجوية وناديت بأعلى صوتي اخرجوا ولكم الأمان فخرج رئيس طيار لا اعرف اسمه مع ضابط اخر وبعض المراتب فأرسلناهم الى الخارج ثم دخلنا بناية القوة الجوية فوجدنا ثلاثة فوانيس استخدمناها في التطهير فطهرنا جميع البناية ثم وجدنا خلف البناية القوة الجوية اكثر من مائة جندي اخذنا أسلحتهم وارسلناهم للخارج.
ثم فوجئنا بنار شديدة من المعتصمين من جماعة الزعيم فاصبحنا بين نارين فجرح الملازم الأول عبد الرحمن سيد جواد بيده .. طلبت الى المقدم الركن محمد يوسف طه ان يصحبني أربعة جنود فذهبت بهم الى شاطئ وزارة الدفاع لأبحث عن اوكار المدافع او الصواريخ وعندها وجدنا قاذفة 82 ملم مع اعدادها فتم اسرهم جميعا ثم استولينا على أربعة مدافع ب10 ثم قمنا بطلب جهاز لاسلكي كي يتم الاتصال لإيقاف قصف الطائرات لوزارة الدفاع وكانت اخر غارة جوية قد حدثت من قبل الطيران في الساعة الرابعة مساء يوم الجمعة حيث كنا على مقربة من الجناح الايسر لوزارة الدفاع , بعد ذلك اصدر العقيد الركن محمد مجيد قائد القوات التي تهاجم وزارة الدفاع أوامره بتقسيم السرية الى 3 فصائل فصلين قادهما الرئيس الأول الركن دخيل الهلالي والفصيل الثالث قاده الملازم الأول غازي شاكر امام الجناح الشرقي للوزارة وانضمت السرية الثالثة الى القوات التي دخلت مبنى الوزارة من الجناح الغربي وبدأت هذه القوات في تطهير المبنى حجرة حجرة.
وفي الساعة الرابعة من فجر يوم 15 رمضان توقف رمي الدبابات وحركة المشاة بأمر من العقيد الركن محمد مجيد الذي وضع خطة جديدة لاحتلال وزارة الدفاع بكاملها من قبل المشاة والدبابات سوية وفي أضواء النهار الأولى. فقد اخبر العقيد الركن محمد مجيد بان هناك مفاوضات مع الزعيم عبد الكريم وانه سيستسلم في الساعة السابعة صباحا وظن البعض ان الزعيم يحاول كسب الوقت وتم في الاخر الاتفاق على اخلاء وزارة الدفاع بكاملها في الساعة السابعة صباحا اذا لم يسلم الزعيم نفسه. وفي الساعة السابعة والنصف ارسل العقيد الركن محمد مجيد الرئيس الأول الركن داود عبد الجبار الى موقع بغداد ( الذي كان يشغل مبنى في الثكنة الشمالية مقابل المتوسطة الغربية ) حيث كان هناك المفاوضون وفهم ان عبد الكريم قاسم لم يستسلم !
اصدر العقيد الركن محمد مجيد بوصفه قائد معركة وزارة الدفاع أوامره الى المقدم الركن محمد يوسف طه بوجوب تنفيذ الخطة المتفق عليها والمرسومة مسبقا .
بدأت الدبابات بالدخول الى وزارة الدفاع من جهة الميدان متصلة بقطاعات الفوج وتقدموا لتطهير معظم الوزارة ما عدا قاطع الانضباط العسكري . ثم أرسلت دبابة من جهة الشارع بقيادة رئيس عرفاء الوحدة جلوب إسماعيل المنسوب الى مدرسة الدروع الى قرب قاطع الانضباط ورمت هذه الدبابة جميع ابنية هذا القاطع وحطمته . وبعد ذلك تقدم الفوج واكمل تطهير الوزارة جميعها امر العقيد الركن محمد مجيد الدبابات بعدم الرمي وتوقف الرمي في الساعة الثانية عشرا ظهرا ثم امر بأرسال قسما منها ومن المشاة الآليين الى قاطع مبنى قاعة الشعب لتشديد الرقابة من هذا القاطع وقطع وسد جميع الطرق والمنافذ بوجه هروب الزعيم عبد الكريم قاسم . وامر كتيبة مقاومة الطائرات الخفيفة 17 التي كان يقودها العقيد محمد مصطفى بتفتيش وتطهير قاعة الشعب واسر عبد الكريم قاسم وجماعته.
وبعد ان اتصل الزعيم عبد الكريم قاسم بقيادة الثورة وابدى استعداده للتسليم ارسل الملازم هادي سالم من كتيبة الدبابات الثانية بدباباته لجلب الصحفي يونس الطائي المتواجد مع الزعيم عبد الكريم قاسم في قاعة الشعب في تلك الساعة . وصل يونس الطائي الى موقع بغداد واستمع الى وجهة نظره في موضوع استسلام عبد الكريم قاسم . يقول الرئيس الأول داود عبد المجيد الذي كان متواجدا في تلك اللحظات في موقع بغداد : كلفني كلا من العقيد الركن عبد الغني الراوي والعقيد الركن عبد الكريم نصرت ان اصطحب معي يونس الطائي بناقلتي الى قاعة الشعب لان عبد الكريم قاسم يريد التسليم . تقدمت بناقلتي حاملا معي يونس الطائي باتجاه قاعة الشعب بأسناد ناقلتين من دبابتين أخريين .. وحين وصلت الى موقف باب المعظم مقابل الباب اليمنى لقاعة الشعب . ترجل يونس الطائي فصاح من الباب " قاسم ... قاسم ) وكان يقصد قاسم الجنابي مرافق الزعيم (افتح الباب اجوا الجماعة ) فتحت الباب وما ان دخل حتى فوجئنا بنار حامية تنصب علينا من قاعة الشعب فأسندتنا دبابة من كتيبة الدبابات الأولى بقيادة الملازم اياد ناجي عبد اللطيف الذي جرح واسكتت النيران المنصبة علينا من قاعة الشعب . وبعد قليل عاد يونس الطائي وقال ان الزعيم يريد التسليم في الساعة السابعة صباحا وانه سيمنع جماعته من الرمي . وبعد فشل المفاوضات التي اجراها يونس الطائي وقد تم توقيفه بعد ذلك من قبل علي صالح السعدي . قام الزعيم عبد الكريم قاسم بحلاقة ذقنه وغير ملابسه واتصل بعبد السلام محمد عارف عارضا عليه الاستسلام مرة أخرى.
اعتقد ان القصة فيها الكثير من الثقوب , وعلى المهتمين بقصة انقلاب 14 رمضان الأسود مقارنة هذه القصة مع ما كتب عنها من قبل اخرين , خدمة للحقيقة ولتاريخ العراق. وفي هذه المناسبة أتمنى من الباحثين ولاسيما طلاب الدراسات العليا البحث عن مصير المشاركين بانقلاب 14 رمضان , لان هؤلاء المسؤولون الحقيقيون عن تخلف العراق وقتل شعبه .

حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجر
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امي