|
غلق | | مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربي | |
|
خيارات وادوات |
فالح الحمراني
2018 / 12 / 31
تنؤات متشائمة للوضع الإنساني بالعراق في عام 2019*
فالح الحمـراني
تشير كافة الدلائل إلى أنه سيتم ترحيل العديد من المشاكل والتحديات التي تواجه البلاد إلى عام 2019 في ظل عدم استكمال كابنيه مجلس الوزراء وتفاقم الخلافات بين الكتل البرلمانية، وعدم إقرار موازنة الدولة، وغياب المشاريع الاستراتيجية لانعاش الاقتصاد وتوفير حياة كريمة للمواطن، ولم تكلف الحكومة الجديدة نفسها حتى "عناء" الرد على ما يتردد في وسائل الإعلام العراقية والأجنبية وشبكات التواصل الاجتماعية عن " بيع وشراء" المناصب الوزارية الحساسة ورئاسات مؤسسات الدولة، وثمة معطيات على أنه وبعدما أن أعلنت بغداد النصر النهائي على إرهابيي داعش فإن السياق الإنساني في العراق انتقل إلى مرحلة جديدة، من دون إزالة حدة المشكلة الإنسانية والضرورة إلى تقديم المساعدة المطلوبة للسكان المحتاجين.
ووفقا لمعطيات الأمم المتحدة وتوقعات الخبراء، فانه لن يتم التغلب في عام 2019 على الأزمة الإنسانية المتواصلة في العراق منذ 4 سنوات. وسيظل خُمس سكان العراق، أي ما يقرب من 7 ملايين شخص، يعانون من مشاكل إنسانية. وكما اتضح، فان الانتصار على داعش وإحلال السلام لم يكن كافيا للتغلب على الأزمة الإنسانية. وهذا يتطلب توظيف استثمارات ضخمة وإصلاحات اقتصادية هيكلية ومشاريع طويلة الأجل، وان يتم إيلاء اهتمام خاص لموضوع إعادة اللاجئين الحساس، وإعادتهم إلى مواطن إقامتهم، من دون سياسات تميزية.
إن تباطؤ عملية حل مشكلة النازحين والمشردين تعود بالدرجة الأولى إلى عدم وجود إصلاحات ومبادرات اقتصادية وسوقية فعالة، من شأنها أن تخلق مصادر دخل مستدامة وفرص عمل جديدة وتستعيد قاعدة الإنتاج لاسيما في المناطق المنكوبة. وبالتالي فان الحجم العام للمحتاجين إلى المساعدة الإنسانية يظل في عام 2019 من دون تغيير، على الرغم من النجاح بإعادة التوطين الذي تناولته وسائل الإعلام على نحو واسع. وعلى الإجمال، من المتوقع إن يبقى 6.7 مليون شخص في العراق يكون كل واحد منهم بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة. وتشكل هذه المجموعة 18% من إجمالي سكان العراق، إن القسم الأعظم بينهم من الفئات الضعيفة في المجتمع، فمن بينهم 3.3 مليون طفل إلى سن 18 عاما و3.3 مليون من النساء.
في هذا الصدد فإن التنبؤات بحجم الاحتياجات الإنسانية للعراق للسنة القادة تنطوي على أهمية خاصة. وعلى وفق خبراء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، فعلى الرغم من حلول مرحلة ما بعد القضاء على داعش والمتحالفين معها، فسوف تستمر الاشتباكات المنفردة مع الجماعات المسلحة، التي سيكون لها انعكاسات سلبية على تخطيط وبرمجة العمليات الإنسانية في البلاد. وسيكون من الصعب التنبؤ بالهجمات المتقطعة التي سوف يشنها المسلحون، وينبغي توقع مثل هذه الاستجابات غير الممثلة من السلطات. كل هذا سيعمل على زعزعة الاستقرار والأمن، ويكون بمثابة الحافز الرئيسي على الهجرات الجماعية الجديدة للسكان داخل العراق.
وفي موازاة ذلك، ستنعكس على الحالة الإنسانية في العراق في العام القادم، زيادة الفقر والفاقة وانعدام القدرات الاقتصادية، ومصادر الدخل المستدام، وكنتيجة لذلك سيتم تباطؤ عملية دمج وإعادة اللاجئين السابقين في المجتمعات المحلية. وسيخلق هذا الوضع بؤر عدم استقرار جديدة، مما سيؤدي إلى تفاقم التناقضات الاجتماعية والسياسية، وسيسهم أيضا في حدوث نزوح جماعي جديد للسكان.
ووفقا لمعطيات الأمم المتحدة فان العراق احرز في عام 2018 تقدما كبيرا من حيث إعادة المشردين داخليا إلى أوطانهم: حوالي 4 ملايين شخص عادوا إلى أماكن إقامتهم السابقة، ومازال هناك 2 مليون آخرين بصفة المشردين داخليا. ومع ذلك، لا ينبغي أن نخدع انفسنا بهذه الأرقام: فقد كانت العودة بالنسبة للكثير من العائدين، هي خيار بين " شَرين"، ومازال العائدين في حالة يرثى لها في أماكن إقامتهم، حيث لم تتوفر لهم ظروف آمنة بشكل دائم، ولم يتم ترميم الكثير من المنازل، ولم يتم التخلص من مشاعر الصدمة النفسية، وبالرغم من الإحصائيات المشار إليها ،فإن معظم العائدين البالغ عددهم 4 ملايين سيظلون في العام المقبل، وكما كانوا من قبل، بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، لأن وضعهم الاجتماعي ـ الاقتصادي يبقى غير مستقر. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال اكثر من مليوني عراقي في وضع المشردين داخليا، يعيشون في المخيمات وبين السكان المحليين. وينبغي إيلاء أهمية خاصة وتأثير إنساني لجماعة كبيرة من عناصر المتطرفين السابقين، وحتى المسلحين الذين اجتازوا ما يسمى "الفلتر" ويندمجون الآن بنشاط في المجتمع العراقي. إن هذه الجماعة قد تجابهه عوائق ويكون اندماجها بالمجتمعات المحلية ليس سهلا، مما يتطلب إيلاء اهتمام خاص بها من قبل الشركاء في المجال الإنساني.
وفيما يتعلق بطرائق تقديم المساعدة الإنسانية في العراق من جهة الأمم المتحدة، فان مسار جهودها الرئيسية والأولوية المطلقة ستهدف في عام 2019 إلى ضمان حماية السكان. وتشمل هذه الجهود مجموعة هامة من العناصر، مثل ضمان العودة الآمنة والطوعية والمستدامة إلى مواطن الإقامة، وتصفية ممارسات العنف في المجتمع على الهوية العرقية والعشائرية، وتقديم الدعم السايكولوجي الخاص، فضلا عن استعادة وحماية الحقوق المِلكية بالأراضي والعقارات للعادين واللاجئين، ولاسيما أولئك الذين دمرت مساكنهم خلال العمليات العسكرية. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، فقد تم تدمير 138 ألف مبنى سكني في العراق، التي لم يعد نصفها قابل لإعادة البناء. وهذا يعني إن ما يقرب من 400 ألف ساكن قد اصبحوا من دون مأوى. وأن هناك حاجة إلى مشاريع هادفة لحل المشكلة. وأخيرا يتعين القيام بعمل مضنِ لاستعادة النازحين والمشردين داخليا، حزمة وثائقهم الشخصية. وينغي القول، إن الوضع يتطلب بذل الجهود الكبيرة في هذا الاتجاه ، وخاصة الحد من مستوى العنف. فعلى سبيل المثال تم توثيق 87 حالة عنف وقعت في العراق خلال ثمانية اشهر من عام 2018، التي تعرض لها 10 آلاف شخص.
إن تسوية العلاقات الاجتماعية وخاصة في المخيمات التي يقيم فيها المشردين داخليا، تعد مسار هام من المساعدات الإنسانية. والكلام يدور عن العنف الجسدي ضد النساء والأطفال، واستخدام عمالة الأطفال على نطاق واسع، والزواج قسرا من القاصرات. وقد سجلت في السنوات الأخيرة زيادة ثابتة في تواتر هذه الظاهر السلبية. ورغم الجهود المبذولة من قبل الدولة إلا أن هناك عددا كبيرا من المشردين والعائدين لايزال يعتمد على المساعدات الإنسانية في عام 2019. وسيظل 482 ألف لاجئ يعيشون في 135 مخيم بحاجة إلى مساعدة خاصة، ويعيش على الأقل 150 ألف منهم في خيام مؤقتة وفي ظروف سيئة للغاية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• اعتمدت المادة على دراسة لمعهد الشرق الأوسط استند بها على تقرير للامم المتحدة بشأن الوضع الانساني في العراق وافاقه في عام 2019